مع انطلاق أول قذيفة صوب سوريا، سينطلق كل سوري ليكون استشهادياً على أرض أوروبا، أقولها لكل أوروبا وأمريكا: سنعد استشهاديين، هم الآن عندكم.
إن الاستشهاديين الذي سيضربون قلب بلادكم، لن يكونوا عرباً فحسب، بل سيكونون من "الصادقين الجدد".
هذه تصريحات مفتي الأسد، بدر الدين حسون في بداية الثورة، والتي بدا لنا أن فرنسا لم تعرها أي اهتمام عن قصد واضح. بل لقد أثار استغرابنا وقتها كيف أن دول الاتحاد الأوروبي لم تضع المفتي على قائمة الإرهاب.
كان المحللون السياسيون السوريون أول من حذر فرنسا من خطورة التخلي عن الشعب السوري لمصلحة بشار الأسد. وقلنا لهم إن حليف ساركوزي السابق مجرم خطر على الإنسانية كلها. إلا أن باريس لم تفعل شيئاً ملموساً لمساعدة الثورة السورية، بل ذهبت كقريناتها في الغرب للتفرج على الشاشات وهي تعرض قصص اغتصاب الناس وسمل عيون الأطفال.
بل فقد أشارت بعض الصحف إلى أن العمل الاستخباراتي بين فرنسا وبشار الأسد لم يتوقف خلال الثورة، وكشفت معلومات دقيقة عن تقديم شركة كوسموس الفرنسية مجسات إلكترونية للأسد كي يتجسس بها على معارضي الرأي ويزج بهم في السجون، ويعرضهم لأشد أنواع التعذيب. لن نناقش في هذا المادة كيف يستطيع الشبيحة استخدام صواريخ ميلان الفرنسية ضد أطفال سورية، ولكننا نريد على الأقل أن نذكر أن فرنسا بالذات تعتبر نفسها رمزاً للدفاع عن حقوق الإنسان في الحرية والعدل والمساواة.
كان على باريس أن ترد على ضربات تنظيم الدولة الإسلامية بإسقاط الأسد، لو كانت صادقة بالفعل بحل القضية من جذورها ومحاصرة التطرف كما تدعي، إلا أن الرئيس هولاند سار على خطى جورج بوش عندما أعلن الحرب على أفغانستان والعراق وعلى المسلمين أجمع بسبب هجمات القاعدة، وكانت النتيجة نشوء تنظيم الدولة وتمدد فكر القاعدة بدل انحساره.
كان على الرئيس الفرنسي أن يسأل نفسه، متى نشأ تنظيم الدولة ولماذا وكيف، وعليه أن يعرف كيف استمر وتمدد.
اعتبر هولاند على الطريقة البوشية أن هجمات باريس حرباً، وأن عليه أن يعالج الموضوع بالاشتراك مع روسيا وبشار الأسد في قصف سورية، وهو يعلم تماماً أنه لن ينتصر على تنظيم الدولة مطلقاً، وأنه مع كل طلعة جوية فوق الأراضي السورية، سيكسب التنظيم مؤيدين جدد، ومع كل قذيفة تسقط فوق الرقة فتقتل مدنياً بريئاً، سيتمدد تنظم الدولة وتزداد عزيمته، ناهيك عن ازدياد مهارة عناصره القتالية مع كل هجوم يتعرض له.
يؤسفني أن أقول أن فرنسا والغرب عموماً استثمروا اعتداءات باريس استثماراً مُشينا، فبدل أن يتفقوا في فيينا على إسقاط الأسد، ذهب المجتمعون لتحويل الحرب باتجاه الإرهاب بدل بشار الذي لا يزال الصديق الأوفى للمجتمع الدولي.و الذي ضرب ضواحي العاصمة الفرنسية لمجرد دعم ساركوزي ضد شيراك في العام 2005.
يتكلم كثيرعن استثمار المجتمع الدولي لضربات باريس لتعويم الأسد، والاتحاد مع روسيا وأمريكا في طحن الشعب السوري وتمزيق مدنه، وكأن الغرب كله كان ينتظر تلك الهجمات، ليعلن عن تغيير دفة سفينتة لمصلحة الأسد، ذلك التغيير الذي بدأ بالفعل منذ وقت طويل.
على الرئيس الفرنسي والحكومات الغربية بالعموم، أن يعلموا أن لديهم بعض الحلول المتقنة لمواجهة الإرهاب، أولها الاتفاق على إسقاط الأسد، والكف عن قصف الشعب السوري وقتل المدنيين، فما رآه أهل باريس في ليلة واحدة، يراه السوريون كل ليلة منذ خمس سنوات.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية