أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الشرق والغرب و"الإرهاب" المتجدد.. ميخائيل سعد*

مازال الترقب سيد الموقف في بركسل - بلجيكا - جيتي

مع كل عملية "إرهابية" خارج حدود الدول الإسلامية، وبشكل خاص، في أوروبا، يتجدد الحديث القديم عن "الشرق والغرب"؛ الخطين المتوازيين، اللذين لن يلتقيا "إلا بإذن الله"، وهل الإرهاب المزعوم هو السبب في رسم الحدود ما بين هذين العالمين؟ ومتى ظهر هذا المصطلح؟ وهل الاستبداد الإسلامي هو مسألة "سماوية" أم أنه ردة فعل على الاستبداد الغربي؟

في محاولة البحث عن إجابات عن الأسئلة السابقة عثرت على الكثير منها على مواقع الإنترنيت، وكان القاسم المشترك بينها، لا يتعدى أحيانا، الاسم.
ولكنني وجدت في إحدى المجلات مقابلة مع الباحث الكندي تيري هانتش يقدم فيها شيئا مميزا، قد يلقي ضوءا على محاولة العثور على الإجابات التي أبحث عنها للأسئلة التي طرحتها في البداية.

قبل ظهور الإرهاب، وقبل الحرب "الإرهابية" الكبرى التي يشنها المجتمع الدولي على الشعب السوري منذ خمس سنوات، وقبل حركة النزوح واللجوء باتجاه أوروبا الحلم، ظهر مفهوم الغرب والشرق، كما يقول تيري هانتش، قبل الإسلام: "أول فاصل رُسم بين الشرق والغرب كان ضمن نطاق الامبراطورية الرومانية ذاتها التي كانت مقسمة إلى قسمين: القسم الشرقي والقسم الغربي. تلك الفواصل كانت أساسا سياسية، بالرغم من حملها لمعان ثقافية."

يتابع تيري هانتش في مكان آخر من المقابلة قائلا: "الحملات الصليبية أبرزت انقساما بين شطري المتوسط، انقساما متعدد الجوانب من ضمنه انقسام على أساس ديني.

ولكن الانقسام الديني كان أيضا بين المسيحية نفسها، التي كانت مقسمة إلى مسيحية لاتينية-جرمانية، ومسيحية يونانية-أرثوذكسية.

على كل حال ذلك الانقسام لم يكن انقساما بين الإسلام والمسيحية، لأن الإسلام أقرب إلى المسيحية الأرثوذكسية اليونانية من قرب هذه الأخيرة إلى المسيحية اللاتينية الجرمانية“.

لم يكن "الإرهاب" هو من رسم الحدود الفاصلة بين الشرق والغرب، ولكن هناك من يحاول أن يحمله هذه المسؤولية الآن، وذلك بنسفه لكل الجسور الباقية بين العالمين، "إن بروز الحدود الحالية الفاصلة بين الشرق والغرب تعود إلى ما يمكن تسميته بالحداثة أو العصرنة." لذلك، فرأي تيري هانتش أن "نهايات القرن السادس عشر تشكل المفصل الذي أظهر الفواصل بين الشرق والغرب، ولكن أساس هذا الفصل ليست ثقافية أو دينية أبدا"، إنه عصر النهضة والانفتاح على المحيط الأطلسي وفقدان البحر المتوسط أّهميته كرهان أساسي بالنسبة للأوروبين، فأداروا ظهرهم له.

إن سقوط الاتحاد السوفياتي، دفع بالغرب للبحث عن عدو، يخيف به شعوبه، يمكنه أن يحل مكان "الشيوعية" الكافرة، فكان أن وجد بين يديه "الإسلام"، ولما لم يكن بالإمكان وصفه بالكفر، فقد أطلق عليه صفة "الإرهابي"، وكان هو من "ربّاهُ" وقواهُ في أفغانستان لمحاربة العدو الشيوعي "الكافر".
ولكن مع الربيع العربي اقترب "الإرهاب" أكثر من الغرب، فبعد أن كان بعيدا في أفغانستان، أصبح يحيط بالبحر المتوسط من الجنوب؛ تونس وليبيا ومصر، ومن الشرق سوريا ولبنان وتركيا، وهكذا عاد البحر المتوسط ليكتسب أهميته القديمة كنقطة تواصل بين الشرق والغرب وإنما بمعاني مختلفة، فبالنسبة لشعوب الشرق والجنوب أصبح هو الطريق الوعرة للوصول إلى عالم "الحداثة" والرفاه، وبالنسبة للغرب، تحول المتوسط وضمنه بحر مرمرة، إلى طريق خطرة يحمل إليهم اللاجئين والإرهابيين، الذين، حسب رأيه، سيدمرون قيم الحضارة الغربية ومدنيته، بل ويهددون وجوده كاملا من خلال "أسلمته" وزيارة نسبة الولادات، وصولا إلى قمة الهرم السياسي والثقافي والاقتصادي. وللأسف، كان في أوساط المسلمين من روج بدوره لهذه الادعاءات.

مما لا شك فيه وجود إرهابيين يرفعون راية الإسلام، وهم في سلوكهم الاستبدادي والعنيف يضرون بالإسلام أكثر مما يفيدونه، ولكنهم صورة، إلى هذه الدرجة أو تلك، عن استبداد الغرب كما قال هانتش: "إن التجذر الإسلامي في شكله السياسي، صورة معكوسة لاستبداد الديمقراطية الغربية.

هناك للوهلة الأولى تناقض في جمع استبداد وديمقراطية، لكنني أستطيع جمعهما إذا ما استعملتهما لوصف الديمقراطية الغربية.

الغربي يرى أن الديمقراطية كما يعيشها هو، ويمارسها هو، هي الطريقة الوحيدة الممكنة لممارسة وعيش الديمقراطية.

برأي الغربي ليس هناك ديمقراطية غير ديمقراطيته، وهذا هو الاستبداد بعينه، فالاستبداد هو عندما تحرم الآخر من القدرة على ممارسة عمل بغير الطريقة التي تقوم بها أنت.

أما التعصب الإسلامي فهو الوجه الآخر لهذا الاستبداد "الديمقراطي الغربي".

إن كلامي السابق هو دعوة صادقة، لمحاولة تفكيك "المتفجرات" وإبطال مفعولها، بواسطة المعرفة، في عقول اللاجئين السوريين وغيرهم، إذا كانت موجودة بسبب الثقافة والدين ونمط الحياة والعادات الاجتماعية والحاجات الاقتصادية المختلفة، عن البلدان التي تستضيف اللاجئين.

إن محاولة الانخراط في هذه المجتمعات، عبر تعلم اللغات والعمل والعلاقات العامة، هو الطريق السليم "لفكفكة المتفجرات" الفكرية والنفسية التي قد تكون في داخل كل منا نتيجة سنوات من الجهل المبتادل والتصورات المسبقة.

وأنا لا أشك، نتيجة خبرات متواضعة، أن مؤسسات الغرب تعكف جادة على البحث، رغم جعجعة السياسيين الذين يبحثون عن أصوات الناخبين، ورغم الدور السلبي الذي يلعبه الإعلام الذي يبحث عن الإثارة للكسب السريع، عن حلول لكل المشاكل التي تعيق تأقلم اللاجئين.

فهذه المؤسسات، أولا وأخيرا، ليست جمعيات خيرية، إنما هي مؤسسات تبحث عن أفضل الطرق للاستفادة من هذا العنصر البشري الوافد حديثا، لتنمية اقتصادها ومجتمعها، وواجب المؤسسات الدينية والاجتماعية التي شكلها المهاجرون واللاجئون سابقا أو تلك التي تنشأ حديثا، العمل بدورها، بالتعاون مع مؤسسات البلد المضيف على تسهيل عملية الاندماج.

*من كتاب "زمان الوصل"
(157)    هل أعجبتك المقالة (153)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي