أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سيدي حزن السوريين .. ألا رحماك قليلاً *

الكاتب: هل سمعتم بمن لا يجرؤ على مهاتفة أهله حتى لا تستيقظ روحه - أرشيف

سالف الوقت لم يكن متاحاً تفسير الحزن الذي يجتاحك بعض الأحيان، أو كثيراً منها، كم جميل ذلك الحزن الغامض، كانوا يقولون إن الحزن أهم من الفرح، وإنه عميق، واليوم لست أدري كيف يقاس الحزن والذاكرة أصبحت مثل قدمٍ ضربتها الغرغرينا، ولا سبيل إلا لاستئصالها. 

مثل ملايين المهجّرين قسراً أقف على شرفة أوجاعي كل يوم، أسمع وأشاهد أشلاء الأطفال، صراخ الرجال، أتجنب صور الأمهات، أشتم الأمم المتحدة والتاريخ.

يقولون إن الوجع سينتهي، ويقولون أيضاً إن المذبحة لم تنته بعد، إذن فالذاكرة مازال أمامها ما تراكمه من الوجع، حتى لو توقف شلال الدم، فأرواحنا ستبقى تهيم طويلاً، وصور الذين رحلوا ستبقى طريّة وطازجة، سنلتهمها كل لحظة، وعندما نقرر الابتعاد قليلاً ستجوع الذاكرة... ويل للذاكرة من الذين لم تدفنهم أيدينا كما تعودت، ومن خيالات البيوت المهدمة على أجمل ما بنته أرواحنا، صورة العائلة، صباحات الكروم في القرى، مساءات الثرثرة والحب في المدن، قيظ المسافات التي نقطعها في صيف الأعياد.

كل مرّة أتساءل، كيف يمكن للسوري أن يتغلب على كل تلك الذئاب التي نهشت روحه وجسده، الموت، الوقت، الطغاة، أمراء الحرب، حملة الرايات السوداء، وكيف يمكنه أن يضحك وفي داخله يعتمل عويل كل تلك الذئاب.

يقولون إن رجلاً جاء إلى أنطون شيخوف يحدثه باستنكار عن الحالة المتردية للكون، وأن تشيخوف قال كلمته الشهيرة آنذاك: "لا نشك أننا نعيش في زمن صعب .. ولكن متى لم تكن الإنسانية في زمن صعب".

هل كانت الإنسانية حقاً تعيش مثل هذا من قبل، إذن لماذا يكرر البشر جرائمهم، لماذا يعيدون إنتاج الحزن، لماذا يحمّلون ذاكرة التاريخ مزيداً من المآسي، ولماذا نحن مصرون على أننا نتألم وحدنا، ولماذا لا ننسى ونتذكر قول الصمّة القشيري:

وليست عشيات الحِمى برواجعٍ
إليك ولكن خلِّ عينيكَ تدمعا
هل بينكم من يستطيع أن يطوي الذاكرة على رائحة ثوب أمّه التي تركها قهراً في قبر أو منفى، أو على حيطان بيته الذي تهدّم كما تتهدم الأضلع على القلب، أو على ضجيج أطفال الحي الذين مات نصفهم وتركوا الصراخ يعبث برؤوسنا مثل خبزِ العيد.

هل سمعتم بمن لا يجرؤ على مهاتفة أهله حتى لا تستيقظ روحه، نعم أنا منهم، أخاف من صوت أحبتي، وأعرف أنني أقلّ المصابين، ولكنّ أقل الشيء أكثره حين يُقتل الوطن كلّ صباح باسم قرار الشعب وطاغيته، باسم حمايته من الفتنة، باسم البندقية والعسكر، باسم الدين، باسم اليسار واليمن.

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(219)    هل أعجبتك المقالة (219)

محمد علي

2016-05-11

مقال حزين كواقعنا الذي نعيش للاسف ،،،، شكرا استاذ عيد.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي