أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السجين السابق محمود عيسى يروي قصته.. اعتقلت عقب لقاء مع "الجزيرة" وموت حافظ توقعناه انقلابا

ألف كتاباً في السجن سمّاه "مطر الغياب" - زمان الوصل

كرّس المعارض والمترجم السوري "محمود عيسى" كتابه الجديد وهو بعنوان "مطر الغياب" الذي كتبه داخل المعتقل لرصد حقبة عصيبة من تاريخ سوريا الحديث وأيام الملاحقات والاعتقال والسجن وظروف وهموم القمع في الثمانينات من القرن الماضي، وواقع السجون آنذاك ومنها سجن تدمر العسكري الذي يُطلق عليه لقب "الباستيل السوري" والذي أمضى المؤلف فيه 8 سنوات.

وفي هذا السجن داخل زنزاناته المعتمة ودّع عيسى -كما يقول لـ"زمان الوصل" القرن 20 واستقبل القرن 21 وكان مع رفاق اعتقاله منقطعين عن العالم ولم يعرفوا مالذي حصل عند انتقال السلطة من الأسد الأب إلى الابن، وظلوا لوقت لابأس به وهم يظنون أن هناك انقلاباً عسكرياً حتى وُزعت عليهم جريدة "البعث" ليعرفوا أن السلطة انتقلت إلى الأسد الابن. 

"محمود عيسى" هو واحد من المثقفين السوريين الذين دفعوا ثمن المطالب بالحرية غالياً قبل أن تهب رياح الربيع العربي في سوريا اعتقالاً وتضييقاً، وكان من أوائل الذين شاركوا في اعتصام الساعة قبل أن تتعمد عقاربها بالدم. 

ولد "عيسى" في أسرة وطنية في الساحل السوري قرية "الدردارة" التابعة لمحافظة طرطوس عام 1963 وكان والده "علي عيسى" الذي رحل منذ أشهر-كما يقول- صاحب تاريخ نضالي وأول من زرع في داخله بذرة التمرد في وجه الظلم والاضطهاد، حيث تعرض للعديد من صنوفها، مضيفاً أن لأخيه "يوسف" الذي كان استاذاً في كلية الطب باللاذقية دوراً في توجهه السياسي في أواسط السبعبنات مع ولادة الفصيل السياسي اليساري المعارض للنظام، الأمر الذي جعله -كما يقول- هدفاً أولا للنظام وأجهزته الأمنية فامتلأت المعتقلات بمناضليه، وعُرف الحزب فيما بعد بحزب "العمل الشيوعي" الذي تعرض أعضاؤه وكوادره– بعد مؤتمره الأول 1981– لحملات قمع شرسة متواصلة والتي وصلت إلى ذروتها في حملة أواسط الثمانينات الحملة البوليسية الأقسى في تاريخه، والتي حاولت تحطيم بنيته التنظيمية وإفشال مشروعه السياسي.


في تلك الحقبة العصيبة كان المحامي والناشط السياسي "محمود عيسى" واحداً بين مئات المناضلين الوطنيين الديمقراطيين في حزب العمل وغيره في مواجهة الاستبداد وتحمل أقسى الظروف الوحشية، تلك الأعمال التي حفرت عميقاً في وعي السوريين ووجدانهم فخلقت مناخاً من الخوف العميق من العمل السياسي ومن تناول قضايا الشأن العام.

وألف كما يقول- كتاباً عن تلك الحقبة سمّاه "مطر الغياب" يلقي الضوء على تلك المرحلة من التخفي.

ويروي "محمود عيسى" أنه تخفى في حملة 1987 وحتى اعتقاله عام 1992 ومثوله أمام محكمة أمن الدولة العليا الاستثنائية وتم إيداعه في سجن تدمر العسكري وأُفرج عنه بعد سنوات، ولم يكد يهنأ بحريته حتى أعيد اعتقاله في عام 2006 مرتين المرة الأولى 4 أشهر ثم أعيد اعتقاله في نفس العام على خلفية توقيعه مع عشرات المثقفين على "إعلان بيروت دمشق" الذي وقعه 134 مثقفا سوريا، دعوا فيه إلى تصحيح العلاقات اللبنانية -السورية وترسيم الحدود بين البلدين وتبادل العلاقات الدبلوماسية بينهما، وتمت محاكمته أمام محكمة الجنايات الثانية في دمشق وإصدار حكم ضده بثلاث سنوات بالتمام والكمال. ليخرج إلى الحرية من جديد في عام 2009. 

ومع هبوب رياح الثورة في سوريا المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وهي الأهداف التي عمل "عيسى" لأجلها منذ يفاعته اختار الانحياز لها والانخراط في صفوفها ناشطاً سلمياً في سبيل إسقاط الحكم الاستبدادي، وإقامة حكم ديمقراطي.

ويستذكر محدثنا أنه اعتُقل عقب لقاء أجراه مع قناة "الجزيرة" الفضائية بعد ساعات من إقرار الحكومة السورية مشروع مرسوم إنهاء حالة الطوارئ في البلاد.

وروى "عيسى" إن القناة سألته بخصوص مقتل العقيد "عبدو التلاوي" وولديه في حمص آنذاك فأجاب كما قال إنه يعرف الضابط بشكل شخصي ويحترمه ولا يعرف من ارتكب هذه الجريمة وطالب "الدولة" في اللقاء ذاته بفتح تحقيق فوري وإلقاء القبض على المجرمين، وفتح هذا اللقاء باب الجحيم عليه –كما يؤكد– مشيراً إلى أن أفراداً من عائلة الضابط المقتول قاموا بمهاجمة منزله في حي "الأرمن" بحمص، وحاولوا الاعتداء عليه، وعندما لم يتمكنوا من ذلك اتصلوا بالأمن السياسي الذي جاء عناصره واقتادوا "عيسى" من منزله مكبلاً.

ويقول "عيسى": "عندما وصلت دورية الأمن المشتركة واعتقلتني سألني أحد العناصر عن أسلحتي فأشرت إلى قلمي ولساني".

وأردف بأن زوجته "تلقت آنذاك اتصالات من مجهولين تتضمن تهديدات لها وللعائلة ما جعلها تشعر بالخطر وتغادر المنزل مع أطفالها". 

وعلى مدخل البناية -كما يقول عيسى- كان المؤيدون بالعشرات يصفقون ويهتفون بحياة الرئيس وكأنهم في عراضة شعبية.

كل تجارب الاعتقال تلك لم توهن من إرادة "محمود عيسى" ولم تحد من توقه إلى الحرية وعجز القمع –كما يقول- عن إلغاء حلم السوريين بالعدالة والديمقراطية وإنهاء الفساد وإقامة دولة القانون.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(247)    هل أعجبتك المقالة (320)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي