لا تصالح
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة
والذي اغتالني: ليس ربا
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
ـ أمل دنقل "لا تصالح"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصف قرن من الذلّ، من اغتيال الروح، من جور لصوص احترفوا بيع الكرامة في "بازار" السلطة، نصف قرن، وأزيد، لم يسمع السوري صوته مثل كل البشر، كان "يدبك" في عرس الطاغية مكرهاً، ويبصم بالدم على "نعم" على الورقة، وقلبه طافح بألف ألف "لا".
يحق لرئيس هيئة المفاوضات رياض حجاب، أن يقول لا، وأن يقلب الطاولة، ويستطيع، لا بقدرته، بل باستناده إلى موقف الشعب السوريّ الثائر منذ خمس سنوات، دون أن ينهكه الموت، دون أن يقول تعبت، دون أن يسجّل المارقون في نفس هذا الشعب لحظة خنوع حتى عندما بلغ خصمه حدّ العدميّة في القتل.
منصّة جنيف التي اعتلاها حجاب أمس، هي منصّة صنعتها أرواح وقلوب جسورة، ومنصة النظام التي اعتلاها "الجعفري" هي منصة جماجمٍ ولصوص.
بينما كان وفد المعارضة يقول بملء الفم لا أسد بعد اليوم، حتى ولو كسرت هدنة موسكو ـ واشنطن، كانت طائرات النظام المذخّرة والمصنوعة بيد الروس تغتال أرواح عشرات الأبرياء في إدلب ودمشق وحمص وغيرها.
وبينما كان وفد المعارضة يطالب الدول الصديقة بخُمسِ ما تقدمه موسكو وطهران للأسد، كان الجعفري منشغلاً بتوصيفها بأنها تطلب مصروف الجيب من الخارج، وينسى أن آل الأسد مخلوف قلبوا جيوب حتى الفقراء، وامتصوا حتى أحلامهم وحولوها إلى جنيهات استرلينية ودولارات تدار في شركات وهمية.
من يراقب ما يحصل على الأرض وفي أروقة السياسة، يعرف كم هو مأفون هذا النظام وموظفوه، واحد يخرج على وكالات الأنباء ليعرض على يده ساعة بصورة الأسد، وآخر يبعث مخبريه ليعرف لون ربطة العنق التي يرتديها "ديمستورا" ليلبس مثله، معتقداً أن "البيض يُقلى بماء"، كسابق عهد تجارة الأسد ومخابراته في الأروقة الدولية.
نام الأسد منزعجاً .. وربما لم ينم، لأنه من طينة فاسدة، وعصابة كانت تقوم بإخصاء من يقول له "ما أحلى الكحل بعينك"، فكيف وهو يرى قامة الثورة تدفع برجل من صفها السياسي ليقول بأنه لا أسد بعد اليوم، وأنه لا فرار من العدالة والمحاسبة.
لست واهماً أن نصف ما يقال على المنابر هو سياسة، لكن نصف ما قيل يكفي لأن لا ينام الأسد بعد اليوم، وأن يتمنى الموت فلا يناله، وأن يعرف حملة السواطير الذين روّعوا السوريين بأن الحساب أمر لا مفرّ منه، وليس عبرة أن يصنع النظام وفوداً بالأحمر والأزرق، والشال و"الميكروجوب"، فهؤلاء سيختفون دفعة واحدة بعد حين، وفي أحسن الأحول سيكتبون قصائد ومقالات في دوريات رديئة عند أحد متقاعدي النظام في الخارج.
يحق للسوريين أن يصرخوا بوجه العالم ... يحق لهم أن يكشفوا عن خسّة ودمامة خصمهم، الذي غدر بالأرض والبشر، سيقولون لا "إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة"، سيقولون لرياض حجاب "لا تصالح"، ويعرف العالم كم هو صعب أن يقول حرّ ما يريد في زمن الصفقات، بيد أن هنالك ما لا يباع ولا يشترى، "فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ" وخصمهم ليس ندّاً بل مجرّد لصّ.
مهما كانت نتائج ما وصلت إليه اجتماعات جنيف، فإن حقيقة واضحة لا يخطئها حصيف، هي حضور حجاب بمن يمثل، وغياب الأسد بمن وبما يمثل "ولو قيل رأس برأس".
*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية