أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لا خيار سوى الحرب .. "رعد الشمال" سببه سوريا*

جندي سعودي على الحدود مع اليمن - رويترز

يفترض أن مناورات "رعد الشمال" العسكرية على الأراضي السعودية بدأت، حيث وصفها بعض المراقبين بأنها الأكبر في تاريخ الشرق الأوسط إلا أن الأخبار شحيحة حول العملية التي تشارك فيها فعلياً وبالنوايا، أكثر من 20 دولة على رأسها السعودية وبينها تركيا ومصر وباكستان والأردن.

ليست الأهمية في تحليل الخطوة لعدد الدول بقدر أهمية التوقيت وجنسية المشاركين، إذ يبدو واضحاً أن موجة قلق عارمة تجتاح الشرق الأوسط بعد التغيير القسري الذي يجري على ملامحها منذ تَدخَّلَ الإيرانيون والروس إلى جانب نظام الأسد في سوريا.

بشكل أو بآخر استطاعت الرياض بناء تحالف بعد تدويرها الزوايا في الطرح بين جيش إسلامي أو تجمّع من ضمن 65 دولة تشكل تحالفاً لمحاربة تنظيم الدولة "داعش"، ويبدو أن الطرح السعودي لاقى ترحيباً لدى جميع الأطراف التي تتقاطع مصالحهم في عدة نقاط أولها القلق من الدور الإيراني السلبي في المنطقة، ثم القلق من الفوضى التي خلفها ظهور "داعش" وإمكانيات توسع نشاطه الإرهابي، وكذلك القلق الذّاتي لدى الدول التي يفترض أنها جزء من تحالف "رعد الشمال" أو التي أبدت رغبة واستعداداً في المشاركة في محاربة "داعش" أو التي كشفت عن نوايا إيجابية حيال تشكيل جيش "إسلامي"، فتلك الدول معنية بالحفاظ على التوازن القائم في المنطقة والذي يهدده خطر تفتيت سوريا أو سيطرة الروس عليها، فالتفتيت يستحضر نظرية "الشرق الأوسط الجديد" التي تبناها المحافظون الجدد وتم الإفصاح عنها علناً على لسان وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في عهد الرئيس جورج بوش الإبن بعد اجتياح العراق حيث تحدثت عن مشروع "الفوضى الخلاقة" خلال مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" في أبريل ـ نيسان 2005، وليس خفيّاً أن الإسرائيليين هم آباء هذا المشروع. 

طبيعي أن يتعرض السعوديون وحلفاؤهم لضغط شديد من قبل الإدارة الأميركية لتأخير مناورات وتدريبات "رعد الشمال" لأن الدّعاية الإعلامية لها كانت كافية لإثارة قلق إيران وإسرائيل، إذ تتحدث بعض التقديرات عن مشاركة نحو 150 ألف عسكري ومئات الطائرات المقاتلة والدبابات في عمليات برية وجوية وبحرية، وهذه التدريبات تستدعي قلق واشنطن أيضاً لعدة أسباب منها:
ـ نجاح التدريبات والترويج لها يستدرج رغبة الدول المتحفظة في المشاركة، ما يعني توليد شعور بالقوة لدى السعودية وتركيا مقابل القلق والارتباك الإيراني من تراجع نفوذها وتعرضها لهزيمة عسكرية في اليمن وسوريا تؤدي إلى انكفاء مشروعها وإضعاف دورها الإقليمي.
ـ إمكانية أن يكون هدف التدريبات لاحقاً شنّ عملية برية مباغتة في الشمال والجنوب السوري وفرض معادلة جديدة على الأرض، إذا لا يبدو الأميركيون ولا الإسرائيليون ولا الإيرانيون ـ بطبيعة الحال ـ راضين عن مثل هذه العملية.

بدا واضحاً أن الرياض بذلت جهوداً كبيرة لإنجاح تجربة حلف من دول المنطقة إذ سعت لتقريب المسافات بين أنقرة والقاهرة خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى الرياض، ويبدو أن الأتراك جادّون هذه المرة في إحداث تغيير على الأرض عبر الدخول العسكري المباشر خاصة بعد أن شعروا بالإهانة والغضب إثر العمليات الجوية التي استهدفت مناطق شمال اللاذقية وحلب واستهدفت "التركمان" وتسببت بنزوح عشرات الآلاف من السوريين وتكدسهم عند معبر "باب السلامة" الحدودي، علما أن تركيا ضغطت كثيراً لفرض منطقة آمنة لوقف النزوح وهو ما لاقى رفضاً أميركياً، أضف إلى ملف الحزب الديمقراطي الكوردي الذي يتلقى دعماً ملتبساً من الأميركيين والروس وحتى نظام الأسد، فيما تعتبره تركيا منظمة إرهابية وتخوض مع جناحه الانفصالي التركي حرباً مستمرة منذ عقود سقط على إثرها عشرات آلاف القتلى.

أمام تمنّع ومراوغة واشنطن، والقلق من تقاعس حلف "ناتو" يبدو أردوغان مضطراً للبحث عن تحالف مع الرياض ودول أخرى في المنطقة تلتقي عند مصالح عريضة منها وقف تمدد إيران، وتعقيد المشهد أمام الروس وإبلاغهم بقواعد جديدة للاشتباك في سوريا.

بقراءة سريعة للاستراتيجية الإسرائيلية التي تتبنى بل وتَسعَدُ بتفتيت المنطقة يمكن إجراء مقاربة واضحة تفسر استعصاء الحل في سوريا وقبول الروس وحتى إيران جيران وشركاء، وهو ما لم يكن مقبولاً في فترة سابقة، إذ يبدو أن مشروع إنهاء سلاح "حزب الله" انتهى مع إمكانية تكليفه بمشروع استراتيجي أكبر وهو تصفية سوريا اقتصادياً واجتماعياً إذ لم يشكل جيشها خطراً على إسرائيل خلال 45 عاماً من حكم الأسدين الأب والإبن، إلا أن احتمال انتهاء هذه الحقبة قد يعيد السلطة إلى حالتها الطبيعية وفق تركيبة البلاد الديموغرافية، ولعل هاجس إسرائيل الأكبر هو تجانس الخلفية الاجتماعية للنظم الحاكمة في المحيط الإسرائيلي، ومن هنا فإن السكوت عن دور إيران بل وتعزيزه بالضغط لمنع أي محاولة لإجبار النظام السوري على الرحيل يظهر تحالفاً وتقاطعاً في المصالح بين إيران وإسرائيل دون أن تقف في خلفيته سفارات وعلاقات دبلوماسية مكشوفة، فإيران تملك مشروعاً لخلخلة الدول العربية منذ عام 1979 وقد استخدمت ورقة "حزب الله" والقضية الفلسطينية بناء لنصيحة قدمها خبراء دوليون لطهران بعد عام 1980 تقول بأن النجاح في الجلوس وسط طاولة العرب يستدعي رهينة وازنة، وكانت النصيحة هي أخذ القضية الفلسطينية كرهينة، إلا أن تبدّل الحال منذ اندلاع ثورات الربيع العربي جعل إيران تطور استراتيجياتها لدرجة أنها حاولت أن تكون جزءاً خفياً حيناً ومكشوفاً حينا آخر فيما يجري، فحاولت ضرب استقرار البحرين وقلب الحكم فيها، وتحوّلت إلى مصر لكنها لم تستطع تحقيق اختراق ذي معنى بسبب التأثير والمخاوف الإسرائيلية الأميركية، وفي اليمن أنتجت إيران نموذجاً عن "حزب الله" اللبناني الذي نفذ انقلاباً لا تزال تبعاته قائمة على الأرض، وكان العراق قبل ذلك قد سقط في يد الإيرانيين كما هو حال لبنان.

كل ما سبق يفسر الوصول بين إيران والدول الكبرى إلى الاتفاق النووي، إذ من الطبيعي أن تتسبب ظروف المنطقة المعقدة بتعطيل الوصول إلى مثل هذا الاتفاق، إلا أن التبدّل في المصالح والاستراتيجيات، والتلاقي الإسرائيلي الإيراني عند ضرورة الإبقاء على نظام الحكم في سورية لأطول فترة ممكنة وفّر بيئة لتمرير الاتفاق، وكل ما أشيع عن مخاوف واستياء إسرائيلي كان مجرّد "تهويم" سياسي مصطنع، بما فيه "البروباغندا" التي روجت لفتور في علاقات الولايات المتحدة وإسرائيل في ظل إدارة باراك أوباما.

ينتظر المراقبون نتائج اجتماع "بروكسل" الذي يجمع وزراء دفاع "ناتو" ودول التحالف في الحرب على "داعش"، حيث ينظر الاجتماع الذي يعقد اليوم وغداً في مبادرة السعودية وبعض الدول العربية لإرسال قوات برية لمحاربة تنظيم الدولة، ويبدو أن ضعف مواكبة "رعد الشمال" مرتبط بما سيخرج به المجتمعون، لكن ليس هناك ما يشي بأن الأمور ذاهبة إلى انتقال سريع لتدخل بري من قبل واشنطن، وهذا يعني بالضرورة أن الرياض وأنقرة ستتعرضان لضغط إضافي قد يؤدي إلى مزيد من التعقيد مع توسيع العمليات الجوية الروسية وتغطيتها لتقدم جيش النظام وميليشيا مختلطة تمولها وتقودها إيران في جنوب وشمال سوريا.

الروس يتلاعبون بالوقت عبر تقديم مقترحات منها الورقة الأخيرة التي أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن تقديمها للنقاش مع الأميركيين، لكن هناك ما هو أعمق مثل مشكلة اللاجئين التي أثارت مزيدا من المخاوف الأوروبية، وكذلك انعدام الثقة بالحليف الأميركي، وتبدد آمال النجاح في مفاوضات جنيف 3 بسبب العرقلة الروسية، كل ذلك يحمل على الاعتقاد بأن المشهد يتجه إلى مزيد من التأزم، ولا أحد يتوقع النتائج، سوى أن احتمال انفجار الوضع هو أمر وارد في أي لحظة، وليس الأمر متعلقاً بامتلاء وعاء الوجع السوري، بل بتعاكس حركة اللاعبين داخل ماكينة المنطقة، وقد لا يشكل الموقف الإسرائيلي المصرّ على إبقاء نظام الأسد فارقاً هذه المرة .. وهنا بيت القصيد.

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(176)    هل أعجبتك المقالة (183)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي