أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التحالف "السنّي" .. ترحيب واشنطن وعزلة طهران*

الرئيس الإيراني حسن روحاني - ارشيف

إعلان وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان عن تشكيل تحالف عسكري "إسلامي" يضم 34 دولة، دليل على مستوى التعقيد الحاصل في المشهد الدولي، وسط صراع "أسبقيات" وتحالفات ومبادرات خلطت كل الأوراق، وبات اختبارها صعباً بدون احتكاك على الأرض كما حصل في حادثة الطائرة الروسية التي أسقطتها الدفاعات الجوية التركية في 24 نوفمبر – تشرين الثاني المنصرم.

أما عن التحالف الجديد والذي لا يعتبر مفاجأة بالنسبة للقوى الكبرى وحتى الدول الإقليمية الفاعلة، فلعله تحالفٌ تعاملت مع طرحه الأوساط الدولية بحياء فيما كانت مؤسسات الدراسات الاستراتيجية وأجهزة الاستخبارات تضعه في رأس الضرورات منذ بوادر الفشل في العراق عقب اجتياحه عام 2003 وظهور عمليات "مقاومة" وطنية تداخلت عليها واستلبتها قوى وتنظيمات متشددة في طليعتها "القاعدة"، ليتحول المشهد بعدها على خلفية سقوط العراق في يد إيران إلى طابع من الفوضى "الغريبة"، حيث بات المطلوب من سنة العراق التقدم إلى الواجهة في محاربة القاعدة عسكرياً، والقبول بتصنيفهم في الخلف سياسياً واقتصادياً وهو السبب الذي أسس لما يعيشه العالم اليوم من أحداث يعتبر ما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية" ـ داعش ـ محورها.

في العودة قليلاً إلى الوراء، يمكن فهم تطور ظهور "داعش" عبر التسميات التي حملها التنظيم وعملية تطويرها، حيث ظهرت لأول مرة في 15 أكتوبر ـ تشرين الأول 2006 ما تسمى "دولة العراق الإسلامية"، وفي 9 أبريل ـ نيسان 2013 قام زعيم التنظيم "أبو بكر البغدادي" بتعديل التسمية إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ليعقبها اقتحام سجني "أبو غريب" و"التاجي" وتحرير نحو 1000 شخص معظمهم اليوم يعملون في قيادات التنظيم.

بعد نحو 14 شهراً وفي نهاية يونيو ـ حزيران 2014 خرج تسجيل حمل صوت "أبو محمد العدناني" المتحدث باسم التنظيم ليعلن تغيير التسمية إلى "الدولة الإسلامية" وكان ذلك تطوراً ظهر على إثره التنظيم في ليبيا وسيناء واليمن وبعض المناطق في دول المغرب العربي.

كان واضحاً للعيان أن التنظيم شكّل حاجة موضوعية لإيران طوال السنوات التي أعقبت اجتياح العراق، على اعتبار أنه وَسَمَ السنَّة بالإرهاب، رغم تأثيراته السلبية على المناطق السنية واضطرار سنة العراق لمحاربته تحت مسمّى "الصحوات" المشكلة من العشائر، وبعد 2011 كان ملحوظاً ترك نظام الأسد المجال لتوسع التنظيم واقتصر الاحتكاك معه في بعض المناطق التي شكلت مصلحة اقتصادية للطرفين، كما هو الحال في حقول الغاز، ومنها حقل "الشاعر" في ريف حمص الشرقي.

كان المطلوب أن يهزّ الإرهاب العالم بعد توطئة سياسية إعلامية ترافقت مع عمليات ممنهجة لقطع الرؤوس والحرق داخل الأقفاص والإغراق، وليس واضحاً عدد وجنسية أجهزة الاستخبارات التي تقاطعت مع مخابرات الأسد في استثمار صورة "داعش" بل وتركها تتعزّز لأكثر من هدف أولها فتح المنطقة عن آخرها استجلاباً للتقسيم ثم إعادة رسم خطوط النفوذ، وثانيها بيع السلاح، وثالثها ابتزاز بعض الصناديق السيادية في منطقة الخليج العربي، حيث ظهر اسم التنظيم في أحداث "عرعر" السعودية مطلع 2015 في عملية لا تحمل بعداً استراتيجياً في جغرافية المكان لبعدها عن المحيط الحيوي، لكنها حملت مضامين ورسائل بالغة الدقة لجهة الدولة المستهدفة ودورها الٌإقليمي.

استطاع التنظيم أن يتمدد في العراق وسوريا، وأن يكوِّن خلايا في دول أخرى، وأن يضرب في السعودية وتركيا وصولاً إلى فرنسا لكن إيران بقيت في منأى عن الاستهداف، وكذلك المناطق الخاضعة لسلطة الأسد في دمشق والمنطقة الساحلية، وهو ما يشير إلى أن التنظيم لم يتشكّل أساساً لخوض معركة طائفية رغم كل عمليات الاستثمار في هذا المنحى، ولعل ورود مصطلح "الرافضة" الذي تبناه أبو مصعب الزرقاوي قبل مقتله منتصف عام 2006 باعتباره أباً لمشروع "داعش" لا يختلف عن مصطلح "الشيطان الأكبر" الذي أطلقه الخميني وتبنته إيران والتنظيمات التي تغذيها في لبنان والعراق وأخيراً اليمن.

بالعودة إلى الحلف الإسلامي يبدو أن الرياض لا ترغب في تمريره إعلامياً على أساس طائفي كما ظهر في تصريحات وزير خارجيتها عادل الجبير، إلا أن وزير الدفاع الأميركي كارتر أشتون وصفه بتحالف "الدول السنيّة" قائلاً إنه يتماشى مع الرؤية الأميركية لاضطلاع هذه الدول بدور أكبر في محاربة تنظيم الدولة، وكان سبقه إلى هذا التوصيف وزير الخارجية جون كيري. 

اللافت في التحالف المعلن هو أنه يضمن كبرى الدول العربية والإسلامية، رغم بعض الخصومات، كما هو حال تركيا ومصر، كما أنه يضم باكستان ونيجيريا إضافة إلى السعودية، وبالنظر إلى هذه القائمة فإن جمع هذه الأطراف على لائحة المشاركين فيه دلالات على أن الإعلان سبقه ترتيبات وتنسيق ومباحثات في طبيعة وأهداف التحالف ما يجعل الهدف الواضح منه هو محاربة الإرهاب وعلى رأسه تنظيم "الدولة"، ولكنه ـ التحالف ـ يشكل تهديداً سياسياً لصورة إيران التي تستثمر في المشروع الطائفي في أكثر من دولة، ما يعني أنها باتت معزولة، وليس بإمكانها تأمين دعاية كافية لتفكيك وضرب التحالف سياسياً، وإن كانت الصورة، عسكرياً، لم تتضح بعد، وربما تفرز إعادة ترتيب لعلاقات بعض الدول وتقلل من مستوى الاحتقان الحاصل بينها.

بقيت سوريا والعراق وأفغانستان خارج التحالف وهي جميعها ساحات صراع تتواجد فيها تنظيمات متطرفة وإيران على السواء، وهي إشارة إلى حلفاء طهران على الأقل، أضف إلى الجدل الحاصل في لبنان بين رئيس الحكومة تمام سلام والجناح الموالي لحزب الله ـ إيران حول الانضمام للتحالف، وهو جدل لا يضعف من التحالف ولا يقويه نظراً لخصوصية هذا البلد، لكنه يظهر مدى شعور إيران وحلفائها بالقلق والعزلة.

*دور التحالف الجديد في سوريا
نعود للحديث عن الأرض.. ففي موازاة العمليات الجوية التي بلغت ذروة غير مسبوقة بمشاركة روسيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة يبدو أن الأرض تشير إلى أن شيئاً لم يتغير، ويوماً بيوم تتزايد صورة الضحايا من المدنيين فيما يعزز "داعش" سيطرته في مناطق مقابل خسارته أخرى.

تصريحات وزير الخارجية السعودي من باريس حول مناقشات تجريها دول الخليج لإرسال قوات خاصة إلى سوريا ليست كافية للتعبير عن حقيقة وقوة التحالف الجديد، لكنها تتلمس إمكانية فرض هذا الخيار لاحقاً، وإذا تحقق هذا الأمر فإن الأولى هو رؤية قوات مصرية وباكستانية وتركية، فيما تتكفل دول الخليج بعمليات الإمداد، وتحقيق مثل هذا الهدف يتطلب مزيداً من الوقت وكذلك التنسيق مع العمليات الجوية وهو أمر متعذر في بعض الحالات حيث سيكون الروس والأتراك في الشمال أمام اختبار صعب إذا لم يتحقق تقارب سياسي ينهي أزمة الطائرة.

وفي أحسن الحالات يمكن مشاهدة قوات (عربية) متعددة الجنسيات في المنطقة الجنوبية خاصة وأن الأردن عبر أكثر من مرة عن قلقه من احتمال تسرب إرهابيين عبر الحدود إلى أراضيه، وقد يكون هذا القلق مبرراً لتأمين المنطقة الجنوبية بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً في مرحلة أولى، ويبقى الأمر افتراضاً قد يصعب تحقيقه في ظل ضبابية الموقف الأميركي، واعتمادها عملية الدفع المتعاكس بدعم خصوم الأسد وإيران تحت الطاولة، وتبني خطاب "رخو" أمام الروس.

ويأتي إعلان تشكيل التحالف عقب مؤتمر للمعارضة السورية تبنى ورقة عمل موحدة حول مبادئ المرحلة المقبلة لاقت قبولاً دولياً، رغم العرقلة الروسية، والغمز الأميركي بوجود بعض النقاط العالقة، كما أنه يسبق لقاء لوزراء خارجية "مجموعة دعم سوريا" الجمعة 18 ديسمبر ـ كانون الثاني الجاري في نيويورك.
"التحالف الإسلامي" كما أسمته الرياض، أو تحالف "الدول السنيّة" كما رغبت واشنطن بتسميته هو جزء من الكيمياء التي تتفاعل في المنطقة والعالم، لكنه نموذج جديد يثبت حقيقتين الأولى هي أن نظرية "الفالق المذهبي" وصلت إلى نقطة الحقيقة، والثانية هي أن فكرة العمل العسكري البري على الأرض السورية دخلت إطارها الفعلي وإذا كان الهدف الظاهر هو فك الاشتباك الأيديولوجي ـ عسكرياً ـ بين حقيقة الإسلام من جهة وممارسات الجماعات المتطرفة من جهة ثانية، وبالتالي فإن أي اعتراض على هذه العملية من قبل روسيا أو إيران سيعود بنتائج عكسية وسيحملهما مسؤولية ما يلي من أحداث تحمل أي ملامح للإرهاب.

إن ما يجري اليوم هو أشبه ما يكون بعملية هروب للأمام من قبل الجميع، فالجميع يتنازع كرة اللهب عن سابق إصرار إلا الأميركيين وحدهم، ها هم يديرون اللعبة باستخدام "العازل"، يديرون الكأس ويحاولون أن لا يشربوا.

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(170)    هل أعجبتك المقالة (168)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي