أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بشار يعود إلى بيت الطاعة الروسي مع اعتذار علني يركز على "الحل السياسي"

على الحدود المقدونية اليونانية.. سوريين ورحلة شتات - جيتي

بدّل بشار الأسد بشكل واضح لهجته حيال "الحل السياسي" في سوريا، منوها بأهمية هذا "الحل" بعدما كان شكك به ورفضه في أكثر من مناسبة، ماسبب توترا بينه وبين موسكو، دفع الأخيرة لشن "حملة تأديب" إعلامية ضده وصفته خلالها بأوصاف من قبيل "ذيل الكلب" واتهمته بـ"الفذلكة".

وتبدو اللهجة الجديدة لبشار أقرب إلى تنفيذ أوامر موسكو أو الاستجابة لطلباتها خوفا من سخطها، حيث إنه اختار وكالتين روسيتين ضخمتين ليمرر من خلاله موقفه الجديد، وكأنه يمرر اعتذارا علنيا لروسيا، طالبا صفحها.

وأبرزت الصفحة الرسمية لـ"رئاسة الجمهورية العربية السورية" مقتطفات من حديث بشار لوكالتي "ريانوفوستي" و"سبوتنيك": ردا فيه على من يقولون بأن "الانتصارات التي يحقّقها الجيش على الأرض حاليا ستقوي الموقف الحكومي في محادثات جنيف وتهدد العملية السياسية"، فقال: "هناك من يتهمنا نحن وروسيا بذلك، حيث يتم تصوير وقوف روسيا ضد الإرهاب على أنه وقوف مع الرئيس أو مع الحكومة السورية وبالتالي هو عقبة في وجه العملية السياسية، ربما كان ذلك صحيحاً لو أننا كنّا غير مرنين منذ البداية.. لو أننا كنّا فعلاً متعنّتين، ولكن لو عُدتُ إلى سياسة الدولة السورية منذ خمس سنوات.. نحن استجبنا لكل المبادرات التي طُرحت من دون استثناء ومن كل الاتجاهات، حتى ولو لم تكن صادقة، الهدف هو أننا لا نريد أن نترك فرصة إلا ونجرّبها من أجل حل الأزمة.. لذلك أستطيع أن أُلخّص الجواب حول هذه النقطة بأن الدعم العسكري الروسي ودعم الأصدقاء لسوريا والإنجازات العسكرية السورية كلها ستؤدي لتسريع الحل السياسي وليس العكس".

وكرر بشار مؤكدا: "نحن لم نُغيّر مواقفنا لا قبل الدعم الروسي ولا بعده.. ذهبنا إلى جنيف ومازلنا مرنين... إذاً هذه الأعمال العسكرية، والتقدّم العسكري، سوف يؤدي لتسريع الحل السياسي وليس لعرقلته".

*إهانات متتالية
وكان تأكيد بشار المتجدد على مواصلته "القتال" وعدم رضاه بديلا للخيار العسكري، قد أثار حفيظة موسكو بشكل واضح، ما دفعها لإطلاق حملة "تأديبية" ضد بشار من أجل إعادته لحجمه الطبيعي، وقد بدأت تلك الحملة مع تصريحات للمندوب الروسي الدائم في الأمم المتحدة "فيتالي تشوركين" ، قال فيها حينها إن ما يدلي به بشار من أقوال لا ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد، وأن ما يجب التركيز عليه هو ما سيقوم به بشار في نهاية المطاف، وبدت هذه اللهجة من السفير الروسي محملة بقدر غير قليل من الإهانة لمقام "رئيس دولة" يفترض أنها حليف لبلده. وذهب "تشوركين" أبعد في إذلال بشار، وإظهاره كزعيم نظام بلا كرامة، أو بكرامة منقوصة، عندما قال إن اتباع دمشق لخطوات موسكو والالتزام بخطها يمثل فرصة للسلطات السورية "للخروج من الأزمة بكرامة، لكن إذا ما ابتعدت عن هذا الطريق على نحو ما فسيكون الوضع صعبا للغاية وبالنسبة لهم أيضا". 

وزاد من وطأة تصريحات "تشوركين" إقرار الكرملين على لسان "ديمتري بيسكوف" المتحدث الشخصي باسم "بوتين" أن ما قاله "تشوركين" يمثل القيادة الروسية، مذكرا الجميع بأن الرجل يشغل منصب المندوب الروسي الدائم في الأمم المتحدة. 

وتزامنا مع هذه التصريحات اختارت صحيفة "كوميرسانت" الروسية واسعة الانتشار أن تنشر تحليلا استعانت فيه بآراء خبراء مختلفين أعطوا وجهات نظرهم حول تصريحات بشار الأسد، وقد تولت "زمان الوصل" ترجمة التحليل سابقا.

"كوميرسانت" التي تعد صحيفة الكرملين المقربة، هي نفسها التي نشرت تصريحات "تشوركين" المهينة لبشار، وقد خلص أحد الخبراء الذين استضافتهم في تقريرها إلى تشبيه بشار بـ"الذيل" الذي يحاول أن يهز "الكلب" بأكمله.

وأعطت "كوميرسانت" مساحة من تقريرها لانتقاد تصريحات بشار، مركزة على ادعائه بأنه ما من أحد يستطيع فرض توسية سليمة في سوريا، وأنه ماض في القتال.

*رسائل بالعربية
وبعد "كوميرسانت" الموجهة إلى الداخل الروسي، جاء الدور على الإعلام الروسي الناطق بالعربية، فتولت المهمة "روسيا اليوم"، التي تابعت "حلمة التأديب" بمقال للصحافي "سلام مسافر" المعروف بتأييده لبشار، جاء تحت عنوان "متى ستقول موسكو: كش".

ومنذ عنوانه حتى نهايته، كتب المقال بلغة فيها قدر كبير من التصريح، مع التذكير بأن "كوميرسانت" 
شبه مخولة بالنطق باسم "بوتين"، مضيفا: "ليس صدفة أن كل الأخبار المختلطة برائحة مطبخ الكرملين تفوح من "كوميرسانت" لتتحول بعد هنيهة الى تصريحات رسمية".

وبعد "مسافر" ضربت موسكو ضربتها، بتوجيه رسالة مباشرة إلى بشار الأسد على لسان أحد المسؤولين الروس ذوي الأصول السورية، وهو "زياد سبسبي" نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الفدرالية الروسي.

وجاء مقال "سبسبي" السوري قبل أن يكون روسياً، حاملا قدرا أكبر بكثير من الحدة والإهانة لبشار (الذي هو في النهاية الرئيس الشرعي لكل السوريين ومن بينهم سبسبي حسب نظر موسكو)، فقد حمل المقال عنوان "فذلكة مصطلحات أم مصير شعب؟؟"، وهو عنوان مختصر لكنه مشبع بإيحاءات تحيل إلى تصريحات بشار التي يصفها كثيرون من السوريين بأنها من باب "الفزلكة (عاميا)" و"صف الحكي".. أي الكلام الكثير المنمق الفارغ من المضمون.

وجاء مقال "سبسبي" عقب ساعات من نشر تصريحات أدلى بها بشار لصحيفة "إل بايس" الإسبانية، وقد سئل بشار في تلك المقابلة إن كان مستعدا لاحترام وقف إطلاق النار الذي توافقت عليه موسكو: فأجاب: "بالتأكيد، وقد أعلنّا أننا مستعدون، لكن الأمر لا يتعلق فقط بالإعلان، لأن الطرف الآخر قد يُعلن الأمر نفسه. المسألة تتعلق بما ستفعله على الأرض. وقف إطلاق النار يتعلّق -هذا إذا أردت استعمال عبارة وقف إطلاق النار، وهي ليست الكلمة الصحيحة، لأن وقف إطلاق النار يحدث بين جيشين أو بلدين متحاربين، إذاً لنقل بأنه وقف للعمليات. المسألة تتعلق أولاً بوقف النار، لكن أيضاً بالعوامل الأخرى المكمّلة والأكثر أهمية".

ويبدو أن ما "تفذلك" به بشار للصحيفة الإسبانية، رفع مستوى الحنق لدى موسكو، فأوحت لـ"سبسبي" من موقعه كسوري أولا وكمسؤول روسي ثانيا، وكحلقة من حلقات الوصل بين دمشق وموسكو ثالثا، ليكتب ما كتب، وسمحت له بنشر ما كتب على صدر صفحات "روسيا اليوم" الناطق العربي الأول باسم الكرميلن.

وأشار "سبسبي" في مقاله بلغة مغرقة في التهكم إلى تصريحات بشار الأسد الأخيرة، لاسيما ما جاء خلال خطاب ألقاه على "المحامين" هو يقول: "من هذه اللحظة التاريخية الحاسمة يجب على الجميع أن يصحح معلوماته ويعلم أنه لا يوجد في علم السياسة شيء اسمه الحل السياسي، وإنما يوجد المسار السياسي والمسار العسكري للحل".

ووجه "سبسبي" في نهاية مقاله ما يمكن أن يسمى "رسالة رسمية" كلفه الكرملين بإيصالها ونشرها، وهي: "بعيدا عن حرب المصطلحات والتصريحات والمقابلات الصحفية والتلفزيونية لكافة المعنيين في الملف السوري يبقى الشيء الوحيد الذي يجب أن يفهمه الجميع أنه لا حل و لا مسار للخروج من الأزمة في سوريا سوى السياسي.. وأنه لن يستطيع أحد بتاتا تغيير اتجاه التسوية ولن يُسمح له".

واللافت أن هذه "الحملة التأديبية" جاء في شكل "قصف إعلامي" مركز ومتواصل استمر بضعة أيام، لكنه كان كفيلا بإرجاع بشار إلى بيت الطاعة الروسي، وتقديم اعتذار علني حرصت صفحة "رئاسة الجمعورية" على إبرازه من بين كل فقرات اللقاء المطول مع "ريانوفوستي" و"سبوتنيك"، والذي سينشر على جزأين!

زمان الوصل
(112)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي