أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كرامي إلى دمشق للقاء الأسد... والحريري إلى البقاع

سوريا ضغطت لانجاز المصالحة وكذلك فرنجيّة وحزب اللّه

الابتهاج الذي ساد وجوه الطرابلسيين على ضوء ما أعلن أول من أمس من مصالحة، كان مرده محاولة التصديق أن شبح الاقتتال الطائفي قد أبعد، وهم يراقبون آلية عمل الجيش وقوى الأمن لمنع أي مواجهات مقبلة، ويتندّر أبناء المدينة بأسئلة عن «قبضايات» كانوا حتى الأمس القريب قادة مجموعات مسلّحة انتشرت في باب التبانة ومناطق أخرى ولكل واحد منهم حكاية عن أصله وفصله ومموّله ومسلّحه، ولكن السؤال هو: من يسرّح هؤلاء، ومن يدفع «دية» القتلى الذين سقطوا ، إلى جانب مسح الأضرار التي لحقت بنحو ثلاثين ألف فرد في المدينة، جرّاء عمليات إطلاق النار والنهب والحرق.


وبينما كان الحديث يدور عن برنامج معدّ لقوات الجيش وقوى الأمن للإمساك بالوضع، أشيع أمس أنه أُبلغ عدد كبير من القوى والمجموعات المسلحة، بأن الجيش سوف يتسلح بوثيقة المصالحة لأجل القيام بعمل حاد مع كل من يعود إلى استخدام السلاح، بما في ذلك المداهمة والاعتقال ونزع السلاح بالقوة، فيما يفترض بالمفاتيح الانتخابية للأطراف كافة أن تباشر جولة تهدف إلى ضمان انسحاب جميع المسلحين ليلاً ونهاراً، وإلى إبلاغ الجميع بأنه لا حماية لأحد، وهو الأمر الذي يظلّ محل اختبار، وخصوصاً أن بعض المجموعات السياسية والدينية أظهرت عدم رضاها عن التفاهم

إلا أن الأسئلة الأخرى ذات المغزى البعيد المدى، هي المتصلة بأبعاد الضغوط الكبيرة التي مورست من أجل تحقيق هذه المصالحة، وخصوصاً أنه تبيّن أن جميع الأطراف الداخلية والإقلمية أدّت دوراً كبيراً في تحقيق ما حصل.

فكان رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس نبيه بري على تواصل مع جميع الفرقاء ولو لم يُعلن ذلك. وكانا يحثان الجميع على اغتنام الفرصة وتحقيق التفاهم وإسقاط العنصر الأمني من الخلاف القائم، ولا سيما أن سوريا يبدو أنها قامت بدور مباشر في الحث على عقد المصالحة، وهي تستقبل اليوم أو غداً الرئيس عمر كرامي العائد من رحلتين إلى القاهرة وطهران، وهو الذي أدّى دوراً محورياً في إنجاز مصالحة.


ومن الخارج، تبيّن أن سوريا حثّت أصدقاء لها، بينهم الحزب العربي الديموقراطي، على المضي بالتفاهم في أسرع ما يمكن، وهي النصيحة التي وجّهها الوزير السابق سليمان فرنجية وحزب الله إلى الفريق نفسه، فيما كان المصريون على السمع وكذلك عواصم عربية وغربية «طلبت من سعد الحريري عدم العودة إلى بيروت من دون تحقيق المصالحة».

وذكرت هذه القيادات أن المؤشرات الانتخابية وعلى وقع ما حصل في طرابلس خلال اليومين الماضيين، تفتح الباب أمام ائتلاف ممكن ولو من دون اجتماع، لضمان تركيبة طرابلسية للمقاعد الخمسة عن السنة، بحيث يتمثل تيار المستقبل بنائب والرئيس كرامي بنائب والرئيس ميقاتي بنائب والوزير الصفدي بنائب، فيما ستكون هناك معركة على المقعد الخامس، الأمر الذي يجعل الحريري وتيار المستقبل في موقع المحرج، ولا سيما أن الحريري كان قد وعد الجماعة الإسلامية بمقعد نيابي شمالاً إلا إذا تنازل لها عن أحد مقاعد عكار، فيما ستكون هناك مشكلة مع النائب محمد كبارة الذي بدأ رحلة تمايز واسعة عن الوزير الصفدي، إلى جانب المجموعات السلفية التي وعدت بدور أكبر مقابل ما تقوم به أخيراً.


ويبدي الرعاة من المنطقة لفريق الأكثرية خشية من أن تعثر مهمة كهذه سوف يؤدي إلى انفجار داخل فريق الأكثرية نفسه، وإلى معركة قد تهدّد نفوذ «المستقبل» في الشمال، ولا سيما أن استطلاعات الرأي الحديثة أظهرت وجود إمكانية كبيرة لتحالف خصوم الحريري في المدينة ليفوز بكل المقاعد أو بأغلبها، وهو الأمر الذي يهدّد قوة الأكثرية في كل لبنان. وإذا كانت بعض العواصم العربية لا تهتم لإبعاد الاسلاميين عن التركيبة الانتخابية، فإن الحريري، بحسب سياسي طرابلسي بارز، «يبدي خشية كبيرة من خطوة كهذه لأنه يخشى خسارة قسم كبير من قاعدته وبالتالي سيخسر أهم أدوات التعبئة المذهبية والسياسية».

على ان خسارة تيار «المستقبل» سوف تظل العنصر الابرز، خصوصا وان ما ناله في طرابلس ضاعف من ازمته بعد خسارته بيروت، سيما وان انصار الحريري في المدينة ينقلون عنه : آلموني في بيروت، سأؤلمهم في طرابلس.


بعد جولة التحدي، تسأل اليوم عن تيار المستقبل في طرابلس، فيأتيك الجواب مقارنة بين زيارة الحريري للمدينة عامي 2005 و2008:
قبل ثلاث سنوات كان مجرد إلقاء نظرة على الحريري في فندق «كواليتي إن» يتطلب لا من المواطن العادي فحسب بل من رئيس البلدية، وكبار المستثمرين، والمرشحين للانتخابات، ساعات من الانتظار في الزحمة على طول الطرق من كل منافذ العاصمة الثانية.

يومها، كان على كل المعنيين بالشأن العام أن يدوروا في فلكه، وقد شمل استعلاؤه الحلفاء قبل الخصوم، وكان خطابه العلني والسري جارحاً على المستويات الشخصيّة والطائفيّة والمذهبيّة. وسعى لـ«تعبئة» كل من يلتقيهم، سواء من السياسيين أو رجال الدين أو «قبضايات الأحياء».
أما في نهاية الأسبوع الماضي، فلم يسعَ أحد للقاء الزعيم المفترض، ولم ترفع اللافتات المرحبة ولا الصور المعظّمة إلا بعد تدخل «ابن البلد» الذي نشر في المدينة قرابة مئتي لافتة، دلت هوية رافعيها على هوية «ابن البلد» الأمنيّة.

 أسقط الحريري استعلاءه وظهر ودوداً، يذهب إلى منزل كرامي في الضنيّة دون المرور بوزيره السابق أحمد فتفت، ويلتقي الناس في دار الفتوى لا في غرفة فندقه، ويتودّد إلى الوزير محمد الصفدي الذي هوجم بعنف في زيارة الحريري السابقة.

والأهم من هذا كله، خطاب الحريري المعتدل، فوق الطاولة وتحتها.


أما سياسياً، فكان لمحاولة إيلامه من آلموه ارتدادات سلبيّة كثيرة بعضها محلي في مجتمعات لا تتآلف مع المظاهر السلفيّة الجهادية، وبعضها دولي عند عواصم عربية تعرف أن صعود الإسلاميين في دولة عربية سيعزز حضورهم في دولة أخرى، وعواصم أوروبيّة تخشى الأصوليّة بكل أشكالها، وعند واشنطن التي اتّعظت ربما من درس الطالبان، واختبرت كيف انقضّوا عليها قبل الانقضاض على الروس.


كل ذلك، والمعطيات الميدانية ترد إلى الحريري يومياً لتؤكد أن الشارع يُخطف من حضن المستقبل، مع الأخذ بالاعتبار أن أغلبية الرأي العام السني لا تحبذ الحروب، والتعبئة المستقبلية تركزت في طرابلس حيث لا يوجد «شيعة يفترض قتالهم». من هنا، إن استمرار التشنّج الأمني كان سيقضي على تيار المستقبل وحلفائه المسيحيين خصوصاً. وهكذا كان مد يدهم لكسر أحاديّتهم خطوة استلحاقيّة لا بد منها. والمشهد، يومي الأحد والاثنين لم يكن من إخراج الحريري. بل هو قرار عربي كان الحريري أحد الملتزمين تطبيقه.


تبقى ثلاثة أسئلة تشغل المدينة:
1- هل بدأ مفتي طرابلس مالك الشعار يعدّ العدة للانتقال قريباً إلى بيروت بصفته مفتياً للجمهورية اللبنانية بعد تقديمه نموذجاً عن رجل الدين القادر على التواصل بثقة مع كل الأطراف، فيما غيره تسرّع في اعتبار نفسه لفريق دون آخر؟
2- هل يعني الاعتراف بالنائب السابق علي عيد ممثلاً أوحد للعلويين، حجزه مقعد طرابلس العلوي في أية لائحة توافقيّة محتملة؟
3- كيف سيسترجع الحريري تأييد الرأي العام، بعدما برد دم الوالد، وبهتت المطالبة بالحقيقة، وسقطت ورقة التعبئة المذهبيّة؟

وقد تواصلت المواقف من وثيقة المصالحة في طرابلس بين مرحب ومشكك ومتحفظ، فقد شكك النائب أسامة سعد في جدية المصالحة في الشمال، معتبراً أن «اللقاءات والاتصالات التي تجري في طرابلس على أهميتها إنما تحمل قدراً كبيراً من التزييف للحقائق ولا تبعث على الاطمئنان الكامل». وأضاف: «إن استمرار الخطاب التحريضي المذهبي سيجعل من هذه الخطوات غير ذات جدوى»، بينما رأى الوزير السابق عبد الرحيم مراد أن «المصالحات في طرابلس منقوصة دون أن تستكمل في بقية الشمال»، متمنياً «ألا تكون هذه المصالحات شكلية في المضمون».


ورحّب رئيس بلدية صيدا عبد الرحمن البزري بالمصالحة الشمالية إلا أنه أكد أن «هذه المصالحات على أهميتها، وإن بدت عشائرية وقبلية وتعود ربما إلى القرن التاسع عشر في أسلوبها، الا أنها لا تنفي أن الدولة بعيدة عن العديد من المناطق، وأن من يجب أن يقوم بالخدمات الحقيقة وبالسلم الأهلي والاجتماعي هو الدولة اللبنانية».


وأشار العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله إلى «أن سعي أي فريق في المصالحة يرتب عليه مسؤوليات كبيرة وخصوصاً على مستوى الخطاب، لأننا نريد لأي خطاب سياسي في المستقبل أن يبتعد عن التشنّج وعن الترويج للفتنة والتقاتل، وأن يفتح الآفاق لخطوات تصالحية أوسع».
ورأى النائب نبيل نقولا أن «وجود النائب سعد الحريري يعني أن «المستقبل» كان فريقاً من المتنازعين في طرابلس لأن المصالحة تتم بين أفرقاء النزاع».


وعصر أمس زار الحريري البطريرك الماروني نصر الله صفير في بكركي، لـ«أخذ البركة» على مصالحة طرابلس.

 وقال بعد اللقاء: «المصالحة في الشمال ستمر بمراحل عدة، بدءاً من دفع التعويضات وكل ما يجب على الدولة أن تدفعه، بالنسبة إلى جبل محسن وباب التبانة والقبة.

 كذلك هناك أضرار قديمة يجب التعويض على أصحابها في باب التبانة ونحن كذلك كسياسيين سنسعى أيضاً للمساعدة ونضع إمكاناتنا في تصرف الدولة».

وعن حادث أبي سمرا الذي وقع امس قال «أعتقد أنه فردي بين شخصين والقوى الأمنية سارعت لمعالجته».

وعن لقائه بالأمين العام لحزب الله قال: «كل شيء في وقته، وأبواب قريطم لم تكن في أي يوم من الأيام مغلقة أمام أحد، نحن لسنا ضد أي لقاء وخاصة مع السيد حسن نصر الله».

وكانت طرابلس قد شهدت امس حادثاً أمنياً له خلفية متصلة بما مرت به المدينة سابقاً، ولم يكن ليشكل انتكاسة للمصالحة، إذ حصل تبادل محدود لإطلاق النار عصراً في ساحة المولوي بين القيادي العسكري في «المستقبل» عبد الهادي حسون والمحامي أسامة شعبان، شقيق الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي الشيخ بلال شعبان، من دون وقوع أي إصابات. واتهم شعبان، الذي أصيبت سيارته بأربع رصاصات من الخلف، حسون بمحاولة اغتياله.

حيّا النائب وليد جنبلاط النائب الحريري على «جولته الشمالية التي قام بها من أجل السلم الأهلي»، واصفًا إياه بـ«الأصيل»، مشجعاً لقاءه بالسيد حسن نصر الله.


وانتقد جنبلاط، كلام النائبة غنوة جلول عن بيروت، واصفاً إياه بـ«الضيق الأفق».

 وأضاف: «صدّق أو لا تصدّق. سمعنا كلاماً أمس يقول: بيروت لأهلها ولناسها الحريصين عليها وعلى هويتها وأملاكها»، معتبراً أن هذا الكلام «يعني بيعوا أملاككم في بيروت، لأن الكرام فيها يريدون أن يعيشوا. فما هذا الكلام؟».


وقال: «أفضل طريقة كي نعلم من نحن، من هو الذي يحق له ان يكون من بيروت، ومن لا يحق له ان يكون من بيروت، ان نذهب إلى الأمن الداخلي، لماذا الأمن الداخلي؟ لأنه في الأمن الداخلي اشتروا بالأمس القريب مختبراً هائلاً ومعقّداً في التقنية، اشتروه من احدى الجامعات المشهورة والعالية في التقدم بمبلغ 6 ملايين دولار، «اسمعوني ولا تصدقوني»، فلنذهب إلى هذا المختبر ونفحص أنفسنا D.N.A، اذا كنا بيروتيين أو غير بيروتيين. هذا الكلام مع الأسف أتى من نائب، وكأن هذا النائب أتانا من كوكب «زحل».

صحف - زمان الوصل
(96)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي