أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رسائل بوتين لأوباما.. هل أنت مهتم لاستعادة العميلين "سنودن" وبشار؟*

الكاتب: تبحث موسكو عن أي تنازل "غير مذلّ"، وإدارة أوباما تمارس "السادية" السياسية بمنتهى الذكاء والخبث

إذن قالها فلاديمير بوتين، فدخول الأسد كلاجئ إلى بلاده أقل قيمة من لجوء موظف الاستخبارات الأميركي إدوارد سنودن المطلوب لدى السلطات الأميركية بعد نقله معلومات سرية حول برنامج التجسس "بريسم"، إذ تنقل صحيفة "بيلد" الألمانية عن الرئيس الروسي قوله إن "روسيا قدمت ملجأ لسنودون وهذا أصعب من تقديم ملجأ للأسد".

لماذا تقصّد بوتين إجراء هذه المفاضلة "المقذعة" والمزعجة بالنسبة للأسد وحزبٍ من مناصريه، والواقعية بالنسبة لجميع أطراف الصراع القائم والذي يريد استلاب ثورة الشعب السوري قبل ترحيل شخص عميل بصفة رئيس.

لماذا يخرج بوتين بهذه التصريحات ويضيف إليها بأنه يدعم "المعارضة المسلحة" وعملياتها الهجومية ضد "داعش" عبر ضربات لسلاح الجو الروسي ثم تخرج بالتزامن صور لضباط روس يشاركون في عمليات لميليشيا تعمل لصالح الأسد في مواجهة "المعارضة المسلحة" في ريف اللاذقية، بل تشن طائرات الروس 100 غارة في يوم واحد على بلدة "سلمى" لتغير قواعد اللعبة في منطقة الساحل المحاذية للحدود التركية والتي تخلو من أي وجود لتنظيم "الدولة الإسلامية"، ولماذا يظهر ضابط "مهرّج" برتبة عقيد يدعى سهيل الحسن وهو يؤدي التحية العسكرية لجنرال روسي قبل أن يقلده وساماً لا أحد يعلم كيف يمكن تفسيره وفق "عقيدة" الجيش ولوائحه الداخلية ودستور البلاد.

سياسياً يمكن فهم ما قاله بوتين وما تقوم به قواته على أنها دعوات صريحة وواضحة للتفاوض بشأن ثمن الصفقة، كما يمكن استخلاص إشارات واضحة على أن الروس لا يعانون في سوريا وإنما في ملفين رئيسيين الأول هو العقوبات الأميركية ـ الأوروبية، والثاني هو انخفاض أسعار الطاقة وآثاره الكارثية على الاقتصاد الروسي.

كل التهديدات بالرد على العقوبات الاقتصادية جاءت بصورة هزلية إما عبر "سكّ" عملة جديدة تظهر ضمّ شبه جزيرة القرم لروسيا، أو العمل بطريقة معاكسة في سوريا، أما الآثار الواضحة للعقوبات وخفض أسعار الطاقة فهي إقالة 110 آلاف موظف في وزارة الداخلية وحدها منتصف عام 2015 ، وتراجع قيمة الروبل، وارتفاع مستوى التضخم، وخسارة الاقتصاد ما لا يقل عن 280 مليار دولار خلال عامي 2014 ـ 2015 ، وإذا أضفنا الخسائر الناتجة عن توتر العلاقات مع تركيا وتكاليف العمليات العسكرية في سوريا فإن الروس سيضيفون خسائر جديدة إلى فاتورة الخسائر التي تتراوح بين 140 ـ 150 مليار دولار، خاصة وأن الطلعات الجوية في سورية تكلف نحو مليوني دولار يومياً أضع إلى التكاليف اللوجستية.

كل ما سبق يدفع بموسكو لتقديم أوراق اعتماد للحوار، وطالما أنها لا تريد التفريط في نفوذها بمناطق استراتيجية فإن المقايضة ستكون على الأشخاص في بعض الحالات، ولا يستبعد أن يبادر الروس إلى تسليم سنودن إلى الولايات المتحدة أو تصفيته، وقبلها التخلص من بشار الأسد لكن هذا لن يتم دون صفقة أشمل يتم عبرها إلغاء العقوبات الاقتصادية.

تبحث موسكو عن أي تنازل "غير مذلّ"، وإدارة أوباما تمارس "السادية" السياسية بمنتهى الذكاء والخبث غير عابئة بدم السوريين ولا بوحدة بلادهم، وربما هي ليست مهتمة باسترجاع "سنودن" أو إزاحة "بشار" بالقدر الذي تريد فيه أن يتورط الروس أكثر لدرجة لا يمكنهم بعدها من الحديث عن قدرات تنافسية عسكرية مع الاحتفاظ بصورة المنافس السياسي "المهزوز"، إذ تشير الأرقام إلى أن الاقتصاد الروسي يشهد انكماشاً قويّاً، مع تراجع في النمو إلى مستوى (- 3.8) حسب تقارير البنك الدولي لعام 2015 والذي وضع روسيا في المرتبة 13 قياساً إلى الناتج المحلي.

تقول الحكمة " عندما تتصارع الأفيال فإن العشب هو الخاسر الوحيد"، لكن هذه المرة هناك دبٌّ نازفٌ متضخّم بحجم فيلٌ، وهو بالنسبة لقواعد اللعبة الدولية التي تديرها واشنطن أهم من موت العشب.

تريد موسكو أن توقف المكابدة، وفي هذه الحالة يكون العملاء مادّة حاضرة لإحداث تسوية ما، لكن غالباً ما يتم تسمين "الكبش"، وإذا صحّ التحليل وهو مبني على أرقام لا أوهام، فإن الروس يريدون فعل شيء داخل سوريا يزيد من معاناة أهلها ويرفع فاتورة تسليم بشار الأسد، وهذا ما يحصل عادة قبل كل العمليات السياسية الكبرى، لذلك فإن المراقبين سيلاحظون استمرار العمليات العسكرية الجوية وتطورها إلى عمليات وحضور على الأرض من قبل الجنود الروس، كما سيلاحظون حرص روسيا على استمرار خطة المسار السياسي في جنيف 3، دون النظر إلى خلافات الرياض وطهران وهو ما تحدث به بوتين للصحيفة الألمانية نفسها.

ما حصل في "مضايا" قد يثير شهية الروس إلى خلق مشاهد مماثلة بل أكثر إيلاماً في مناطق أخرى، إذ ستشكل مثل هذه الجرائم مادة لتحريك "الرّاكد"، لا ضير أن مفتاح الحلّ في سوريا بيد واشنطن وهي حريصة على إخفائه، وكذلك إضعاف الجيش الحر وتشكيلات "المعارضة المسلحة" ضمن الحدود الدنيا لاستمرارها، وهي في النهاية ليست من يدفع ثمن فاتورة السلاح لأي طرف، لكنها في حالة المعارضة تستثمر بدم السوريين وثورتهم، تصفهم بالشجعان وتضغط على مصادرهم لمنع حصولهم على سلاح نوعي.

أصعب المعارك تلك التي ليس فيها من سيصرخ أولاً بين الكبار، فيما صراخ الجوعى والمحاصرين وأمهات الضحايا يملأ الكون.

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(182)    هل أعجبتك المقالة (169)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي