كل ما كانوا يبتغونه مني هو أن أكون لهم جاسوسا. فقد قالوا لي إنهم سيمنحونني الجنسية وأن زوجتي وطفلي سيتمكنان من العيش معي في أميركا حيث سأتمتع بالحماية."
بهذه الكلمات الاتهامية المباشرة يتوجه سامي الحاج، المصور الصحفي في قناة الجزيرة الفضائية، في حديثه المطول إلى مراسل صحيفة الإندبندنت البريطانية في منطقة الشرق الأوسط، روبرت فيسك، والذي يكشف من خلاله أسرار وتفاصيل معاناة السنوات الست المريرة التي أمضاها معتقلا في سجن جوانتانامو الأميركي في كوبا وكأنها كانت كابوسا متواصلا بالنسبة له.
عروض التجسس
في المقابلة، التي تنشر الصحيفة تفاصيلها في عددها الصادر اليوم مرفقة بصورة لمعتقل جوانتانامو، يقدم لنا الحاج روايته لفصول العذاب التي يقول إن سجانيه الأميركيين قد أذاقوها صنوفها ممزوجة بعروضهم السخية والمتكررة عليه للتجسس لصالحهم ضد تنظيم القاعدة.
يقول الحاج إنه، ومنذ لحظة وصوله إلى معسكر جوانتانامو قادما من مدينة قندهار بأفغانستان، دأب سجانوه على الطلب منه العمل معهم، قائلا إن قسوة التعذيب التي أذاقوه إياها تخللتها دوما اعترافات صريحة بأنه كان بريئا، الأمر الذي جعله يعتقد بأن ذلك كله جرى كجزء من مخطط لترويعه وتحويله في نهاية المطاف إلى "رصيد" لصالح الاستخبارات الأميركية. ويتذكر الحاج في المقابلة قول الأميركيين له في أكثر من 200 جلسة تحقيق: "نحن نعلم أنك بريء وأنك هنا عن طريق الخطأ."
إلا أن الحاج يؤكد لفيسك أنه رد على عروض التجسس تلك، بقوله للمحققين: "لن أفعل ذلك البتة، أولا لأنني صحفي وليس هذا هو عملي، وثانيا لأنني أخاف على نفسي وعلى عائلتي." وعن سبب خوفه، يقول الحاج: "في الحرب، يمكن أن أُصاب بجروح وأموت أو أنجو. لكن، إن عملت معكم، فإن القاعدة ستقوم بقتلي. وإن لم أعمل، فستقومون أنتم بتصفيتي."
ويروي الحاج أيضا لمحدثه كيف أنه تعرض "للضرب والإساءة والإذلال باسم الحرب على الإرهاب". كما يتحدث أيضا عن صراعه الراهن لإعادة ترميم ما يمكن ترميمه من حياته بعد إطلاق سراحه في وقت سابق من هذا العام، عله يستطيع أن يعود ليمارس حياته بشكل طبيعي كبقية بني البشر.
وفي معرض تقديمه لمقابلته مع الحاج، يقدم لنا فيسك وصفا لحال السجين السابق الذي "أطل علي وهو يتوكأ على عكازه الفولاذي في فندق في بلدة ليهامر النروجية، حيث ينظر إليه على أنه شخصية تتجسد فيها معاني الكرامة والوقار ممزوجة بمشاعر الخزي والعار في الوقت ذاته."
يروي الحاج أيضا كيف أن الأميركين جاؤوه إليه ذات يوم قُبيل إطلاق سراحه، بعد مضي ست سنوات على سجنه دون محاكمة أو توجيه اتهام رسمي ضده، ليقولوا له إنهم "أسفون".
ويصف أيضا معاناته في أعقاب عمليات الضرب المبرح التي كان يتعرض لها على أيدي سجانيه وقسرهم له على تناول طعامه وإذلالهم له ومشاق جلسات التحقيق التي كان يخضع لها من قبل ضباط استخبارات أميركيين وبريطانيين وكنديين. كما يتحدث الحاج أيضا عن آماله بأن يتمكن ذات يوم من العودة للمشي بدون الاضطرار للاستعانة بعكازه.
ويعيد المصور التلفزيوني، البالغ من العمر 38 عاما، رسم تفاصيل تنقله بين سجون ثلاثة على مدى ستة أعوام ونصف هي فترة اعتقاله بتهمة "الإرهاب". ويعود الحاج بذاكرته ليسترجع تفاصيل لحظة اعتقاله عندما كان متوجها من العاصمة الباكستانية إسلام آباد إلى مدينة قندهار، إذ يقول:
"لقد قال لي (الضابط الذي اعتقلني) إن لديه ورقة من المخابرات الباكستانية توصي باعتقالي.
لقد نطق اسمي بشكل خاطئ، كما أخطأ بقراءة رقم جواز سفري وتاريخ ميلادي أيضا، فقال إنني من مواليد عام 1964، بينما أنا في الواقع مولود عام 1969."
وأضاف قائلا: "قلت للضابط حينها إنني قمت بتجديد جواز سفري في إسلام آباد، وسألته إن كنت فعلا مطلوبا للعدالة، فلماذا لم يعتقلونني هناك؟"
ويصف فيسك أيضا كيف أن الحاج يتحدث ببطء وحذر شديدين، وكيف أنه ينظر إلى كل لحظة معاناة وعذاب تعرض إليها شخصيا في السجن على أنها بالنسبة على قدر مساو من الأهمية بلحظات وصنوف العذاب التي ذاق طعمها أيضا من كانوا معه في السجن.
يقول فيسك إن الحاج مازال غير مصدق أنه بات حرا طليقا وقادرا على حضور مؤتمر في النروج وأنه أصبح بإمكانه العودة لممارسة عمله الحالي كمعد للأخبار في قناة الجزيرة الفضائية القطرية.
كما يعجر أيضا استيعاب حقيقة أن بإمكانه الآن العيش مرة أخرى مع زوجته الأذرية أسماء وابنهما محمد الذي يبلغ من العمر ثمانية أعوام الآن، فمحمد هذا لم لم يكن يبلغ من العمر سوى أربعة عشر شهرا عندما غاب أبوه واختفى في دهاليز سجون أميركا السرية في ذلك اليوم المظلم من عام 2001.
ومن أفظع حلقات المعاناة التي يوردها الحاج في حديثه مع فيسك تلك التي يقدم فيها تفاصيل الأيام الـ 480 التي أمضاها مضربا عن الطعام في المعتقل وكيف أن حالته الصحية تدهورت وازدادت سوءا وترديا في نهاية تلك المدة إلى درجة أنه بدأ ينزف دما من شرجه، وعندها فقط قرر المحققون إطلاق سراحه. وعن تلك اللحظة يقول الحاج: "كان هناك محققون جدد، لكنهم حاولوا معي مرة أخرى. قالوا لي: هل ستعمل معنا؟
قلت لهم: لا."
ويضيف قائلا: "لكني شكرتهم على سنوات استضافتهم لي وعلى إعطائي الفرصة على العيش بينهم كصحفي. وقلت لهم إن تلك هي الطريقة التي سأتمكن من خلالها من تصوير الحقيقة للعالم بأسره، وقلت لهم إنني لست على عجلة من أمري للخروج من السجن لأنه كان مازال هنالك الكثير من القصص والرويات التي يحلم الصحفيون عادة بالحصول عليها ونقلها."
ويردف بقوله: "قالوا لي: أوتعتقد أننا أسدينا إليك معروفا؟
فأجبتهم: لقد حولتموني من صفر ولا شيء إلى بطل.
فقالوا: نحن واثقون مائة بالمائة من أن بن لادن سوف يكون على اتصال بك. وقد اُخذت في تلك الليلة إلى الطائرة.
وكان المحققون يرقبونني حيث كانوا مختبئين وراء شبكة ملعب تنس.
لقد لوحت لهم، إذ لمحت هناك أربعة أزواج من العيون تلمع وراء الشباك.
" وأخيرا يسأل فيسك السجين السابق ذي الرقم 345 فيما إذا كان قد تلقى اعتذارا رسميا من الأميركيين على سجنهم له طيلة تلك السنوات، فيجيبه قائلا: "لم أتلق اعتذارا ولا أتوقع تلقيه."
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية