عفواً رجب طيب أردوغان... عدنان عبدالرزاق*

دخل رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان، بطور "الحكي" والاستماع إلى "الحكي"، ربما، وفق تحليل نفسي، لشعوره أنه ماعاد بمقدوره تقديم ما يفيد السوريين لخروجهم من حفرة، ساهم العالم، كل العالم، بمن فيه أردوغان، بتعميقها، إن بقصد ونفعية، أو بدوافع حميدة، يتحمل وزرها، أو لا يعفى من تبعاتها على أقل تقدير، لأن مسارات التاريخ، كما طرق النصر لا يبنى بالنوايا والخطابات، كما أن العبرة بالنتائج والأمور تقاس بخواتمها، وليس من مبرر مقنع، في "أنه لا يعرف أن تصل الأمور والتدخلات بسوريا، أو أن تتهدد بلاده، إلى هذه الدرجة".
بداية القول: التقى الرئيس التركي يوم الجمعة الفائت، نحو 20 إعلاميا وناشطا سوريا، يعملون بوسائل إعلامية سورية وعربية ودولية، ليعرف منهم المعيقات التي تعترض عملهم الصحافي داخل تركيا، أو خلال عبورهم الحدود لسوريتهم، والاطلاع على ما يعانيه السوريون، بشكل عام بتركيا، إن لجهة العمل أو التضييق خلال التنقل أو منح ثبوتيات للإقامة، وما إلى هنالك من ضغوطات مستجدة، كاستحالة لمّ شمل الأسر السورية، بعد إغلاق الحدود وبلوغ مخاطر الدخول لتركيا، بشكل غير شرعي، حدود القتل.
قصارى القول: نعرف كسوريين، مدى العبء الذي شكلناه لتركيا، إن على الصعيد الاقتصادي وبلوغ الإنفاق علينا ما يزيد عن 6 مليار دولار، قبل أن تحصل تركيا على نصف هذا المبلغ، إثر اجتماع بروكسل نهاية العام الفائت، وما تركه ما يزيد عن مليونين ونصف المليون سوري على البنى التحتية التركية وما تبعه من زيادة نسبة البطالة وتغيير الأنماط الاستهلاكية وحتى رفع أسعار الإيجارات والسلع.
ونعلم أيضاً، أن لمواقف تركيا إزاء الثورة والسوريين، تبعات سياسية، لا نظنها ستبقى بحدود العقوبات التهديد الروسي، بل ربما تنفجر لتطال الداخل التركي، بعد الاحتقان والانقسام، إن ليس بسبب مواقف أردوغان من الثورة السورية والربيع العربي عموماً، فعلى الأقل، لأن تلك الوقفات يعتبرها خصومه السياسيون بالداخل ومتربصوه بالخارج، ممسكاً يمكن عبره التضييق على الحلم التركي التنموي والإسلامي في آن.
وربما نعلم، أو نستشف أكثر من ذلك، إن تركنا الباب للتأويل والتحليل مفتوحاً، فما يقال عن شرق أوسط جديد، لن تنجو من عبثية رياحه أنقرة، هذا إن لم تكن وسوريا، أهم أهدافه، التي يلتقي عليها الروس والإسرائيليون، وتبارك واشنطن تلك الأهداف، وإن عبر النأي بالنفس أو القيادة من الخلف.
بيد أنه، ورغم علمنا بكل ذلك واستشفافنا لما هو أبعد منه، إلا أن أعذار تركيا جراء التنصل من واجباتها تجاه السوريين، وبخاصة "العدالة والتنمية" وأردوغان، غير مبررة، وهنا لا نتكلم بعاطفة ولا بلغة الشفقة وذهنية الاستجداء والتسول.
فمن وضع "خطوطا حمر" منذ البداية، وفتح حدوده منذ "جسر الشغور 2011" لا يمكنه رمي السوريين لأقدارهم، بعد التحولات واستهداف ثورتهم التي تحولت لصراع داخلي أو حرب على الإرهاب، كما أراد لها العالم أن تكون، ليكون التخيير من جديد، بين الوجودية والعدمية "الأسد أو نحرق البلد" أو الأسد أو استمرار الموت".
خلاصة القول: لن ندخل في دوامة أسماء الوفد الإعلامي الذي قابلهم الرئيس التركي، وطريقة اختيارهم، عبر شركة تركية "البوسفور" وزملاء من تلفزيون "تي ري تي" وبعض النشطاء، لأن في ذلك جدلا وخلافا تجوز فيه كل الوجوه.
لنسأل -وهو مربط الفرس- هل سمع الرئيس التركي من الزملاء الإعلاميين ما لم يكن يعرفه من ذي قبل.
بمعنى آخر، هل فوجئ أردوغان لدى سماعه بمقتل إعلاميين بغير مدينة تركية وبمنع السلطات التركية دخول السوريين أراضيها، الملاذ الوحيد للهروب من الموت والقصف، وهل بدت على ملامحه الدهشة عندما أخبره الزملاء بمعاناة السوريين خلال حصولهم على إقامة أو أثناء سردهم لما حصل جراء فرض فيزا الدخول على السوريين، بالمطارات.
لا أعتقد، ولا بأي شكل، أن الإجابة نعم، وخاصة لرجل مثل الطيب أردوغان الذي يعرف من يعرفه، أنه يقوم بنفسه بتنسيق ومتابعة، ماهو أصغر وأقل أهمية من تلك الأمور المصيرية.
أي، في الوقت الذي نعترف خلاله كسوريين بفضل تركيا علينا، إن لجهة الإيواء بوقت أغلق خلاله الأشقاء والأصدقاء حدودهم بوجوهنا، وتحملها جراء وقوفها لجانب حقوقنا، من التبعات ما يهدد تاريخها وربما جغرافيتها، يحق لنا العتب على تبدل المواقف والتعامل مع "المهاجرين" ونندهش للطريقة التي لم نتوقع، أن نراها، بعد تصديقه على القرارات، من رئيس له لدى جل السوريين، ربما أكثر مما يكنه له شعبه، وهي السؤال أمام الكاميرات عن معاناة السوريين ليحلها لهم.
وثمة أمران على درجة من الأهمية هنا:
الأول، أن السوريين، أو بعضهم على الأقل، لم يكونوا عاملاً سلبياً طارئاً على تركيا، اقتصادا وسياسة، بل يعلم الأتراك، بمن فيهم السيد الرئيس، أن السوريين ولعامين متتاليين، حازوا على المرتبة الأولى بتأسيس الشركات وأنهم زادوا من شراهة الاقتصاد التركي، إنتاجاً وترويجاً واستثماراً، وربما ببعض تمكين وقليل من القوانين، يتحول السوريون إلى ورقة قوة لتركيا الداخل، ولنا في البلدان التي نهضت بالمهاجرين، أسوة وأمثلة.
أما الأمر الآخر، والذي يتعدى ما سيكتبه التاريخ عن وقفة هذا الجار، مع شعب يقتل ويهجر لأنه طالب بحريته، مفاده أن استضافة تركيا للسوريين انعكس عليها بمنافع، كما جلب لها مصائب، وإن ليس بالدرجة ذاتها، فمن خلال السوريين أعيد لتركيا فتح باب "الاتحاد الأوروبي" وعبر مواقف تركيا مع السوريين، فتح باب الخليج العربي، وربما لأن تركيا فعلت مافعلت مع السوريين، سيكون لها حصة الأسد، بالفصل الختامي، وتحقق مكاسب تصل لحدود الجغرافيا.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية