أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بعد إصابته في الجولان.. "سمير طحان" يحول إعاقته إلى إبداع

سمير طحان - أرشيف

نجح "سمير طحان" في محاربة إعاقته، التي ابتُلي بها، بالإبداع والأمل والتشبث برغبة الحياة والمضي فيها إلى الشوط الأخير، رغم أنه أُصيب بالعمى وفقد أطرافه العلوية من الرسغ واستطاع أن يكون مثالاً للإرادة الخلاقة وللقدرة على العطاء والإبداع في أتون الألم واليأس والقنوط.

ورفض العطف واستجداء الشفقة والإحسان من الآخرين نتيجة عاهته المستديمة، ما دفعه إلى ابتكار طريقة مبسطة لتدريس اللهجة السورية الدارجة للأجانب من خلال منهاجه الشائق الذي حمل عنوان "أنا بحكي عربي سوري دارج" الذي يتألف من كتاب مطبوع وثلاثة أشرطة تضم 30 درساً تُعطى خلال 60 ساعة بالاشتراك مع شقيقه مروان طحان الذي رحل منذ سنوات بعد أن رافقه في محنته وآزره في مشروعه الثقافي التنويري.

في 27 نيسان ابريل من عام 1970 وأثناء تأديته لخدمة العلم في الجولان السوري انفجر لغم كان يحاول زرعه في أحد المشاريع العسكرية التي كان يقوم بها على الجبهة، فأفقده الحادث عينيه وأطرافه العلوية، فأُرسل بغرض العلاج إلى إسبانيا وروسيا وتمكن أن يستعيد سمعه الذي فُقد نهائياً من جرّاء دويّ اللغم غير أن أذية العينين والأطراف كانت عصية على الترميم أوالإنقاذ.

وأتاحت له هذه الرحلة العلاجية أن يتعلم اللغتين الروسية والإسبانية، فكان كتابه الشعري الذي حمل اسم "فيلاس دي التيميرا" وهو عبارة عن رحلة شعرية بالإسبانية ترصد حركة العناصر والكائنات عبرأطوار السحر والفلسفة والعلم.

في عام 1968 التحق طحان بالخدمة الإلزامية وتخصص في المتفجرات والهندسة العسكرية عامة وتم فرزه إلى الخطوط الأمامية وهناك -كما يقول لـ"زمان الوصل" انفجر به لغم كان يزرعه في مشروع تدريبي مما أودى بعينّيه ويديّه.

ويضيف:"أرّخت لهذه الحادثة الأليمة في حياتي في ديوان "ولاويل بردى" وهي مجموعة قصائد تبحث في مشكلة الفقدان– أي فقدان أطراف الإنسان– كتبتها في مشفى المزة العسكرية بعد الإصابة مباشرة، وكذلك أصدرت في تلك الفترة كتاباً بعنوان "هناهين قويق" 1980.

ويردف طحان أن "هذه المجموعة عبارة عن باقة من القصائد التي تبحث مضمون العلاقة بين المكان والناس والحضارة بأشكال مستنبطة من الأدب الشعبي".

كما صدر لسمير طحان الذي يعيش في أحد أحياء حلب اليوم "القصاص الحلبي" و"الحكواتي الحلبي"، وهما مجموعتان من القصص والحكايات الشعبية المفصّحة و"شفويات سورية" حلب 1996، وهو عبارة عن منتخبات من الأدب الشفوي السوري مترجمة إلى الفرنسية.

كما صدر له قبل الثورة العديد من الأعمال الأدبية الأخرى ومنها: "العين الثالثة" "أكوان الألوان" "مجمع العمرين" "سيرة موضوعية "حالات" وهي رواية في أصوات تعالج مشكلة الخذلان، "أرواح تائهة" "القناع في الطباع"، وأخيراً "رزنامة حلب"، الذي يحاكي فيه تجربة التوثيق التي تصدى لها المؤرخ والأديب الحلبي الكبير "خير الدين الأسدي" في المكنيات والتعابير والمصطلحات الحلبية القديمة.

ورغم كل ما يجري في حلب من يوميات الحرب، لا يبدو طحان متذمراً كثيراً من واقعه المحيط به، يقول: "مضى عليّ أكثر من 40 عاماً وأنا أحمل ثقل العمى والإعاقة وحمل هذين الثقلين يحتاج إلى تنظيم دقيق وتركيز تام، مما أكسبني عقلانية تمكنني من السيطرة على ردود فعلي، إذا صادفت ما هو أثقل من العمى والإعاقة".

ويردف: "لقد روّضت نفسي على امتصاص الصدمات، وعلى تحويل الانفعالات إلى أفعال".

وعن أحلامه التي لم تتحقق ويريد تحقيقها يقول "طحان": "يتعس الإنسان إذا حلم أحلاماً مستحيلة ويهنأ إذا حلم أحلاماً ممكنة. أحلامي كلها أحققها لأني أقيس رغباتي بمقياس قدراتي، وأقيس أمنياتي للآخرين بمقياس طاقاتهم".

وحول أثر محنته على تجربته الإبداعية يقول: "العلم كنز في الرأس و(ألف عيب في الأساس ولا عيب في الرأس)، كما يقولون في الأمثال الشعبية، ويتابع محدثنا: "أنا أرى أن للعلم ثلاث قوى: قوة الخلق وقوة الإفهام وقوة التعزية، وبهذه القوى الثلاث أي الإبداع والحكمة والفن قهرتُ محنتي فرضيتُ بها وبذا رضي من حولي بها أيضاً".

وأردف "طحان" بنبرة واثقة: "أنا أحب الحياة بكل مافيها من مآسٍ، ومن يحب الحياة يحب المتعة ومتعني تقوم على المعرفة والعلم وما أضيع اليوم الذي يمر بي من غير أن أطلّع وأنتج".

ويتابع محدثنا: "لقد تحولت محنتي إلى تجربة جديدة أصبُّ خبراتي في حياتي العملية والكتابية فيها".

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(341)    هل أعجبتك المقالة (286)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي