أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تديين السياسة ...تسييس الدين .... خليل صارم

- مقدمة :
تعالوا لنتفق على معنى عبارة أو تسمية
( دين ) .. الدين هو مادان به الناس من عقيدة أو مباديء أو نحو ذلك وهو مستقى من الادانة على الأعمال المخالفة للأساسيات الأخلاقية ..الانسانية . ومن هنا أطلق على الآخرة ( يوم الدينونة ) كما في المسيحية ويوم الحساب كما في الاسلام . وهو نمط من أنماط الاعتقاد برمز أو مجموعة قيم قد تترافق بشعائر تشكل الدلالة على هذا الدين . والتعبد هو أحد أشكال أو الصور المعلنة لهذا الدين تميزه عن غيره من حيث الشكل .. وهذا التعبد شكلي أو مظهر من مظاهر هذا الدين وهو مااصطلح على تسميته بالشعائر والتي تعني
( الدلالات ) أو أشكال ورموز التعبد وهي غير الايمان .
الايمان بمعناه يعني الثقة بهذا الدين والتسليم به والاقرار بالاساسيات الأخلاقية التي جاء بها .. والموافقة على كل ماجاء به من وصايا وسلوكيات مطلوبة تشكل الأساسيات في هذا الدين .. مثلا ُ الايمان أو التسليم المطلق بأن هناك اله واحد خالق ومننظم لهذا الكون ( التوحيد ) . وبالتالي الالتزام بماطلبه على لسان أنبيائه من منظومة أخلاقية أو وصايا عشر كما في الشريعة الموسوية والمسيحية وأخيرا ًالاسلام . ويمكننا أن نلحظ مايشبهها في البوذية وهي فلسفة انسانية . ومن هنا يمكننا الوصول الى ركن آخر من أركان الايمان في الاسلام وهو الايمان والاقرار بالكتب والرسل من السابقين .
ان الدارس للتاريخ الانساني يتضح له أن التركيز الأساسي في المعتقدات منذ ماقبل الرسالات السماوية ثم معها وحتى الآن هو على المنظومة الأخلاقية في المجتمع والتي تعتبر الأساس في تنمية العلاقات وتهذيب الانسان وبالتالي العمود الفقري الذي يسهل عملية تنظيم المجتمع واضفاء الطابع الانساني عليه . وقد ظهرت هذه المنظومة على شكل وصايا وشروط ومايشبه القوانين ثم وصولا ً الى القوانين التي شملت أدق التفاصيل التي تنظم العلاقات وتحمي هذه المنظومة الأخلاقية حتى وصلت الى الطابع الالزامي في ظل القوانين التي تعاقب على مخالفتها فيما يسمى بالسلوك الظاهري أو المعلن للفرد . وقد أكدت الديانات أو الرسالات السماوية على هذه المنظومة وتوسعت في مفاهيمها لتضفي عليها طابع وهالة القداسة والتي اعتبرتها شرطا ً أساسيا ً لابل العمود الفقري لكل الرسالات السماوية وبدونها تفقد الرسالة مضمونها ومعانيها وأهدافها . وتصبح بقية العبادات والشعائر مجرد شكليات بلا أية قيمة . وبقراءة أخرى يتأكد لنا أن كافة أنماط وأشكال العبادات والشعائر التي يمارسها الانسان تهدف الى ترسيخ وتأكيد العمل بالمنظومة الأخلاقية التي تصبح هي الهدف والغاية التي تؤسس للايمان الحقيقي . من هنا جاءت مصطلحات .. المؤمن والمنافق .. والصدق والكذب والخير والشر . ..الخ .
لو وافقنا على هذا التوصيف العام للدين بجوهره الانساني الحقيقي .. نرى أنه على علاقة أساسية بسلوك الانسان وعلاقته بالانسان لابل هو الأساس الذي بدونه تنهار هذه العلاقة وتأخذ الطابع الحيواني الغرائزي المتوحش .
نلاحظ في الديانات السماوية التركيز على الطابع الحر للايمان بعيدا ً عن أي شكل من أشكال القسر .. والقسر لامكان له الا في الالتزام بالمنظومة الأخلاقية المقوننة في ظل نشوء الدول وانتظام المجتمعات عبر العقاب على مخالفتها كما في القوانين الوضعية ..مثلا ً في الموسوية والمسيحية ( لاتقتل ) وفي الاسلام توسع في هذه الوصية ( ولاتقتلوا النفس التي حرم الله قتلها ). في الواقع أن الرسالات السماوية قد اكتفت بتوجيه الصفات المقذعة لمن يخالفون وصاياها أو منظومتها الأخلاقية ويشجعون على مخالفتها وأخرجتهم من الصفة الانسانية في حين أنها وصفت الملتزمين بالمنظومة الأخلاقية بالمواصفات النبيلة كدلالة على الالتزام بالسلوك الانساني .
ان حرية الالتزام من عدمه تجعل من الايمان بالمنظومة الأخلاقية والسلوكيات التي يطالب بها الدين عقيدة راسخة لأنها في هذه الحالة تكون مبنية على قناعة انتجها بحث منطقي يوصل الى القناعة الحقيقية لدى الانسان بحيث لايمكن أن تهزها مظاهر التزييف والخداع التي قد يلجأ اليها أصحاب النوايا السيئة الذين يعملون على استغلال الغير والتلاعب بمشاعر الآخرين تحقيقا ً لمصالح ضيقة أو نهج مخالف للخط الانساني المطلوب . وهكذا نلاحظ بأن هناك تركيزا ً شديدا ً في كافة الرسالات على القناعة المبنية على حرية الاختيار ومنها استمدت الفلسفات والايديولوجيات شرط الاقتناع الحر والتركيز عليه . أما محاولة الفرض والقسر فانها قد توفر كما ً أو عددا ً وسط ظروف القوة القاهرة لكنها سرعان ماتنهار وتتفكك في أول بادرة ضعف لهذه القوة .. ذلك أن ماسمي ايمان بفعل القوة والقسر كان مجرد مظاهر سببها الخوف من سلطة القوة القاهرة التي يتبين فيما بعد أنها قد حشرت مفاهيمها في صلب المعتقد الديني .
من هنا يمكننا أن ندخل في العنوان ( تديين السياسة ..تسييس الدين ) . ففي كل مجتمع وعلى هامش الفكر الجديد أو العقيدة الايمانية الجديدة أو المباديء الجديدة التي اتسعت وشملت المجتمع يظهر على هامشها مجموعات من ذوي الطموح أو أصحاب الامتيازات السابقة على ظهور الرسالة أو الدين الذين تأثرت مصالحهم ولم يتمكنوا من مقاومة الموجة الجديدة فيركبونها أو يسيرون في ركابها بقصد العودة الى مواقعهم السابقة التي قضت عليها العقيدة الجديدة واستبدلتها كما هو مفترض برموز مؤهلة لوضع الفكر الجديد موضع التطبيق وتقديم ثماره التي وعد بها للمجتمع . وهذه الحالة ( ركوب الموجة ) تعرضت لها كافة الرسالات والايديولوجيات التي عرفتها البشرية وماتزال تتكرر وستبقى كذلك الى ماشاء الله طالما أن هناك ثغرات في تركيبة المجتمعات وفي القوانين والمفاهيم .


- يتبع .

(144)    هل أعجبتك المقالة (143)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي