أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ألغام جنيف 3 .. المعارضة تملك "التكتيك" والخبرة والمبادرة*

الكاتب: يبدو المسار شديد التعقيد، كما يبدو أن مزيداً من الموت والخراب سيلحق بالبلاد - أرشيف

حسناً فعلت الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر "طيف" المعارضة الذي اجتمع في الرياض يومي 9 و10 من الشهر الجاري أن بادرت في نقطتين اثنتين الأولى رفض إضافة أسماء إلى الوفد المفاوض باسم المعارضة بطلب وضغط روسي، وكذلك البيان الذي أكدت فيه على أنّ الظروف غير مناسبة للشروع في عملية تفاوضية جراء تصعيد النظام الممنهج وعدم وجود مبادرات "حسن نية" وإجراءات بناء ثقة.

أفهم من باب "التكتيك" السياسي أن تبادر هيئة المفاوضات باتخاذ مواقف فأمامها الكثير من ألاعيب النظام مدعوما بإجراءات عسكرية وعقلية سياسية متكلسة للحليف الروسي والذي ظهر أن الأميركيين يلاعبونه على حساب معاناة الشعب السوري، وقد لا تعود "تكتيكات" المعارضة بنتيجة فعلية على المدى القصير، إلا أن ما يجري هو عملية كسر عظم ودحرجة لكرة "الصراع" دون أن يكون هناك أي تصور للنتائج من قبل جميع الأطراف بمن فيهم الروس والأميركيون. 

لقد تعرض مؤتمر الرياض لهجوم عنيف من قبل أطراف تدعم الأسد، ومجموعات تضع نفسها في خانة المعارضة وتعمل من الداخل بحماية النظام، وهذا الهجوم الذي ترافق بمؤتمرين موازيين زمنيا في المالكية ودمشق بدا واضحاً من خلاله أن الأسد وداعميه يحسبون حساباً لما سينتج في المرحلة المقبلة، وبالتالي فإن اتفاقاً دولياً على جدول زمني جرى تبنيه مسبقاً وقبل قرار مجلس الأمن 2254 إلا أن هذا الجدول هو فقط محاولة للتحكم بالوقت ومن ثم تركيب الأحداث وفقاً للتطورات لأن جميع الأطراف الدولية تشعر بالحرج والضغط مع احتمالات نشوب حرب خارج الحسابات نتيجة "الاحتكاك" مع كثرة اللاعبين كما حدث في التطورات بين موسكو وأنقرة بعد أزمة الطائرة التي مازالت تفرز تبعات في أكثر من منحى.

المعلومات الأولية تشير إلى أن جنيف 3 سينعقد في الثلث الأخير من يناير – كانون الثاني المقبل، وليس هناك من ضامن لنجاح هذه الجولة من المفاوضات، إلا أن ربطها مباشرة بآلية دولية يعني أنها ليست معركة "تجريبية" كما حصل سابقاً، فكسب أي نقطة في هذه الجولة يحمل معنى كبيراً، ولا يمكن المكابرة على أن مصالح الدول الكبرى تفرض هذه المعادلة غير الأخلاقية، إذ لم تعد حسابات البيدر قائمة على ما ارتكبه الأسد من مجازر منها استخدامه للكيماوي وقتل مئات الآلاف، فاللاعبون الكبار يبحثون عن شريك على الأرض، ورغم أن جيش النظام لم يعد يمتلك تلك المواصفات إلا أنه وكعادته منذ 50 عاماً يحترف لعبة كسب الوقت، وهو متمرس في السير على حافة الهاوية معتمداً كل ألاعيب أجهزة الاستخبارات وعمليات الابتزاز في ملفات حساسة كما هو الحال في ملف الإرهاب.

قبل جنيف القادم ستنفجر عدة ألغام زرعها النظام في طريق المسافرين إليه، منها توسيع وفد المعارضة بحجة أن هناك أطرافاً غير ممثلة داخل سوريا وخارجها، وكذلك محاولة التشكيك بهوية الفصائل العسكرية التي ستحضر لأول مرة، ومن الألغام ما لا تعرفه هيئة التفاوض المعارضة إلا أنها يجب أن تضع في اعتبارها ضرورة زرع طريق النظام بالألغام مع الاحتفاظ بالخارطة، وهذا ما ليس واضحاً إذا كان بإمكانها فعله، لكن ما يصدر عن المنسق العام وبعض الأعضاء يشير إلى مرونة لم تكن موجودة في مرات سابقة، وقد يلعب دوراً في هذا اكتسابهم خبرة عبر جولتين سابقتين، وكذلك عملية الدعم الدبلوماسي الاستشاري الذي تقدمه الرياض أضف إلى أن وجود عسكريين بينهم يعطيهم ورقة ضغط عبر تحريك قوات المعارضة المسلحة على الأرض.

بالعودة إلى مؤشرات ما سيجري فإن المؤكد أن مسار التفاوض بات أمراً مفروضاً، ولكنه سيأخذ مزيداً من الوقت، لكن المرحلة الأخطر على النظام والتي تعتبر الخطوة ما قبل الأخيرة لرحيل الأسد هي فرض وقف إطلاق النار، وهذه الخطوة - أيضاً – سيحاول النظام كل ما يستطيع لوقفها لأنها تعني الاعتراف الكامل بطرف المعارضة المسلحة على الأرض، وبالتالي انهيار المنظومة الأمنية بعد العسكرية لأنها لا تستطيع العمل في الإطار السياسي دون منجزات على الأرض.

سيحاول النظام استخدام المعتقلين كورقة في صالحه، كما أنه سيهدد أمن المناطق التي لا تشكل احتمالاً لدويلة تشكل ملاذاً في أية لحظة، كما هو الحال في السويداء أو بعض الجزر المكتظة بالسكان والتي لا تزال قواته تسيطر عليها لابتزاز المجتمع الدولي لآخر لحظة، ولن يكون الأمر سهلاً إذ ينبغي النظر أيضاً إلى مخاطر تفكك المعارضة، أو ضرب الوفد المفاوض عبر اتهام بعض أطرافه بالعمل مع مجموعات إرهابية، ويبدو أن هذه النقطة بالغة الحساسية الأمر الذي دفع إيران للدخول كشريك في عمليات تصنيف المعارضة المسلحة بالاشتراك مع روسيا وفرنسا والأردن.

على هيئة التفاوض أن تضع كل الاحتمالات وأن تتبنى خططاً بديلة فهي إن لم تخرج بمكاسب للشعب السوري يمكنها أن تمنع نظام الأسد وداعميه من كسب النقاط وإطالة معاناة سوريا وشعبها قبل سقوطه المؤكد.

يبدو المسار شديد التعقيد، كما يبدو أن مزيداً من الموت والخراب سيلحق بالبلاد ففي أحسن الحالات لن تكون هناك إجراءات عملية لهيئة حكم انتقالي أو حكومة مؤقتة مع نقل صلاحيات قبل عام ونصف على الأقل، وبخبرة المراقب يمكن القول إن معارك السياسة تكلف في غالب الأحيان قدراً أكبر من الدماء والخراب.

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(164)    هل أعجبتك المقالة (164)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي