**واثق من أن السوريين سوف يجدون مكانهم في أوروبا، وسيساهمون في التنمية، لكن هذا لن يكون سهلا.
**التأثيرات المتبادلة لا مفر منها، وهي نتيجة العلاقات الإنسانية، وربما تكون الوسيلة كي يحترم بعضنا البعض.
**يبدو أن العديد من أعضاء الاتحاد الأوروبي يريدون بقاء الاتحاد قوة هامشية، ويتقلبونه "بكل سرور".
حط الباحث والفنان الإيطالي " ماتيا كامبو دالورتو" رحاله في تركيا، منهياً جولة واسعة لجمع المزيد من الشهادات والمعلومات حول أزمة اللاجئين، التي رأى انعكاساتها تلوح واضحة في الأفق الأوروبي، وتلقي بظلال تأثيراتها المختلفة على القارة.
التقيناه في اسطنبول وتحدثنا مطولا، ولمسنا لديه تعطشا لمعرفة المزيد والمزيد عن أسباب "الصراع" الناشب في سوريا، كونه يساعده في مهمة إعداد المتطوعين وتأهيلهم للتعاطي مع اللاجئين القادمين من هذا البلد، بعدما عاين هذا الباحث والمتطوع تدهورا ملموسا في احترام حقوق الإنسان أثناء الأزمة.. فإلى الحوار:
1. هلا قدمت نفسك لقراء "زمان الوصل"؟
أنا "ماتيا كامبو دالورتو"، مثقف وفنان وباحث إيطالي مستقل، وناشط في العمل التطوعي منذ نحو 18 سنة، وتحديدا منذ عام 1997.
بدأت العمل مع اللاجئين في عام 2010، عبر إقامة ورش عمل إبداعية لطالبي اللجوء، ولدي تركيز خاص على المتطرفين الذي يحملون ميولا معادية للأجانب، ولهذا السبب أولي اهتماما بما يسمى التنظيم الذاتي للمواطنين لمواجهة المشكلات الاجتماعية المتعلقة بقضايا الهجرة.
وانطلاقا من إيطاليا، أعمل حاليا على مشروع لمنع التمييز ضد المتطوعين في مجال مساعدة المهاجرين، وقد سافرت مؤخرا عبر صربيا، ومقدونيا (يوغوسلافيا السابقة)، ثم اليونان وبلغاريا فتركيا؛ لدراسة واكتشاف المزيد حول هذه الموضوعات.
2. ما هو تقييمك للوضع اللاجئ العام، وخاصة السوريين؟
أرى أن الأمور تتطور وتتعقد بسرعة فيما يتم تداول معلومات مشوشة، إما ناقصة أو مضللة. ولهذا السبب لدي اهتمام شديد بمعرفة المزيد من جهة وإيضاح أبعاد ظاهرة اللجوء للآخرين من جهة أخرى.
للأسف، من خلال ما أتابع من أخبار وتطورات، لدي شك كبير بنهاية قريبة للصراع في سوريا، وهذا يعني المزيد من المعاناة للشعب السوري، كما يزيد استيائي.
3. ما هو دور الحكومة الإيطالية في مواجهة أزمة اللاجئين، وهل ترى أنه يتناسب مع حجم الأزمة من جهة، ومعايير الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى؟
أظهرت أزمة اللاجئين المتصاعدة ضعف إيطاليا وجميع دول الاتحاد الأوروبي، وعجزهم عن وضع خطة مشتركة فعالة لإدارة الوضع. فالمقاربات السياسية الفجة، وعدم وجود استراتيجية منسقة أو مبادرات وطنية موحدة، كلها جعلت الاتحاد الأوروبي يظهر غير مؤهل أو مستعد للتعامل مع هذه الأزمة، ويبدو أن أنه ما زال غير مستعد لحد الآن، رغم أن القدرة على التنبؤ بهذه الكارثة كانت متاحة.
لقد تدهور احترام معايير حقوق الإنسان أثناء الأزمة، وظهر أن العديد من القادة السياسيين ومعهم جزء من المجتمع المدني، ما زالوا يبدون التساهل تجاه نظام مساعدة اللاجئين المخزي وغير الفعال الذي يتم اتباعه.
وأنا أعتقد أن الرد العملي على ذلك، الذي يضمن احترام حقوق اللاجئين، إنما يكمن في جرأة القادة السياسيين على اتخاذ قرارات سياسية "غير شعبية"، وعلى القادة أن يكونوا مستعدين لمواجهة ردود الفعل السلبية تجاه تلك القرارات، عليهم أن يكونوا شجعانا وربما شجعانا زيادة عن اللزوم.
ما يجعل هذا المواقف السياسية محرجة ومحيرة أكثر، هو سلوك الاتحاد الأوروبي الباهت تجاه الصراعات الدموية كما هو الحال في سوريا. وهذا يقود إلى افتراض مفاده وجود إرادة للحفاظ على الاتحاد الأوروبي كقوة هامشية، وهو ما يبدو أن العديد من أعضاء الاتحاد الأوروبي يتقبلونه "بكل سرور".
4. إلى أي مدى تلعب المنظمات غير الربحية والمبادرات التطوعية دورا في التخفيف من آثار أزمة اللاجئين؟
تبادر الحكومات غالبا للعمل (أو محاولة العمل) في حالات الطوارئ، لكن بطء عمليات التحليل واقتراح مخارج للمشكلات، يُظهر ردود الفعل الرسمية بطيئة جدا، وغير كافية، أي إنها بعيدة عن تلبية الاحتياجات الحقيقية والراهنة، فيما تبرز المجتمعات المحلية بصورة أسرع وأنشط في مجال دعم اللاجئين، وهذا ينطبق على جميع الدول التي زرتها واستطلعت أوضاع اللاجئين فيها، حيث تبين لي أن هذه المجتمعات تمثل العمود الفقري لنظام مساعدة اللاجئين.
وإذا ما قرر المتطوعون التراجع إلى الوراء أو التوقف، فإن نظام المساعدة سينهار على الفور، ولهذا فإن ما يقدمه المتطوعون أمر ضروري.
إن الشعور المشترك بالتضامن والصداقة هي رسالة الإخاء المرجوة، وعلى المتطوعين أن يكونوا فخورين بما يقدمون، حتى ولو كانت نتائج أعمالهم محبطة وجهودهم مرهقة.
شخصيا، التقيت بأناس كالذهب ومن خلفيات وأطياف مختلفة للغاية، وكلهم لديهم استعداد للعمل الطوعي بمنتهى الشغف والإنسانية.
إن المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية تمثلان في الغالب الأرضية الطبيعية للعمل التطوعي، وهذه المنظمات توفر وسيلة جيدة للتنسيق، ووضع الرؤى والتأثير على المؤسسات الحكومية.
5. بصراحة، كيف ينظر الايطاليون إلى الأزمة السورية بشكل عام، وإلى قضية اللاجئين السوريين خصوصا؟
يتأثر الرأي العام الإيطالي بشدة بوسائل الإعلام. باستثناء فئة المهنيين أو النشطاء، وعلى وجه العموم، ما يزال الصراع السوري قضية حاضرة في جدول وسائل الإعلام الإيطالية. لكن القادة والمواطنين في بلادي أكثر اهتماما بوجود اللاجئين على الأراضي الإيطالية.
عموما، ينظر الإيطاليون إلى السوريين بوصفهم أشخاصا أقرب إلى النماذج الغربية، عطفا على المستوى التعليمي العالي للسوريين، والقريب من المستوى الأوروبي، وهذا ما يدفع المتطوعين للتعاطي بوعي مع اللاجئين القادمين من سوريا.

6. في جميع أنحاء أوروبا، غالبا ما يكون هناك إصرار على توظيف قضية اللاجئين في المنافسة الحزبية والسياسية، فما هي صورة هذا التوظيف في إيطاليا؟
كما قلت من قبل، يجب على القادة اتخاذ قرارات غير شعبية تفتح الباب لحل أزمة اللاجئين. يجب أن يتم تقاسم الموارد الأوروبية وكذلك حقوق الإنسان، ربما هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق التوازن ومنع المزيد من المشاكل. وهذا، بطبيعة الحال، قد يؤدي إلى أمر "غير مرغوب"، ذلك أن الفوائد طويلة الأمد ترتبط بتضحيات عاجلة، ومن الواضح، أن القادة السياسيين مذعورون من خسائر فورية قد تتبدى في صناديق التصويت.
وعلاوة على ذلك، فإن المتطرفين من جماعات معاداة الأجانب لديهم فرصة لكسب الإجماع ورأي الأغلبية، عبر نشر الأخبار المشوشة أو المرعبة، واستغلال المناقشات السياسية ومن هنا بات العديد من مواطني الاتحاد الأوروبي يتسامحون مع موجة جديدة من الأيديولوجيات المتطرفة.
7. هل من قبيل المصادفة البحتة أن يكون مناهضو اللجوء هم أنفسهم أنصار بشار الأسد؟
مناهضو اللاجئين في إيطاليا وأوروبا يحلمون عقيدة قومية، وبشار الأسد ليس من ضمن حساباتهم ولا اهتماماتهم.
عادة، ليس لدى مناهضي اللاجئين إدراك وإلمام بالصراعات الجارية في بلدان أخرى، ولا يستطيعون تصور مستوى العنف والخطر والمعاناة.
وغالبا ما يتم استخدام مناهضي اللاجئين من قبل الجماعات المتطرفة، تحت غطاء الدفاع عن المصالح الوطنية، حيث يستثمر المتطرفون مخاوف هؤلاء لحضهم على تنفيذ أعمال عدوانية أو فرض ضغوط سياسية.
8. هل تعتقد أن قضية اللجوء السوري ستحل من تلقاء نفسها، بمجرد توقف الحرب في سوريا؟
الصراع الحالي لم يعد "شأنا سورياً"، إذ يشارك عدد كبير من اللاعبين في هذه اللعبة القذرة التي تحرم الشعب السوري من حل مشكلته بنفسه. أنا لا أريد أن أبدو متشائما، ولكني شخصيا أعتقد أن السلام في سوريا ما يزال بعيد المنال. وحتى تصبح سوريا مكانا آمنا تحترم فيه الحقوق المدنية، فإن على أوروبا الاستعداد للتعاطي مع قضية اللاجئين على أنها أزمة طويلة الأمد.
أنا واثق من أن السوريين سوف يجدون مكانهم في أوروبا، وسيساهمون في التنمية الثقافية والاقتصادية للقارة، لكن هذا لن يكون سهلا، خاصة في مواجهة الأوروبيين غير القادرين على قبول التغييرات.
9. من وجهة نظرك كباحث وناشط في شؤون اللاجئين، هل ترى أن مطالب الاندماج تتناقض مع حرص اللاجئين على حفظ الهوية الثقافية المميزة لهم؟
الثقافات تتطور عندما ينتقل الناس.. يتحاربون ويلتقون أو يعيشون معا. هذا هو التحدي بالنسبة للأوروبيين، وهو أيضا تحدي الباحثين عن اللجوء في الاتحاد الأوروبي.
أعتقد أن أزمة اللجوء الحالية، تمثل مرحلة جديدة على عدة مستويات: المعتقدات الدينية، العادات والتقاليد، الهويات الوطنية (أو دون الوطنية). التأثيرات المتبادلة لا مفر منها، وهذه هي نتيجة العلاقات الإنسانية، وربما تكون الوسيلة كي يحترم بعضنا البعض.
إيثار عبدالحق - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية