أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إلى اللاجىء السوري: ابتعد عن العنف.. ميخائيل سعد*

الكاتب: لا بدّ من التأكيد، في البداية، أنني لا أكتب لأهاجم الغرب، ولا لكي أمدحه

رغم أن العنف هو السمة الأساسية التي تطبع حياة السوريين منذ خمسين عاما بفضل هيمنة الاستبداد، إلا أنه أصبح في السنوات الخمس الأخيرة خبزهم اليومي الذي يتكرم بتقديمه لهم "العالم" عبر الطائرات والصواريخ والبراميل والغازات السامة والقنابل العنقودية، وكأن ما كان عندهم لا يكفيهم، حتى أُضيف لهذا العنف نوع آخر من العنف خلقته ظروف الحرب والهجرة وقلة الثقافة والموروث المشوه والتعب والضنى والسقم والجوع والبرد والحرمان، وكل المفردات التي تدل على العنف الوارد من الخارج أو النابع من الداخل.

وحتى لا أبقى في العموميات، سأنتقل الى الحديث عن العنف الذي رافق السوري من بلده إلى بلاد اللجوء، وتحديدا إلى الغرب، المكان الذي دفع أحيانا روحه أو روح أحد أعزائه للوصول إليه على أمل العيش بأمان وكرامة، فماذا وجد؟

لا بدّ من التأكيد، في البداية، أنني لا أكتب لأهاجم الغرب، ولا لكي أمدحه، فأنا فيه منذ أكثر من ربع قرن، وأعرف حسناته وسلبياته.

وإنما الهدف من الكتابة هو تسليط الضوء على السوري الهارب من ويلات الحرب، وعرض بعض الصعوبات التي يعاني منها في مجتمعه الجديد.

ترك تدفق السوريين الكبير على أوروبا أثره السلبي على الإنسان الغربي وقيمه الخاصة بحقوق الإنسان، الذي سرعان ما تنكر لقسم منها عندما لامس الخطر رفاهيته الخاصة ولو افتراضيا، ونمط عيشه.

وسرعان ما التقطت الأحزاب السياسية هذه الحساسية وبدأت تتاجر بها انتخابيا، بل إن بعض قوى اليمين الغربي المتطرف لجأت إلى العنف أحيانا ضد اللاجئين عموما والسوريين خصوصا.

وللعنف أشكاله المتعددة وليس جسديا بالضرورة، منه تناقل أخبار كاذبة أو مضخمة منسوبة له، ومنها استغلال بعض الممارسات الخاطئة التي يقترفها بعض اللاجئين عن جهل أو سوء نية، فيتم تداولها بطريقة توحي بالرعب والقرف من هذا اللاجىء "المختلف" دينيا وثقافيا ولون بشرة "عنا".

مما اضطر أخيرا الحكومة الألمانية إلى فرض رقابة على الفيس بووك بحجة "حماية للمجتمع من الأكاذيب والتضليل والشائعات وناشري روح الكراهية والبغضاء"، وخاصة ضد اللاجئين.

هذا بعض ما يفعله الغرب ضد السوريين، فماذا فعلنا نحن من أجل تصحيح الصورة؟
يعرف المهاجر السوري القديم وغيره من المهاجرين أن للغرب قوانينه الخاصة المتعلقة "بالعنف الأسري"، سواء كانت هذه المعرفة قبل وصوله إلى الغرب أو بعد وصوله، ومع ذلك فإن بعض الأفراد لا يتوانون عن استخدام العنف ضد النساء والأولاد.

ولسنا هنا بصدد دراسة الأسباب، النتيجة أن القانون يعاقب الفاعل بفصله عن زوجته وأولاده، وتتم دراسة كل حالة على حدة، فإذا كانت نتيجة الدراسة أن الفاعل يمكنه أن يكرر فعلته، يتم فصله نهائيا عن عائلته وتتكفل الدولة برعاية الزوجة والأولاد ماليا وحمايتهم، أما إذا كانت الممارسة بالمصادفة ونتيجة ظرف طارىء فيتم تصحيح الوضع والسماح له بالعودة إلى بيته العائلي.

وفي هذا الأمر يتساوى جميع المواطنين، بغض النظر عن أصولهم العرقية والدينية، فالقانون يطبق على الجميع.

قبل ربع قرن من الآن، تعرفت على شاب سوري تم فصله عن زوجته وأولاده ومنعه من الاقتراب من سكنهم لزمن نسيت طوله، والسبب أن حارس البناء سمع صراخ امرأة يصدر عن الطابق الأول، وكان هو يقص العشب في حديقة البناء، فاتصل بالشرطة وأخبره بما سمع.

حضرت الشرطة بعد دقائق وعندما شاهد أفراد الدورية آثار الضرب على جسد الزوجة تم توقيف الرجل مدة ثلاثة أيام، وهذا ما ينص عليه القانون الكندي، إلى أن يبت القاضي بالمسألة.

وقد اعترفت الزوجة أنها تتعرض للضرب منذ سنوات ولكنها لم تكن بصدد إبلاغ الشرطة عن ذلك لما يحمله الأمر من آثار أجتماعية غير حسنة في وسطها الاجتماعي وعائلتها.

وعندما وضع القاضي أمام الزوجة الخيارات، قررت الانفصال عن الزوج مع احتفاظها بحق رعاية أطفالها، عندما عرفت أن الدولة ستكون مسؤولة عن إعالتها وأطفالها إلى أن تجد عملا مناسبا.

وحتى لا أترك للمتصيدين بالماء العكر فرصة نسب الفعل إلى أبناء دين معين أو طائفة معينة، أسارع إلى الإشارة إلى أن الرجل المشار إليه خريج جامعي، وهو مسيحي الدين، مما يعني أنه ليس من "الجهلة الوهابيين" الذين يجب طردهم من سوريا وإعادتهم إلى الجزيرة العربية، كما كان يقول أنصار الأسد عن المتظاهرين السوريين.

وكنت مضطرا لذكر تلك المعلومات عن الرجل لأني سأستشهد بواقعة أخرى يدين أبطالها بالإسلام، لأبرهن أن العنف لا دين له.

قبل ثمانية أشهر تقريبا، قرأت منشورا على الفيسبوك لأحد رجال الدين، يعرض فيه لرسالة وصلته من "مؤمن" يقيم في الدانمارك.

وأترك لكم حرية الحكم على ما نشره الشيخ وصديقه وحجم روح الكراهية التي يبثها في أوساط "المؤمنين" السوريين الذين دفعتهم الحرب إلى ترك بلدهم واللجوء إلى الغرب.

أنقل حرفيا ما جاء في صفحة الشيخ "هذا الصباح اتصل بي أحد الإخوة المقربين مني وهو ممن حاز على الإقامة في الدنمارك قال: لا يقبل السوري بالدنمارك إلا بتوقيعه على وثيقة الاندماج كنا لا نعرف ماذا يريدون منها ولكن بعد حين ظهر لنا …. جارتنا من السوريات عندها بنت صبية في المدرسة برعاية الحكومة الدنماركية عادت البنت من المدرسة إلى أمها تبكي تقول لقد أجبرونا في المدرسة بنات وشبابا أن نخلع ثيابنا عراة تماما قال هذه لنتعرف على بعضنا ونزيل من قلوبنا الهيبة بين الجنسين! ذهبت الأم غاضبة إلى المدرسة فقالوا لها أنت وقعت على وثيقة الاندماج لا يحق لك الاعتراض قالت لا إريد لابنتي أن تتابع في المدرسة قال لا يحق لك!!! وقال لي: دخل عدد من الزوجات إلى المقابلة مع الأمن سألهم هل تحببن أزواجكن؟ قلن لا… قالوا إذا دعوهم ولكم سكن مستقل ومعاش ويبقى الأولاد معكن … فخرجن مع الأمن إلى السكن ومنع الأمن الرجال من الاقتراب من أزواجهن… جنّ جنون الرجال ولكن ليس بيدهم فعل شيء…. رجال فقدوا زوجاتهم وأبناءهم…. Untitled وفي ألمانيا بدأ بعض النساء السوريات يتمردن على الحجاب رغما عن أزواجهن وليس للزوج أن يفعل شيئا…. إنها الهجرة إلى أوربا للاهثين وراء سرابها والمخدوعين بها".

لن أسأل الشيخ عن البديل الذي تم تقديمه للسوريين لإغرائهم بعدم اللجوء إلى الغرب، على افتراض أن كل ما جاء في هذا المنشور صحيحا. لقد رد على ذلك الكلام عدد الذين ضحوا بحياتهم غرقا في البحر من أجل الوصول إلى أوروبا.

واقعة أخرى حصلت قبل أسبوع من الآن، كتب لي أحد أصدقاء الصفحة يطلب المساعدة، وعندما سألته عن نوع المساعدة، عرف بنفسه بأنه لاجىء سوري، وصل إلى كندا منذ أسبوعين، وقد تم فصله عن عائلته وأولاده بحجة "العنف العائلي"، وعليه أن ينتظر شهرا ونصف الشهر تقريبا لانعقاد المحاكمة قبل معرفة النتيجة وهو قلق جدا.

سألته عن نوع العنف الذي مارسه فأجاب أنه صفع ابنه عدة كفوف، سألته إذا كانت زوجته تقف في صفه أم ضده. قال: هي معي، صحيح إننا نختلف أحيانا ككل الأزواج، ولكن سرعان ما نتصالح، يعني في المحصلة هي في صفي.

قلت له: نصيحتي لك أن تلتزم بأقوال المشرفين الاجتماعيين على حالتك، ولا تحاول الاقتراب من أسرتك قبل موعد المحاكمة إذا كنت تريد أن تمر الأمور بخير، أنصحك بالاطلاع على كراس صغير مكتوب بكل اللغات، بما فيها العربية، صادر عن الحكومة الكندية تحت عنوان "العنف ممنوع في جميع اللغات"، يشرح الكراس معنى العنف ومن هو المعنف، وخاصة من النساء، وما هي حقوقهم.

أُحيل القراء هنا الى الرسالة التي نشرها الشيخ، قد تكون قوانين الدانمارك مختلفة قليلا عن قوانين كندا في الجزئيات، ولكنها في الأساس متشابهة، ولنحاول فكفكة الجمل التي تحمل اتهامات غير معقولة للمجتمع الدانماركي ومدارسه، دون استبعاد العيوب من وجهة نظرنا.

أخيرا لن أقول ما قاله أحد اصدقاء صفحتي عندما كتبت أن السوريين عنصريون، فهم ينظرون إلى كل شخص أسود على أنه "عبد"، فقد كتب تعليقا على ذلك: "كيف تصبح أرنبا في خمسة أيام، نداء عاجل للتحلي بالصبر والهدوء حتى لو جنّت النسوان وفلتوا الأولاد….هؤلاء لم يعودوا لكم بل لهم".

لن أقدم نصائح لأحد، فكل شخص استطاع تجاوز البحار والجبال ليصل إلى أوروبا قادر على معرفة خلاصه، وطريق العودة لمن لا يستطيع التأقلم أسهل من عذاب البقاء.

لكن قلت سابقا، وسأقول إن كل هذه التمزقات والانكسارات في الأرض تحت أقدامنا حصلت وتحصل بسبب الثورة، وهذا أكبر دليل على أنها فعلت فعلها، وهي مستمرة، فالثورة ليست فقط إسقاط النظام الاسدي القاتل!!!

*من كتاب "زمان الوصل"
(136)    هل أعجبتك المقالة (135)

محمد علي

2016-02-16

تحياتي استاذ مخائيل سعد ، نعم الحوادث التي ذكرت تحدث و سيحدث اكثر من ذالك بكثير لكن هذا ليس مختصر على السوريين او العرب سواء مسيحيين او اسلام و الاسباب كثيرة لعل اهمها ما ذكرت و اضافة قلة الثقافة و العنصرية المزروعه باذهاننا مثلا النظرة الفوقية بعضنا لبعض و للاسرنا امثال زوجاتنا و قلة الاحترام، في المجتمعات الغربية يحصل بطريقة اكبر و اشنع و باجرام اكبر ، و ما دمنا نتحدث عن العنف الاسري . لا اتفق معك في خاتمة مقالك ، فما يحدث لنا في سوريا ليس سببه الثورة ، ما يحدث لنا في سوريا هو جريمة بحق الانسانية و سببها هو المجتمع الدولي الممثل في عصابة الامم المتحدة و عصابة مجلس الامن ، ما يحدث هو حرب ممنهجة ضد المسلمين و اشعال نار في المنطقة و تقسيم جديد متعمد و تواطئ عالمي ، نتحدث و نتغنى بالديموقراطية الفرنسية ، قرات مؤخرا مقال عن عواقب و تاثير التجارب النووية الفرنسيه في الجزائر عام 1960 و لو استطاعو لفعلوها مرات و عادوها في مواقع جديدة في عالمنا العربي الاسلامي . نتهم المجتمع الدولي بالتواطئ و التخاذل لانهم اساءو اختيار و انتخاب حكوماتهم التي تمثلهم في الامم المتحدة ليتركو الامريكي و الروسي يصنع ما يشاء اما في اوكرانا فالمجتمع الدولي استطاع ان يحتوى الازمة في ايام ..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي