تحولت حياة أحد رموز الرياضة الكبار إلى مأساة حقيقية في ظل "سوريا الأسد" الذي قال مؤسسها "إني أرى في الرياضة حياة"!، بينما كان الرياضيون السوريون وما زالوا يفرون بحياتهم من "حياة" القائد الجحيمية، مخافة أن يلاقوا مصير غيرهم من النجوم الذين أصروا على البقاء تحت كنف "راعي الرياضة والرياضيين".
عماد حقي، أبرز لاعب شطرنج مر على تاريخ سوريا وربما العرب وآسيا، بات متشردا في شوارع دمشق ومقاهيها، عرضة للسخرية والاستهزاء ممن لايعرف هويته أو قدره، فيما "الاتحاد الرياضي العام" مشغول بتمجيد "انتصارات" القائد على "الإرهاب" وعلى "المؤامرة".
عماد حقي الذي عكف إعلام النظام على تلقيبه "شيخ الشطرنجيين" بضاعة جديدة ومتجددة للمزوادة من قبل إعلام النظام، الذي طرح أحد مواقعه قصة البطل المأساوية، ملقيا باللوم على "الجنون" المستشري في سوريا، وعلى "مرض التوحد" الذي قال إن "حقي" يعاني منه، وعندما "تقّل العيار" وصل إلى ذكر "اتحاد الشطرنج"، دون أن ينبس ببنت شفة حول مسؤولية النظام، أو حتى الاتحاد الرياضي العام أو حتى محافظة دمشق التي لعب "حقي" لصالح ناديها طويلا.
العرض الجديد والمتجدد لمأساة "حقي" كان كعادة إعلام النظام منصباً على تسول الاستعطاف من خلال شحن العبارات بأعلى قدر من مفردات البؤس، دون أن يشير مرة واحدة إلى مصدر هذا البؤس، ودون أن يقول إن ذلك يحدث في "سوريا الأسد"، سوريا "الأسد أو نحرق البلد"، سوريا "القائد الخالد وشعاره الخالد: إني أرى في الرياضة حياة"، سوريا "الرئيس راعي الرياضة والرياضيين، والرياضي الأول"، ففي مثل هذه المواضع تقنضي التعليمات وحسن الأدب مع القيادة أن يكون ذكر سوريا "حاف"، هنا فقط في مواضع الجنون والبؤس والإهمال ونكران الجميل وانحطاط الإنسانية تصبح سوريا، أما في المواضع التي يرفع فيها هذا اللاعب أو ذاك علم النظام وصورة القائد، ويهدي نصره وميدالياته إليه، عندها فقط تتكرر عبارة "سوريا الأسد" بمعدل 3 مرات بين كل عبارتين!
وليس ذلك فحسب، بل إن "حقي" اللاعب الذي كان مالئ إعلام النظام وشاغله قبل سنوات، بوصفه استثمارا إعلاميا جيدا، صار اليوم مجرد "ملك" ينتظر من يقول له عبارة "كش"، ربما تأتي من "قذيفة هاون عمياء"، كما يختم تقرير الموقع الموالي، وكأنه يريد أن يوحي أن قتل "حقي" الذي تحول إلى شبح، سيكون على يد "فصائل المعارضة المسلحة" التي تقصف دمشق بالهاون، وتقتل المدنيين في مواقع مختلفة وفق رواية النظام، مع أن هذه المعارضة المسلحة –التي تقتل المدنيين- لم تستطع أو لم ترغب بأن تعكر ولو بقذيفة واحدة صفو "مسيرة حاشدة" مؤيدة وسط دمشق، خرجت بالتزامن مع مجازر الغوطة يوم الأحد الماضي!.. هنا فقط يصمت النظام ولا يرى حاجة لتبرير استغبائه لجماهيره.
حتى التكريم غائب
يقول التعريف الذي يقدمه "نادي محافظة دمشق" لشيخ الشطرنجيين أن عماد حقي ولد في شهر كانون الأول 1956 وهو ابن الأديب الكبير بديع حقي، مشيرا إلى أن عماد "بدأ بممارسة اللعبة بشكل جدي في المركز الثقافي السوفييتي ببداية السبعينات، وأول بطولة رسمية لعبها كانت بطولة دمشق للرجال بنهاية عام 1973".
ويمضي التعريف: "لعب عماد حقي باسم نادي الجيش وحصل مع زميله بالفريق هاني البيطار ولاعبين آخرين على بطولة أندية القطر على مدى سنوات طويلة دون منازع... انتقل عماد حقي إلى نادي محافظة دمشق حيث حقق معه بطولة أندية الجمهورية لسنوات عديدة".
ووفق بطاقة التعريف الصادرة عن ناديه "حصل عماد حقي على بطولة الجمهورية للرجال أكثر من عشر مرات وكان أول لاعب سوري يحصل على لقب أستاذ دولي في الشطرنج كما أنه حاصل على أعلى رقم تصنيفي دولي للاعب سوري وهو 2470 نقطة، كما مثل سوريا في العشرات من البطولات العربية والآسيوية والدولية والأولمبيادات العالمية".
ويختم التعريف قائلا: "ما يزال شيخ الشطرنجيين عازبا ولم يدخل قفص الزوجية وفضل أن يبقى طيلة هذه السنوات في قفص الشطرنج ومنذ بداية الموسم 2012 لم يشارك في أي بطولة وليس معروفا بالضبط إذا ما كانت سيعتزل اللعب أو أنه سيعود ليشارك مستقبلا، حيث أنه لا يزال أحد أفضل اللاعبين في سوريا".
أما عماد فيقول عن نفسه في لقاء سابق قبل أن يصل إلى وضعه المأساوي الحالي في كنف "راعي الرياضيين"، بأنه مارس اللعبة منذ عام 1970 بشكل علمي، وهو عضو منتخب سوريا الوطني منذ عام 1975، وشارك في العديد من البطولات الدولية على مستوى آسيا والعرب والعالم.
ويقول حقي إن أهم الإنجازات التي حققها كانت حيازة لقب بطل العرب 3 مرات وبطل غرب آسيا عام 1997، ولقب بطل الجمهورية 10 مرات والوصيف 7 مرات والمركز الثالث 3 مرات.
ومما قاله "حقي" في ذلك اللقاء والذي يفسر الحال الذي آل إليه والمسؤول المباشر عن ذلك: "على مدى 35 عاما حتى الآن لم أحصل على حقي كاملا، حتى التكريم غائب".. نعم حتى "التكريم غائب" في "سوريا الأسد" التي يمكن أن تجود بمكرمات القائد على "محلل سياسي" يوهمها بالعدادات أو يتوه بها بين المربعات والدوائر، أو على فنان من خارج سوريا ربما يكون مليونيرا لتتكفل بعلاجه، فقط لمجرد مناصرته الأسد وتمجيده أياه، بينما لا ترى "أمير الشطرنجيين" وهو يجوب شارع الشعلان متشردا ببقايا لباس متسخ، على مرمى نظر من قصر المهاجرين وقصر الشعب.
إيثار عبدالحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية