عن اللجوء والتأقلم والعنصرية والعنطزة!!.. ميخائيل سعد*

نشرت جريدة "زمان الوصل" خبرا منقولا عن "هافينغتون بوست عربي" يتحدث عن بريطانيتين تبولتا أمام عائلة سورية أثناء الصلاة في إحدى الحدائق العامة في مدينة "بلايموث" البريطانية.
وجاء في الخبر "أن محكمة بريطانية في مدينة بلايموث أطلقت سراح امرأتين، اتهمتا بالإساءة لعائلة سورية مسلمة بالتبول أمامها أثناء صلاتها في حديقة عامة، في الواقعة التي حدثت في شهر أغسطس/آب 2015، وقضت فيها المحكمة بالسجن مع وقف التنفيذ. ووصف قاضي محكمة بلايموث البريطانية فعل المرأتين بـ"المقرف" وحكم عليهن بالسجن مع وقف التنفيذ".
يأتي هذا الخبر في الوقت الذي يتم فيه توجيه عشرات الاتهامات والتهديدات للمسلمين والعرب من السويد شمالا حتى استراليا جنوبا، مرورا بكل أوروبا وشمال أمريكا.
ولن يكون آخرها شريط الفيديو الذي نشره أحد الشباب الكنديين على الإنترنيت، يهدد فيه بقتل عربي كل يوم.
صحيح أن الشرطة ألقت القبض عليه، ولكن التهديد حصل وترك أثرا ليس من السهل إزالته.
كان لمجزرة باريس البشعة 13-11-2015 ، التي أسفرت عن موت 130 فرنسيا وجرح المئات، والتي أُريد لها، إعلاميا، أن تسم جميع العرب والمسلمين بالإرهاب والقتل، الأثر الكبير في تحريض الغربيين عامة، والأوروبيين خاصة، ضد كل ها هو عربي ومسلم، وبالنتيجة كل ما هو سوري في أوروبا، خاصة وأن موجات اللجوء الكبرى كانت قد بدأت في إثارة قلقهم لأسباب متعددة.
وهكذا أصبح كل رمز سواء كان دينيا أو عرقيا أو حتى ثقافيا، يشير إلى العرب والمسلمين، موضع استهجان وكره، ورؤيته تستدعي فورا موقفا معاديا.
عودة للخبر الذي نشرته "زمان الوصل"، نقرأ في ثناياه أن أحد البريطانيين حاول الدفاع عن الأسرة السورية التي كانت تؤدي الصلاة في الحديقة، فدفعته إحدى المرأتين من صدره.
ونقرأ فيه حكم قاضي محكمة "بلايموث" البريطانية، الذي وصف فعل المرأتين بـ"المقرف"، وحكم عليهما بالسجن مع وقف التنفيذ.
ووجهت المحكمة للمرأتين تهمتي "التهديد الديني والإساءة" في 16 أغسطس/آب الماضي.
لن أعلق على سلوك البريطانيتين، الذي وصفه القاضي بـ"المقرف"، مع حكم "التهديد الديني والإساءة"، والذي سيبقى في ملفهما الشخصي طوال عمرهما.
ومن يعش في الغرب يعرف معنى وأثر ذلك عليهما، ولكن النتيجة الأهم برأيي هي انتصار القضاء البريطاني من خلال تكريسه قيم العدالة والمساواة بين الناس بغض النظر عن أصولهم وأديانهم ومعتقداتهم.
لا بدّ من طرح بعض التساؤلات عن سلوك هذه العائلة السورية المسلمة، التي أرادت أداء فريضة الصلاة في حديقة عامة، وأول الأسئلة هو:
1- هل كان سلوك العائلة امتدادا لسلوكها في سوريا؟ يعني هل كانت العائلة المكونة من أربعة أفراد (زوج وزوجة وطفلان 8 و10 سنوات) تصلي في الحدائق العامة عندما كان يحين موعد الصلاة، وهي بالتالي تتابع سلوكا اعتادت عليه في سوريا.
2- هل كانت العائلة، بسلوكها هذا، تعبر عن شكرها لله الذي أوصلهم سالمين إلى بريطانيا؟ وإذا كان الأمر كذلك، ألم يكن من الممكن شكر الله والصلاة في البيت؟
3- هل كانت العائلة تريد أن تلفت انتباه البريطانيين إلى أنهم مختلفون عنهم، وأن دينهم يطلب منهم الصلاة في أي مكان يكونون فيه، في موعد الصلاة، بغض النظر عن شروط المكان وصلاحيته للتواصل مع الله؟
4- هل كان الهدف من الصلاة في حديقة عامة هو استفزاز المجتمع المحيط بهم، وهو ما حدث فعلا، والذي هو في الأصل مُستفز ضد كل ما هو سوري ومسلم؟
هناك عشرات الأسئلة وأكثر من عشرات التفسيرات والتبريرات لكل سلوك إنساني.
ولكن ما يجب الإشارة إليه وتكراره مرات ومرات، أن اللاجىء السوري بحاجة لمكان يـؤويه مع عائلته وأطفاله، بحاجة لمدرسة ومستشفى وتدفئة وطعام. وهو بحاجة لمن يتضامن معه في محنته ومحنة بلده، لا أن يشفق عليه ويرمي له الطعام والثياب كي لا يموت جوعا وبردا.
لكل ذلك، يجب علينا فعل كل ما يسهّل ويسرّع تأقلمنا مع المجتمعات التي أتينا إليها هربا من الموت والاستبداد والفقر والبرد والجوع.
في النهاية أود أن أروي قصة حدثت معي شخصيا أثناء السنوات الأولى من "مراهقتي" في اللجوء إلى كندا، وكان عمري 43 سنة.
كنت في مدينتي "حمص" شخصا معروفا لأسباب متعددة سياسية وثقافية واجتماعية. وكنت في كل يوم أوجّه التحية، وأردها، إلى عشرات الأشخاص في الشوارع والمكاتب الخاصة والحكومية والمقاهي.
فجأة وجدت نفسي لاجئا سياسيا في كندا، لا أعرف أحدا ولا أحد يعرفني، ولا أقصد بعض السوريين والعرب الذين تعرفت عليهم، ولكن أقصد المجتمع الكبير، الذي لا أتقن لغته، ولم أستطع التعرف على ثقافتة وعاداته وكيفية ممارسة السياسة فيه، حتى أنني لم أكن أعرف رموز الغزل بين المرأة والشاب، إلا ما هو في ذهني، من أحكام مسبقة، عن نساء الغرب وسهولة النوم معهم. اكتشفت أنني مجرد رقم في سجلات الحكومة، مما جعلني متوتر الأعصاب دائما.
أحد الأيام قررت أن أصحح الخطأ بخطأ، وأن أكون محط أنظار الناس وملفتا لانتباههم، فارتديت ثياب فلاح جبلي سوري؛ يشبه الصورة التقليدية للفلاح اللبناني، وذهبت إلى أحد أهم الشوارع في مركز مدينة "مونتريال"، حيث أمضيت أكثر من ساعة في السير، مستمتعا بنظرات الناس وفضولهم، وربما أسئلتهم لأنفسهم: من هذا؟
أرضيت غروري لمرة وعدت إلى بيتي لأرتدي ثيابي العادية، ففي هذه الثياب لا أستطيع العمل ولا التأقلم ولا الإنتاج، وقد أكون صورة للفرجة والسخرية أحيانا، لا أكثر ولا أقل، وأن تميزي هذا لن يساعدني في التعلم والعمل والاندماج في المجتمع.
في الخاتمة أريد أن أقدم نصيحة من لاجئ ومهاجر قديم إلى اللاجئين السوريين حديثي العيش في الغرب: للتأقلم مع المجتمع الجديد نحتاج إلى الحب وليس إلى العنطزة!!!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية