عن قلعة "روميلي حصار" العثمانية، والسوخوي الروسية، ومؤتمر الرياض!.. ميخائيل سعد*

تروي الأسطورة إن الرب "زيوس" مسخ محبوبته "ايبو" إلى شكل بقرة خوفا من غيرة زوجته منها، ولكن الزوجة اكتشفت سرّ "ايبو"، فسلطت عليها ذبابة لتزعجها وتمتص دمها في الربيع والصيف، فما كان من "ايبو" إلا أن هربت وعبرت هذا المضيق المائي "بسبهوروس"، والاسم بالأصل مكون من كلمتي "بوس" يعني البقرة، و"هوروس" يعني الممر، ومع مرور الزمن دمج البشر الكلمتين في كلمة واحدة، على طريقتهم في الانزياح نحو السهولة والبساطة، فأصبح "البوسفور"، أي ممر البقرة.
"البوسفور" هو مضيق يصل بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ويعتبر مع مضيق "الدردنيل" الحدود الجنوبية بين قارتي آسيا وأوروبا، يبلغ طوله 30 كم، ويتراوح عرضه بين (700 متر و3000 متر). وأضيق نقطة فيه هي المكان الذي اختاره "محمد الفاتح" كي يبني فيه "حصن روملي" أو "روملي حصار" عام 1452 للبدء في حصار القسطنينية.
كان محمد الفاتح يعرف، رغم أنه كان في بداية شبابه، أن الانتصار الحقيقي للعثمانيين لن يكون إلا إذا حقق ما عجز عنه من سبق من أسلافه، ومن سبقهم من المسلمين، بنيله لقب "الفاتح" الذي ذكره الرسول محمد في أحد أحاديثه، كما ورد في مسند أحمد بن حنبل.
كان لا بد من دخول القسطنطينية وجعلها عاصمة ملكه، يخيف بها خصومه من المسلمين، ويحطم في الوقت نفسه دفاعات العالم المسيحي، التي كان أهمها في ذلك الزمن القسطنطينية، لأنها مركز المسيحية الشرقية مع كنيستها الشهيرة "آيا صوفيا" ورمزها أولا، كما أن الطريق إلى روما يمر فيها، ولأنها على تماس مباشر مع العالم الإسلامي الناهض حديثا، خاصة بعد المحاولات الإسلامية والعثمانية المتعددة للسيطرة على القسطنطينية.
كان محمد الفاتح قد درس أسباب فشل الحملات السابقة في دخول المدينة التاريخية، وقرر الاستفادة من هذه الدروس، فعمل أولا على إرضاء خصومه المسلمين، ثم عمل على تأمين كل مستلزمات حصار المدينة وتجويعها لإضعاف مقاومتها، لذلك كان لا بد من قطع الطرق البحرية، وهي الشريان الحيوي الأساسي، التي كانت تمد المدينة بحاجتها من مختلف أنواع السلع، من البلدان الواقعة على البحر الأسود في الشمال، ومن الجنوب، من البلدان التي تصل سفنها إلى المدينة عبر بحر مرمرة، فكان أن اختار موقع "روملي حصاري"، وهو اسم قديم لقرية موجودة في المكان نفسه من الجانب الأوروبي، ويقع في الوقت نفسه مقابل قلعة "أناضول حصاري" في الجانب الآسيوي من مضيق "البوسفور".
عندما اكتمل البناء، الذي استغرق أربعة أشهر، وشارك فيه ما بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف عامل، بالإضافة إلى عشرة آلاف عامل كمساعدين.
وفي الوقت نفسه تمت إضافة بعض الملاحق إلى قلعة "أناضول حصاري"، وهكذا شكلت القلعتان فكي كماشة على الممر البحري وهيمنتا على حركة السفن فيه.
لما تم الانتهاء من أعمال إنشاء القلعة، وضعت فيها مدافع، وأربعمائة جندي مختار، وصدر أمر السلطان "بتوقيف جميع السفن المارة بالقناة وإجبارها على تحية السنجق والقيام بتفتيش السفن، وتحصيل رسم مناسب مع حمولتها، وإغراق أي سفينة لا تطيع الأوامر". ولقد تم تنفيذ هذا الأمر على الفور، وتم إغراق سفينة تابعة للبنادقة، نظراً لرفضها الامتثال للأوامر.
كان إغراق السفينة درسا، وكان السلطان محمد الفاتح قد ذكر للوفد، الذي بعثه الامبراطور البزنطي للاحتجاج على أعمال الإنشاء، أن هذا تدبير أمني، مشيراً إلى أن موقع (الحصار) ليس ملكا لبيزنطة، ولا للجنوبيين، وأنه نقطة عبور، تابعة الأتراك وحدهم، يضاف إلى ذلك، أن توفير الأمن اللازم للقناة، سوف يقضي على قراصنة "رودس" و"البندقية" و"قاتالان"، وغيرهم ممن يضر بالتجارة التركية والبيزنطية، على حد سواء، لذلك ينبغي أن يسر الامبراطور بهذا العمل.
مدفع الدردنيل
نضجت تفاحة القسطنطينية، ولم يبق صامدا إلّا القشرة الخارجية، لذلك كان لا بد من وسيلة تساعد على أكل التفاحة الناضجة.
وتم العثور على مهندس مجري يُدعى "أوربان"، كان قد فشل في إقناع قادة العالم المسيحي بتبني مشروعه حول صناعة المدافع، وكان آخرهم امبراطور القسطنطينية، فيمم وجهه شطر محمد الفاتح، الذي أكرمه ووضع تحت تصرفه كل ما يحتاجه لبناء المدفع العملاق الذي سيدك أسوار المدينة.
بنى هذا المدفع عام 1452، خصيصا لدك أسوار القسطنطنية الأسطورية، والذي عرف باسم مدفع الدردنيل، أكبر سلاح في ذلك العصر للدمار.
في 29 أيار سنة 1453 دخل السلطان الشاب محمد الثاني، ابن ال21 سنة القسطنطينية، واضعا نهاية لامبراطورية عمرها 1500 سنة، وجاعلا من المدينة عاصمة ملكه، ومطلقا عليها اسم "اسلامبول"، أي تخت الاسلام.
وقد اعتبر الكثير من الباحثين أن سقوط القسطنطينية بيد المسلمين كان خاتمة العصور الوسطى وفاتحة العصور الحديثة.
أخيرا، لا بد لي من الإشارة إلى أنني قضيت نصف نهار في "روميلي حصاري" العام الماضي، وقد التقطت عشرات الصور للقلعة، التي كان تاريخ انتهاء بنائها هو عمليا تاريخ سقوط القسطنطينية، فبها ومعها كانت قد اكتملت كل عناصر القوة للانتصار، ولم يبق اإا السير لمحاصرة أسوار المدينة. أما ما جعلني أتذكر كتابة هذا الموضوع فهو حادثة إسقاط الطائرة الروسية "سوخوي 24" التي اخترقت بكل عنجهية الأجواء التركية، وكيف رد عليها الأتراك، كما فعل جدهم محمد الفاتح مع السفينة التي لم تلتزم بأوامر قائد حامية "روميلي حصار" عام 1452، والسبب الثاني هو انعقاد مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، التي ستحاول الاتفاق فيما بينها لاختيار ممثلين عنها لمفاوضة نظام القتل الأسدي.
فقد حان الوقت، بل إنه تأخر كثيرا، لانتصار الثورة السورية، وسبب ذلك هو عدم قدرة هذه المعارضة على الاتفاق على الحد الأدنى لمعنى الوطن وتشخيص الأعداء.
فهل يكون مؤتمر الرياض بداية عصر جديد للسوريين، كما كان فتح القسطنطينية بداية العصور الحديثة؟؟؟
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية