أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إلى جنيف .. نعم فلتذهبوا وإليكم الأسباب*

رسم للفنان موفق قات

مسبقاً يعلم المعنيون بمسار الحل السياسي والتفاوض أن نظام الأسد سينصب الأفخاخ قبل وخلال انعقاد مؤتمر جنيف الثالث، واتضح أيضاً أن الأميركيين لديهم أفخاخ انفجر أولها كما ورد من تسريبات حول لقائه بهيئة التفاوض في الرياض، إلا أن المسألة لم تنتهِ بعد، وعلى المعارضة أن تضع في حسبانها ما هو أكثر وأشد حساسية، خاصة وأن المبعوث ديمستورا كشف عن ستة أشهر كاملة هي مدة الجولة الجديدة والمختلفة كلياً عن سابقاتها.

لم يقف الحدّ عند دعوة المبعوث الدولي لأطراف سعت روسيا لإدخالها في جسم الوفد المفاوض، فالمسألة تبدو شديدة التعقيد لأن الأتراك لهم رؤية مختلفة في مشاركة الاتحاد الديمقراطي الكوردي، كما أن خلخلة ما تم إنجازه في الرياض يعد وفق المعايير السياسية ضربة قاسية للسعودية بوصفها تملك تفويضاً أممياً أنجزت عبره رعاية مؤتمر الرياض الذي انبثقت عنه هيئة التفاوض.

وسابقاً لكل الاعتبارات يبدو أن نظام الأسد والروس سعداء بوضع المعارضة في موقف محرج أمام شعبيتها التي بدأت تتحقق لأول مرة منذ خمس سنوات بعد عملية ممنهجة مارستها أطراف إقليمية ودولية لإضعافها وتشتيتها وحرمانها من صبغتها وصيغتها التمثيلية.

ماذا ستفعل هيئة التفاوض، هل تربح إن قررت عدم المشاركة في جنيف 3 بصرف النظر عن النصيحة والضغط الأميركي، أم أنها ستربح بالامتناع عن قبول الدعوة.

الحقيقة ليست صعبة، والواقع ليس ملتبساً، وليس هناك في عالم السياسة ما لا يمكن فعله .. الأهم هو كيف يمكن فعله، الأمر الذي يدفع إلى القول حكماً بضرورة مشاركة المعارضة في المفاوضات بعد تفكيك الصورة الكلية للحالة، ولعل ضرورة المشاركة تتبدى في فهم عدد من المرتكزات والأسباب.

أولاً: لا يمتلك نظام الأسد المرونة الكافية لوضعه أمام استحقاق المفاوضات السياسية مهما كان شكلها، حتى وإن بدأت بصورة غير مباشر وبمحور القضايا الإنسانية مثل إخراج المعتقلين وفك الحصار عن المدن وإدخال المساعدات الإنسانية لأن البدء بتنفيذ مثل هذه الخطوات سيرافقها رقابة أممية ما يعطي دفعة معنوية قوية وكبيرة للمعارضة وحتى الصامتين المتعاطفين معها، كما أن النظام لن يستطيع في هذه المرحلة ابتلاع شرط وقف إطلاق النار دون خسائر معنوية ومادية، لأن وقف إطلاق النار سيكون من جهتين، وإذا نجح هذا الشرط وقام النظام بوضع العصي في الدواليب لاحقاً باشتراط إلقاء السلاح من قبل المعارضة فإن الأمر سيكون قد تخطاه لأنه يفاوض طرفاً ندّياً باعتراف دولي، كما أن هناك مجموعات مسلحة تكفيرية على رأسها تنظيم الدولة "داعش" تتولى فصائل الجيش الحر قتالها فيما اكتفى جيش النظام بعقد صفقات معها، وبالتالي فإن النظام عاجز عن إحلال قوات لتقاتل المجموعات الإرهابية خاصة وأن موضوع الميليشيات التي تقاتل في صفه ستكون محل تشريح وبحث على الطاولة.

ثانياً: تعتبر عوامل تفجير مسار الحل السياسي موجودة بالأصل وليس مطلوباً من المعارضة أن تبدو بأنها الطرف المعطل، بل عليها المبادرة بالمشاركة ووضع مطالبها على الطاولة خلال عملية التفاوض، إذ إن ما يجري هو عملية دحرجة للحل دون خطة طريق، وعلى المعارضة أن تكون حاضرة في التفاصيل، وأن تؤثر في هذه الخطة.

ثالثاً: تبدو الأطراف التي تم فرضها من قبل الروس غير متجانسة إلى حدّ بعيد، حتى إن الدعوات الموجهة لها هي دعوات بأسماء شخصية لا بهيئات وبالتالي فإن عملية تجميع هذه الأسماء والزج بها ليست بالضرورة في مصلحة النظام، ويمكن بطبيعة الحال العمل على تطوير التعاطي معها، وكسب ما يمكن كسبه من خلالها في المرحلة الأولى وصولاً إلى مرحلة التفاوض على القضايا الأساسية والتي ستظهر خلالها التباينات الكبرى، فهناك قضايا سيكون هضمها صعباً حتى على الدول الكبرى خاصة فيما يتعلق بشكل الدولة ونظامها ومبادئها.

رابعاً: يستطيع وفد هيئة التفاوض الخاص بالمعارضة أن يكسب ثقة دولية عبر مراحل التفاوض لجهة التأكيد على قوته على الأرض، وقدرته التمثيلية، وتقديمه طروحاً استباقية توضح مبادئه في دولة مدنية تقوم على أساس المواطنة والمساواة وتحارب كل أشكال العسف والإرهاب.

خامساً: تحتاج جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية ـ باستثناءات منها إيران وتنظيم داعش ـ لعملية التفاوض نتيجة الظروف السياسية، فالأميركيون مقبلون على انتخابات رئاسية وأي تأجيل في مسار التفاوض يعني تجميد تعاطيهم مع المسألة إلى ما بعد منتصف 2017 على أقل تقدير وهم لا يرغبون بالابتعاد كثيراً، أما الروس فيريدون تثبيت حضورهم برعاية اتفاق ينهي "الصراع ويحفظ مصالحهم، وبالنسبة لتركيا فهي أمام استحقاقات "شنغن" الأوروبية، والاتفاقات والتفاهمات الجديدة مع عدد من الدول بعد أزمة الطائرة الروسية وخسارتها سوقاً مهمة، يبقى أن السعوديين مهتمون بإنهاء الصراع نتيجة الضغط الشديد الذي تتعرض له الرياض مع عدد من الملفات شرط أن لا يكون لإيران يدٌ في هذا الاتفاق بدعمها المستمر للنظام، ولا يخفى أن الأوروبيين يريدون وقف تدفق اللاجئين وهذا ما لا يتحقق دون فرض حلّ أو تسوية، أما الأطراف المحلية فهي منهكة فالنظام يعرف أن استمرار القتال هو مجرد تمديد لسيناريو ينتهي بسقوطه مع استمرار الخسائر وهو يقاتل اليوم لأن إيران وحزب الله وروسيا يملكون القرار في هذا الشأن، فيما المعارضة المسلحة وفصائل الجيش الحر غير قادرة على حسم معركة لا تمتلك فيها أي عنصر للتفوق مع دخول سلاح الجو الروسي سوى أن مقاتليها هم من نسيج الأرض التي يدافعون عنها، أضف إلى حالة الإرهاق والمعاناة الإنسانية للحواضن الاجتماعية. 

بناء لما سبق فإن ابتعاد المعارضة عن المشاركة في المفاوضات رغم احتمالات فشلها تشكل خسارة بالغة لا يمكن تعويضها، إذ يبدو أن عملية الاستعصاء مستمرة طالما أن هناك تضاربا في المصالح الدولية، ويبقى من الأولى أن يتم الانخراط في مسار سياسي مع الاستمرار في دعم الفصائل المقاتلة بل وهيكلتها وإعطائها جرعة من التنظيم والمأسسة لإثبات قدرتها على ملء الفراغ الأمني في مرحلة ـ حتمية ـ لاحقة.

ليست هناك مشاريع بديلة تضمن إنهاء "الصراع" مع ما حصل من خراب ودمار وما سقط من ضحايا، وكل من يرى أن الابتعاد عن مسار التفاوض هو خيار الثورة لا بد وأن يفكر في أن اشتراك مفرزات الثورة في تفاوض سياسي هو أول اعتراف عمليّ منذ خمس سنوات على ندّيتها، ولا بد من إجراء مسح بسيط لحجم تعاطي الرأي العام العالمي ومؤسساته ووسائل إعلامه مع مأساة سوريا من وجهة نظر المعارضة حالياً، إذ يمكن القول إن المعارضة خسرت منصّات الإعلام بسبب تغيير اتجاه الهوائيات نحو الإرهاب واللاجئين، لقد نجح النظام في حرمان الثورة من منصاتها مفتعلاً قضايا توجع الرأي العام العالمي وشعوب الدول المؤثرة وحكوماتها، والمشاركة في مؤتمر "جنيف" فرصة لتفتيت "صخرة" القلق المزعوم بشأن عدم وجود بديل يحارب الإرهاب وينبذه ويقدم خطاباً سياسياً منضبطاً وباعثاً للثقة.

أيها السوريون .. ليس ثمة من خسارة أكبر من أن تغمضوا أعينكم عن ما يجري في العالم.. فاوضوا وقاتلوا عدوّكم ... قد لا تكون هذه الدعوة جاذبة عاطفياً لشعب تستحق ثورته أن تنتصر، لكنها دعوة أساسها المنطق والابتعاد عن الانفعال والارتجال الذي ترافق مع أداء خبيث ممنهج لنظام شوّش العالم وأوصله للوقوع بمتلازمة "استوكهولم" بالتعاطف مع الجلّاد... لا تنتصر الثورة دون تصحيح الصورة، وليس من باب أمامها اليوم سوى مفاوضة القاتل للأسف .. وسعي الثورة للتفاوض ليس تنازلاً للقاتل إنها استراحة محارب يريد أن ينتصر لا أن ينزف.

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(170)    هل أعجبتك المقالة (192)

مجاهد

2016-01-27

الحقيقة الكاتب يعيش رومانسية حالمة ويستعمل عبارات جزلة رائعة مثل عبارة لأن البدء بتنفيذ مثل هذه الخطوات سيرافقها رقابة أممية وعبارة اخرى يستطيع وفد هيئة التفاوض الخاص بالمعارضة أن يكسب ثقة دولية واخرى فاوضوا وقاتلوا عدوّكم واخرى واخرى ثم يختمها بعبارة مثبطة تلغي كل المقالة اسمعوا هذه العبارة وليس من باب أمامها اليوم سوى مفاوضة القاتل للأسف ياكاتب هذه المقالة أما أنك ضعيف البصيرة أو أنك مأجور أو تعيش في منطقة انعدام الجاذبية لا تعلم الاعلى من الأسفل الموضوع يختصر بجملة واحدة على المعارضة ان تجتمع بأية معارضين وتناقش ما تريد وتأخذ وقتها ثم توقع على وثيقة معدة مسبقا بين القاتلين امريكا وروسيا ثم يحتفل الجميع والسلام.


محمد علي

2016-01-27

استاذ علي عيد ، شكرا على المقال العقلاني لمحلل متزن ، لكن الواقع يقول بان امريكا و روسيا يتصرفو بطريقة غير عقلانية ، فلامريكي يتصرف بطريقة الكاوبوي و الروسي يتصرف بطريقة المخمور لدرجة الثمالة يباشر بمجزرة ابادة على شعب اعزل بطريقة قذرة خبيثة و كل هذا على مراى من العالم ،،،،، ارادوا للثورات العربية الفشل ،،، ارادو البقاء للحكام القمع و الاستعباد ،،، هم من اتو بهم و هم من يحميهم اولاد عاهرتهم كما سماها الكاتب الالماني نقلا عن زمان الوصل في مقال سابق..


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي