رغم ما يثير الشهية على الكتابة، من وصول نيران الإرهاب إلى باريس، واحتمال تعدي سفك دم الأبرياء الحدود الأوروبية باتجاه واشنطن، ودور الصمت الدولي عن جرائم الأسد الابن، لتحل لعنة السوريين المقتولين بكل أنواع الأسلحة وطرائق القتل، على العالم بأسره.
وعلى أهمية جولة "فيينا" التي انطلقت أمس، وما رشح عن "سداسية" التوافق بين الائتلاف والمعارضة على الأرض، لئلا تباع قضية السوريين على موائد الداعمين وتقتستم كعكة الخراب وفق توازنات القوى والمصالح.
آثرت إراحة نفسي والقارئ، من أوجاع الدم لجهة باريس وتبدلات المواقف بليالي الذل في "فيينا"، لآتي على ما يشبه الدعابة التي أطلقها مسؤول أسدي من الدرجة الثالثة، والتي تدلل ربما بما لا يقبل التشكيك، عن ذهنية متأصلة، لا ينفع معها الحل السياسي ولا تقاسم السلطة..ولا خلاص للسوريين مهما بلغت فاتورة الدم، سوى اقتلاع هذه العصابة بالمتجذرة، ومن شروشها.
بداية القول: "لايمكننا لوم أي مؤسسة حكومية، سواء كان المصرف المركزي أو الحكومة السورية الحالية، فيما وصل إليه السوريون من فقر، فالمؤسسات الرسمية والشعبية، خلقت من الضعف قوة لمواجهة الأزمة، ما أدى إلى تقوية العلاقات الاجتماعية بالمجتمع السوري".
هكذا حرفياً، دونما زيادة أو نقصان، ماقاله مستشار وزير الاقتصاد بحكومة الأسد غسان العيد، وعلى كل من له علاقة بالاقتصاد، ونهل من ماركس أو آدم سميث، أن يعيد حساباته، سواء ما يتعلق بأبوية الدولة هنا أو قوانين السوق هناك. فالمسؤول السوري أبدع نهجاً جديدا للفريق الاقتصادي بالحكومة، وهو "العلاقات الاجتماعية".
إن فندنا قليلاً ما قاله المسؤول الأسدي بتصريحه الرسمي، فربما نكتشف بعض خبث، عبر "الحكومة الحالية" وكأنه يرمي تبعات الفقر والديون والانهيار الاقتصادي، إلى الحكومات السابقة التي أعلنت نهج اقتصاد السوق الاجتماعي، منذ كان عبد الله الدردري نائباً اقتصاديا لرئيس حكومة محمد ناجي عطري.
بيد أن هذا المسؤول، وإن تجلى بعض خبث بطرحه، لكن بقية الطرح جاء على غاية من التنصل والهروب، إن لم نقل الغباء والجهل بدور ومهام الحكومات عموماً، وخلال الحروب والأزمات على وجه التحديد.
وبشيء من التفصيل، يمكن الرد على المسؤول الاقتصادي أن سعر الليرة ارتفع من 50 لنحو 380 ليرة بزمن حكومته وبعهد حاكم مصرف سورية المركزي الميمون.
وارتفعت الأسعار نحو 12 ضعفاً خلال حكومته التي لا تعرف شكلاً لتأمين السلع والمنتجات، ولا حتى لإيجاد أشكال رقابية تمنع خلالها تجار الأزمة الذين يدورون بفلكها، من استغلال حاجة السوريين والتلاعب بأسعار السوق.
قصارى القول: ثمة شماعة لدى نظام الأسد برمته، يعلق عليها جميع ما يعانيه السوريون، فالذي هدم بنى وهياكل الإنتاج هو الإرهاب، ومن أودى بسعر الليرة السورية هي الحرب الكونية، ومن بدد الاحتياطي النقدي وأوصل الموازنة لعجز ناف على 620 مليار ليرة هي المؤامرة.. بل واستهداف الرئيس الممانع هو سبب بلوغ نسبة الفقر 80% والبطالة 70% وعدد المهجرين والنازحين أكثر من نصف الشعب السوري.
ولا حول ولا يد للحكومة التي تناضل إلى جانب قائدها الوريث، بكل الذي حصل ويحصل، بل أكثر، قوّت الحكومة من الروابط الاجتماعية بسورية، بدليل عدم قدرة السوريين التنقل بين مدنهم وبلوغ الجريمة والسرقات التي يرعاها نظام الأسد، خطف العابرين من الحواجز وطلب فدية من ذويهم.
نهاية القول: فيما لو سلمنا جدلاً بما قاله هذا الذي أوحي له ليقول ما قال، وسألنا عن الوضع المعيشي للمواطن السوري حتى قبل "المؤامرة والحرب الكونية" بالقياس مع ما تملكه سورية من موارد وثروات، أيمكن وقتها لهذا المسؤول أو سواه، سوى أن يتقدم بالاعتذار للشعب، وربما لومه على التأخر بالثورة، فهذا النظام الذي ورث الملك عن أبيه، قسّم سورية لمزارع لذويه وآله وأخلّ بكل موازين العدالة الاجتماعية وتوزيع الثورة والدخل، حتى قبل أن يصل هذا العيد لموقعه الاستشاري ويتحف السوريين بنهجه الاقتصادي الجديد.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية