أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حصل للسوريين..*

#مضايا..

هل نحن سوريون أم عرب أم قبائل أم طوائف أم مجرد بشر وجدوا مصادفة مع بعضهم البعض، لم يكن مقرراً أن نصل إلى ما نحن فيه، فنحن عروبيون حتى النخاع، وعشنا على هوية عربي سوري لا العكس، وكذلك لم يعهد أحدٌ عنّا أننا عنيفون، لقد ظللنا أرانب طيلة خمسين عاماً، وأراهن أن أحداً بين من سيقرأ هذه السطور إلا واعتقل أو ضرب ولو "كفّ" على الأقل، أو تلقى الإهانة في بلادنا الجميلة التي صنفتها المنظمات المعنية قبل 2011 بأنها من أكثر الدول أمناً في العالم.

وأنتم أيها العسكر، "عسكر على مين"، هل كنتم ستلبسون كل تلك النياشين والبزات العسكرية وعلى أكتافكم كل تلك النجوم والنسور والسيوف لولا هذا الشعب، أيّ أمهات كنتم ستلعنون لولا أمّهاتنا، وأي مزارع وقصور وحتى عشوائيات كنتم ستبنونها لولا أبناء معضمية الشام والمزة والقابون وبرزة، وهل كان أولادكم سيصبحون وكلاء "بلاك ليبل" وأصحاب فنادق وصحف وشركات لولا أن عمل تحت أيديكم تجار بلادنا من الشوام والحلبية والحماصنة بعد أن كانوا مضرب مثل في الحذاقة و"الشطارة".

لماذا لم تشكروا السوريين على نعمة تحملهم لكم، وأنتم أيها السوريون.. أيها الشعب المسكين، من قال لكم إن الأميركان والفرنسيين والإنكليز فرحوا بشجاعتكم وحريتكم، وإذا كنتم لا تكترثون لدعمهم فلماذا حملتم الله وزر مصابكم الجلل ليخرج عليكم ألف إله جاؤوا من كل أصقاع الأرض.

أتفهم جيداً كيف يمكن لسوريّ أن يشرب "الفودكا" الروسية مع "مازا" الجزر والفستق الحلبي في مطاعم رامي مخلوف في المزة وطرطوس واللاذقية، وأطفال "مضايا" يتناولون حساء أوراق الشجر كي لا يموتوا، حتى أن بعضنا يمكنه بكل رضا خاطر أن يتفرج على صور قتلى الجوع في بلاده وهو يشرب "المتة" في إحدى الدول الاسكندنافية، أو يستمتع بقدح من النبيذ الفرنسي وهو يلعن قوانين الحرب وقوانين اللجوء وحتى بخل حكومات الغرب على ما تقتطعه من دافعي الضرائب لكي ينعم الوافد الجديد بشيء من الكرامة.

كم نحن أصحاب قضية، وكم نحن ضائعون ومخيبون للأمل، نصفنا يحارب نصفنا الآخر من أجل نظام بائس قاتل، ونصفنا يلغي النصف الآخر من أجل "نعوة" مقاتل، يسارنا مع إيران، ويميننا تلعب به إسرائيل، أي عدمية تلك وأي إنكار، ثم من هذا الذي لا زال يفكر بيننا في أن يتخلى عن عبقريته وتفرّده فقط كي لا يموت آخرون ودون جدل، كيف كرهنا بعضنا البعض، وأي طلاق نفسي بائنٍ ذاك الذي وصلنا إليه.

كيف يتحول فنان الكوميديا السياسية الساخرة إلى مجرد مهرّج على درج قصر القاتل، والكاتب الصحفي حامل شكاوى الناس الضعفاء إلى بهلوان يقبل حذاءً عسكرياً يلبسه قنّاص قتل ثلاثين مدنياً في أسبوع واحد، كيف أصبح بيننا من يقبل أن يكون رئيس وزراء في نظام قتل أبناء قريته ودمر منازلهم.

كيف يكون رئيس دولة ورئيس حكومة مثلاً طبيبين وتقصف طائراتها مشافٍ فقيرة تسعف الرّضع والعجائز في الغوطة أو إدلب أو حلب، وكيف لا يصيبنا الخنّاقُ لمجرد أن تخطر الفكرة في بالنا.

كيف نصبح معارضةً ونحن شعب ثائر، وكيف يكتب بيان تلك المعارضة من كان يكتب خطابات الأسد، وإن حصل وفهمنا أن الثورة تجبُّ ما قبلها على قاعدة "كافر وأسلم"، لماذا لا يكتفي هؤلاء بتقديم المشورة والنصح لقيادات جديدة، ثم لماذا لا يقبل هذا الشعب الذي ثار من أجل الحرية بأن يظهر رجل جديد يخرج من بين ظهرانيه دون أن يكون خائناً وعميلاً، لماذا سرق رجال الإغاثة مال المنكوبين، ونشطاء "فيسبوك" أقلام الصحفيين والكتاب، والملثمون اسم الله، من الذي اغتال كل هؤلاء المناضلين في محيط اجتماعي يعرف فيه الواحد سلالة الآخر.

لماذا لا نندم، لماذا لا نقول إننا خوّنا العراقيين الذين لعنوا العروبة عندما لجؤوا إلى بلادنا حتى بتنا نشعر بمأساتهم اليوم، لماذا دبكنا للأسدين وعلقنا صور حسن نصر الله في مضافاتنا حتى جاء الوقت لنرى هؤلاء وهم يذبحون أولادنا، لماذا تقاتلنا بين ناصري ويساري ونحن الذين لم نرث من هؤلاء إلا العسكر والسجون وأجهزة الاستخبارات.

كيف وصلنا إلى هنا وقد كان الواحد بيننا يعيش نصف عام على ما تزرعه أمه في "مساكب" بيوتنا، كيف بات الحكيم فينا يقبل بالعمل "صبيّاً" عند تيار سياسي لا يعلم من يموّله، ومن يديره.

ذات يوم وقبل أن "أهرب" من وطني حاججت امرأة من طائفة العسكر كانت تزبد وترعد وتكاد تطلق الزغاريد لمقتل أبرياء في محافظتها "حمص" بدعوى أنهم "خونة" و"مندسّون"، قلت لها إننا أبناء وطن واحد وإن نهر الدم سيمر يوماً بأطفالها إن بقيت على هذا التفكير البائس، في اليوم التالي كان أحد الصحفيين الذين حملوا الهراوات على أبواب الجوامع يهددني قائلاً "سنعدمكم من خصاكم" .. قلت وقتها متسائلاً: "هذا وطن أم وكر ذئاب؟.".

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(213)    هل أعجبتك المقالة (207)

سوري

2016-01-06

اسمح لي أخي الكريم، نحن وحوش تدعي الإنسانية، وانطبق علينا قول الله: نسوا الله فأنساهم أنفسهم!.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي