الشرعية الدولية تجيز ولا تجيز

لم يصدق رئيس الوزراء البريطاني في تبريراته لقصف الشعب السوري أمام برلمان بلاده، إلا بجملة واحدة، وذلك عندما قال "إن الخلاف مع روسيا على مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد آخذ في التقلص". وقد قصد بذلك أن الغرب يتفهم جيداً الموقف الروسي بالإبقاء على بشار، ولم يقصد أن روسيا بدأت تتنازل عن حليفها في دمشق.
وزير الخارجية البريطاني، أعلن الحرب على الثورة السورية في الشهر التاسع من العام 2012 عندما سأله بعض الصحفيين عن معنى استمرار لندن بمنع وصول السلاح إلى الثوار، فأجاب إن بلاده مضطرة لذلك، بسبب حظر السلاح الغربي المفروض على سورية!! أي بسبب حظر السلاح الذي أقرّه هو وزملاؤه في الاتحاد الأوروبي لتمكين الأسد من القضاء على الثورة.
دون عودة لمجلس الأمن، أو أخذ موافقة أممية، ودون أي احترام لحقوق البشر، تقوم بريطانيا اليوم بالاعتداء على الشعب السوري، تحت حجة محاربة الإرهاب.
إيقاف القصف بالبراميل وتهجير المسلمين، يتطلب من الغرب اللجوء إلى "الشرعية الدولية" التي تصطدم "بحق النقض" الروسي المتفق عليه مسبقاً، ليخرج كاميرون وغيره على وسائل الإعلام ليقولوا هذه قرارات الشرعية، لا نستطيع أن نفعل شيئاً.
هل تجيز الشرعية الدولية للأسد أن يقتل السوريين، وهل تجيز لروسيا احتلال بلد مستقل وقتل شعبه، وهل تجيز هذه الشرعية لفرنسا أن ترد على هجمات وقعت في باريس بقصف الرقة، وهل تجيز لبريطانيا والإمارات والأردن والولايات المتحدة الاعتداءَ على الآمنين وقتل الأطفال بالطائرات، وتدمير البنى التحتية التي هي من حق الشعب السوري.
الجواب، وبلا شك، نعم. فالشرعية الدولية تجيز قتل المسلمين أينما وجدوا من سورية إلى بورما، وتجيز الانقلاب على الديمقراطية كما حدث مع الرئيس مرسي في مصر، و تجيز أيضاً تهجير الفلسطينيين وإغلاق المساجد، والتضييق على الإسلام، وتقييد حرية الرأي الناقدة للإجرام، وإطلاقها حال الاعتداء على رموز المسلمين ومقدساتهم.
الاعتداءات البريطانية التي بدأت اليوم ضد الشعب السوري، هي جريمة بكل المقاييس، فقد كان بمقدور الغرب لو أراد أن يوقف نمو تنظيم الدولة منذ نشأته، وكان بإمكانه أن يعالج ظهوره منذ العام 2011 من خلال إسقاط بشار. وكلنا يعلم أن الغرب سعى للحفاظ على وسيلة يستطيع من خلالها الإبقاء على الأسد لقتل المسلمين في سورية، ولو لم يكن التنظيم موجوداً لكانت جبهة النصرة هي الحجة، وإن لم تكن تلك، لاتّهم الجيش الحر بالوقوف خلف تفجيرات باريس وسوسة وكاليفورنيا، إذ لابد من إيجاد "خطر إرهابي" يسمح للغرب بدخول بلاد المسلمين.
لا بد من الإشارة إلى أن الاعتداءات البريطانية جاءت في هذا التوقيت وقبل اجتماع المعارضة السورية في الرياض، من أجل تخفيض سقف المطالب التي ينادي بها بعض المدعوين، إذ سيشار في اللقاء إلى اشتراك ألمانيا وبريطانيا في الحرب على تنظيم الدولة، وسيبلغ الحاضرون بأنه لا مصلحة لأحد بإسقاط الأسد في الوقت الحاضر، وأن على المعارضة القبول بما تتفق عليه الدول الراعية.
إن معارضة تضم الجربا والخطيب والخوجة فضلاً عن هيئة التنسيق، لن تمانع ألبتة بإطلاق نداء الحرب على الإرهاب، بل و الحفاظ على الأسد إذا أُمرت بذلك.
مرة أخرى لا حل لهذه المشكلة إلا باستمرار الثورة السورية على نهجها التي بدأت به، والتي تنادي بإسقاط الأسد وحسب، ولا توجه رصاصها لغيره.
عوض سليمان - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية