أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حجاب الأسد وحجاب الغرب.. ميخائيل سعد*

سورية هجرت من حمص - ارشيف

قد تكون المقارنة في بعض جوانبها ظالمة، بين الحالتين، ولكن تبقى أفضل من الصمت، وعدم الكلام الواضح، الذي يجب أن يكون جرحه أقل إيلاما من نتائج الصمت.

في صيف 1980 أمر رفعت الأسد بعض عناصره من الرجال والنساء بالانتشار في أحد أشهر شوارع العاصمة السورية دمشق هو شارع الصالحية، شديد الاكتـظاظ بالناس، ونزع حجاب كل امرأة تمرّ في الشارع في ذلك الوقت. ما أحدث ضجة كبرى في المجتمع السوري، ولغطا، دفع بحافظ الأسد للاعتذار عن هذا السلوك الأرعن لأخيه.

أما المجتمع السوري فقد أعلن رفضه لسلوك الأسد "الصغير" بأساليب متعددة، ومنها ما تجلى في ازياد عدد النساء المحجبات بما فيهن نساء علمانيات، وسمعت فيما بعد عن أن بعض المسيحيات المسيسات قد وضعن الحجاب، احتجاجا على السلوك القمعي لرفعت الأسد.

كما كانت الواقعة إحدى الحجج التي استخدمها بكثرة تنظيم "الطليعة المقاتلة" لتجييش المسلمين السوريين في حربه المفتوحة آنذاك ضد نظام الأسد، والتي كانت نهايتها مجزرة حماه المأساوية عام 1982 والتي راح ضحيتها حوالي 30 ألف حموي، وبداية "أبديات" الأسد في جميع نواحي الحياة السورية، إلى أن فجر الثورة أطفال درعا عام 2011.

في صيف 2007 أو 2008، لم أعد متأكدا من الزمان، زار مونتريال الدكتور سمير التقي بدعوة من صديق، وقد التقيته في اليومين اللذين أمضاهما في المدينة.

ومما بقي في ذاكرتي قصة رواها للدلالة على عمق واتساع ظاهرة الحجاب في سوريا، وبالتالي عن أسلمة المجتمع السوري بفعل سياسات النظام وردود فعل الناس عليها، فقد قال: أحد الأيام جاءت إلى عيادتي شابة محجبة تبحث عن عمل، وعندما قابلتها عرفت من لهجتها أنها علوية، فسألتها عن مبرراتها لوضع الجاب، فقالت: الكثير من الأبواب تُغلق في وجه الباحثات عن العمل، إذا كن من غير المحجبات، لذلك كنت وغيري مضطرات لوضع الحجاب أثناء عمليات البحث عن عمل.

لا أملك الإمكانات، ولا المعطيات لرسم الحدود بين تدخل سلطة الأسد في هذا الأمر (القبيسيات مثلا) وتدين المجتمع فعلا، فهذا الأمر يحتاج إلى باحثين في مجالات متعددة، اجتماعية وسياسية وفكرية وأنثروبولوجية وغيرها لمعرفة الإجابات عن أسئلة مثل دور السلطات في تحويل الدين إلى مجرد طقوس يمكن أن تخدم هذه الأنظمة، وعن نمو التدين في المجتمع كتعبير عن حاجات روحية لمواجهة المشاكل اليومية التي باتت تتعقد يوما بعد يوم!

بعد قيام الثورة السورية واستمرارها كل هذه السنوات، وظهور "داعش" وتقديمه للمشاهد الغربي عبر وسائل الإعلام على أنه أحد صور "الإسلام الإرهابي" الذي يجب مكافحته كما لو أنه وباء، انتشرت في الغرب ظاهرة الخوف من أي شيء له علاقة بالإسلام (إسلاموفوبيا) حتى لو كان "السلام عليكم"، مع كل حمولات الحب والسلام التي تحملها التحية، فالغربي أصبح يرى فيها "قنبلة حية" قد تقتله في أي لحظة. 

وكان من نتائج حرب الأسد على السوريين، والتي صمت عنها الغرب، انفجار الهجرة السورية إلى الغرب، مما زاد من صب الزيت على نار رعب الغرب من الإسلام (إسلاموفوبيا)، وكان أيضا "الخوف" الذي انتشر في أوساط الجاليات العربية والإسلامية عامة الموجودة في هذا الغرب من ردود فعل الناس والحكومات عليهم وعلى مؤسساتهم، التي تقدم بعض الخدمات، مثل الجوامع والمدارس.

في هذا المقال سأتحدث عن جانب واحد أعرف بعض تفاصيله، وله علاقة بظاهرة الحجاب في الغرب عامة، وكندا خاصة، وسأحاول ربطه بالقسم الأول من المقال.

بما أن المدارس الإسلامية في الغرب، هي مشاريع استثمار شخصية، حتى لو كانت تحت أسماء تدل على ملكية عامة، إلا أنها في الحقيقة هي خاضعة لسيطرة شخص واحد، هو المستفيد الوحيد منها.

مع انتشار الإسلاموفوبيا، سارع أصحاب هذه المدارس، أو أغلبهم، إلى تعديل مناهجمهم التعليمية بما يؤكد حرصهم على تعليم طلابهم تاريخ البلد الجديد وقيمه، بتفاصيلها المملة، التي تتجاهلها المدارس الحكومية نفسها، لأن هذه التفاصيل محلها ليس هنا، ولكن الخوف من إغلاق هذه المدارس تدفع "بجماعتنا" إلى المبالغة في إعلان "ملكيتهم أكثر من الملك".

ولكن بما أن المصلحة الشخصية تقتضي أن لا يخسر هؤلاء أيضا طلابهم، فهم مصدر دخلهم وثرائهم، نتيحة انتفاء تمايز منهاهجم التعليمية عن مناهج المدارس الحكومية المجانية والمفتوحة أمام الجميع، وجد بعضهم حيلة جديدة، ولكنها تلبي حاجة نفسية عند أهل الطلاب، هي إجبار طالبات الصفوف العليا من المرحلة الابتدائية على وضع الحجاب، حتى لو تم ذلك على باب المدرسة.

يخلق ذلك، على المدى الطويل، تناقضا بين العلوم الوضعية التي يتلقها الطالب المسلم وبين قناعاته، أو على الأقل بين علومه وثيابه التي تميزه عن المجتمع، مما سيدفعه لاحقا إما الى الانطواء على نفسه أو كسر محيطه الضيق للانطلاق إلى عالم المجتمع الأوسع، مع كل ما يترتب على الحالتين من مشاكل، وهذا يذكرني بالمثال الذي ساقه الدكتور سمير التقي عن الفتاة العلوية التي تضع الحجاب كي تعثر على عمل في مؤسسات المجتمع "المتدين"، كما يذكرني بسلوك رفعت الأسد الذي كان يدعي إنه يريد "تحضير" المجتمع، ولكن في الحالتين كنا نسير نحو الثورة التي أخافت حكامنا وديكتاتوريينا، وأخافت الغرب الذي دعم هذه الديكتاتوريات بحجة مواجهة "الإرهاب الداعشي" والاستقرار.

أستطيع الادعاء أن سلوك تلك المدارس بفرض الحجاب على طالباتها الصغيرات ليس هدفه خدمة الدين، وإنما خدمة جيوب أصحاب تلك المدارس باسم الدين، ودغدغة مشاعر المهاجرين الذين يعانون من عدم قدرتهم على التأقلم، فيتوهمون أن وجود أولادهم في هذه المدارس هو نوع من الحماية لهم من آفات المجتمع، متناسين أن تأثير "هاتف محمول" حديث، قد يكون أكثر قوة وتأثيرا من جدران هذه المدارس، وأن خير وقاية لهم ولأولادهم، ما داموا مضطرين للعيش في الغرب، هو التأقلم، والعمل بقوة كي تكون قيمهم جزءا من قيم المجتمع الذي يعيشون فيه، وليس منفصلة عنه.

*من كتاب "زمان الوصل"
(209)    هل أعجبتك المقالة (214)

محمد علي

2016-05-10

كنت ابحث عن اسم رياض حجاب في المقال ،،،،، لكن الموضوع هو لم يتغير حجاب المراة المسلمة الذي جعل سكان الكرة الارضيه تنتفض و كانه لا يوجد موضوع اخر على وجهه الكرة الارضيه الا حجاب المراة ،،،، فلنناقش غطاء راس الرجل عند الهندوس عبدة النار و البقر ،،،و ارغام الحكومات الكندية و الامريكية في ارتدائه في الشرطة و الجيش و على فكرة حتى الاطفال يجبرو على ارتدائه و هو مقزز للغاية ،،، مجرد دهن الشعر بالزيت و لا غسيل و لا نظافة ،،،، لا ادرى لماذا هذا الموضوع مفزع و غريب لدى الغرب مع ان الحجاب لا يتعدى كونه غطاء للراس مثله مثل الكاب او طاقية كاوبوي او طاقية ازياء نسائيه كما ترتديها ملكة بريطانية و الحاشيه الارسطقراطية في اوروبا ،،،،، ما هي الجزئيه الاسلامية التي تخيفهم لهذه الدرجة حتى تشن هذه الحرب الغبية على الاسلام و المسلمين بما يسمى بلاسلاموفوبيا ،،، من ماذا يخافو ؟.


وحيد

2016-05-16

يا سيد محمد علي : إن ما كتبه الأستاذ ميخائيل لا علاقة له بما كتبته على الإطلاق! أرجو أن تقرأ النص جيدا وتدركه جيدا لترى أن ما كتبته لا لزوم له! الحقيقة أن ما يحدث في سورية خطير جدا إلى حد يصعب التنبؤ بمآلاته القريبة جدا وحتى المتوسطة والبعيدة. سنرى اندماجا ما -مثلا- للسوريين في الغرب وقد نرى تزاوجا متنوعا جدا وأجيالا مختلفة جدا وتأويلات للإسلام -مثلا- مختلفة جدا! نحتاج ولا سيما نحن المعارضين للأسد أن نهيء أنفسنا لمتغيرات ، فنتعلم التسامح ورحابة الصدر وتقبل التأويلات حتى الجذرية منها! على كل حال شكرا للستاذ ميخائيل الذي يلتقط في نصوصه أشياء جميلة جدا في حياتنا وماضينا فنلتفت بها ومعها إلى ذواتنا وما حولنا ونتأمل ونفكر. شكرا ..


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي