أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا "الجربا"... علي عيد*

الكاتب: السيرة الذاتية لأحمد الجربا لا تؤهله لإدارة مجلس قروي في ريف الحسكة


أعترف أن عنواني هذا مقتبس من صديق وصف سوريا بهذا الاسم عندما تسلّم أحمد الجربا رئاسة الائتلاف السوري لقوى المعارضة، وكانت المقاربة في هذه التسمية هي أننا لو حصلنا على رئيس لسوريا في مرحلة لاحقة مثل أحمد الجربا فإننا نكون قد انتقلنا من "سوريا الأسد" إلى "سوريا الجربا"، وعند ذاك يكون علينا أن نطرح السؤال المركب، من أين جاء الجربا ومن ما هي مواصفاته وقدراته وملامحه الوطنية، ومن ثم كيف بدأ الرجل بشيء وانتهى بشيء، هل المسألة هي سوء تقديرنا للأشخاص، أم انفعالنا كسوريين، أم انشغالنا عن تركيبة المؤسسة السياسية المعارضة ونحن منهمكون في عدّ قتلانا وجرحانا، وعدد كتائبنا وفصائلنا التابعة للجيش الحر وغير الحر، ومن ثم انشغالنا أيضاً بالموقف السياسي الدولي وما يريده الأميركيون الذين اعتقد كثيرون ـ مخطئين ـ أنهم يمثلوننا في مواجهة الروس، حيث انصرف السوريون عن بناء جسم سياسي يمثل الأرض تكون رموزه من البشر الطبيعيين الذين يجلسون على طاولة المفاوضات وهم يفكرون بخلاص السوريين من بلاء نظام الأسد وأجهزة الاستخبارات الدولية ومصالح الإقليميين والعابرين للبحار والقارات في آن معاً.

السيرة الذاتية لأحمد الجربا لا تؤهله لإدارة مجلس قروي في ريف الحسكة، وهذا ليس تخويناً، ولا استلاباً لطموحات الرجل، فحقه أن يحلم بالوصول إلى سدة الحكم، ولكن حقنا أيضاً أن نقول كلمة لمن يعتقد أن سوريا ضعيفة لدرجة تمرير شخصيات لتسلم مناصب سياسية وقيادية بالمجّان.

خميس الثامن من آب ـ أغسطس 2013 وكان يومها أول أيام عيد الفطر رنّ هاتفي الساعة السادسة والربع صباحا، أخبرني المتصل ضرورة الالتحاق بالعمل دون إيضاح الأسباب، لم يخطر في ذهني سوى شيء واحد، هو أن بشار الأسد قُتلَ خلال أدائه صلاة العيد في تمثيليته المعتادة، أو أن انقلاباً حصل وعلينا اللحاق بالأخبار، لم يكن الأمر متعلقاً بالأسد وتفاجأت أنه متعلق برئيس آخر زار حوران وكان وقتها الجربا رئيساً للائتلاف، وكانت وسيلتنا الإعلامية الجهة الحصرية التي تمتلك أشرطة الزيارة وعلينا القيام بالواجب.

قمت وزميلي "المونتير" بتقليب المشاهد المصورة والتي تصل إلى أكثر من ثلاث ساعات ونصف على ما أذكر، لم نستطع طوال نصف نهار من العمل أن نخرج إلا بنحو خمس دقائق مقبولة تلفزيونياً، كان الجربا يرتجف طوال الوقت، وكان مهلهلاً وفاقداً للكاريزما، وعاجزاً عن تقديم صورة القائد السياسي، أصبت وقتها بالخيبة وشعرت أن عملاً كالذي نفعله عندما نحذف 90% من حقيقة الأشخاص هو نوع من الخيانة، وزاد في الأمر أنني فيما بعد علمت من الأصدقاء ممن حضروا زيارته إلى ريف درعا أنه حمل شاحنة من الطرود الغذائية ليشتري بها صوراً مع النساء وكبار السن الذين نزحوا من حمص وغيرها، وكيساً من الدولارات لكي يؤمن حمايته أو ليقنع الناس بأن من يزورهم هو رئيس أهم مؤسسة سياسية للمعارضة.

دار الجربا ولفّ، صفع من صفع، وقدم رؤى في ثقافة الثقافة، وكانت له محطة أخرى غير حوران في إدلب حيث أظهر بشاشته وأسنانه للكاميرا وهو يعبر أحد خنادق الثوار، شتم الاحتلال الإيراني الذي وصفه بأن "مجوسي"، لكنه في محطته الأخيرة ظهر وكأنه حليف للروس الذين أجرموا مثل الإيرانيين بطائراتهم التي قتلت آلاف المدنيين السوريين.

كيف يمكن أن يفهم السوريون الجربا، وتياره الجديد المسمى "الغد" عندما يجلس عن يساره محمد دحلان الذي تبرأ منه الفلسطينيون وما تزال في ذمته أموال معبر "كارني" التي كان يسرقها باسم الأمن الوقائي الفلسطيني، وكيف يقبل السوريون الجربا وعن يمينه ممثل روسي، وآخر هو رجل مال "أسود" وهو يهودي كوردي يدّعي تمثيله للبرزاني ولا يعلم أحد "قرعة" أبيه.

ما قصّة هؤلاء الذين ركبوا مؤسسات الثورة السياسية، واعتقدوا أن ترميز المشهد انتهى عندهم، ومن لم يستطع أن يفرض نفسه قائداً طار إلى إحدى العواصم وشكّل تياراً تفوح منه روائح تزكم الأنوف، وما الذي يهم السوريين إذا كان الجربا أو غيره مدعوما من روسيا أو السعودية أو حتى إن خرجت لمصلحته فتوى من الأزهر طالما أن السوريين عرفوا كلّ هؤلاء، وكالوهم بالمكيال الذي يستحقون.

في سوريا لم يعد يحق للجربا ما لا يحق لغيره، ولو كان الأمر ممكناً لاستعاد بشار حريّة السوريين التي انتزعوها بالدم والتضحيات... إذا كان زمن سوريا الأسد قد انتهى، فماذا عن سوريا "الجربا" ؟؟!!.

*من كتاب "زمان الوصل"
(172)    هل أعجبتك المقالة (187)

سوري

2016-03-23

فعلا سورية جرباء وستبقى جرباء حتى يفهم السوريون الذين تعودوا أن "يشتروا راحتهم" أن عليهم أن "يشتروا حريتهم" وحتى يفهموا أن عليهم تقديم أهل الفكر على أهل المال لإنقاذهم من ورطتهم.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي