أصحاب الحل السياسي الموغلون في دمائنا*

لا أستطيع إلا أن أشك بصدقية كل من يقول بالحل السياسي في سورية، ولا أستطيع إلا أن أعتبره متآمراً على الشعب السوري لمصالحه الخاصة.
خمس سنوات وبشار الأسد يبحث عن حل الأزمة عسكرياً، فأدخل الدبابات إلى درعا منذ بداية الثورة السلمية، ومع ذلك تبنى العالم فكرة الحل السياسي، حتى هيثم مناع، ابن المحافظة، تبنى الفكرة نفسها.
عندما كان "المجتمع الدولي" مشغولاً بالحل السياسي، كان الأسد قد نقل سياسته العسكرية من الدبابات إلى تدمير المدن بصواريخ سكود، ومع ذلك أصر الأصدقاء والأشقاء على إيجاد حل سياسي، ودافع عن الفكرة أيضاً لؤي حسين وحسن عبد العظيم وغيرهم كثير.
أشهر أخرى وانتقل الأسد إلى الهجوم على السكان المدنيين بالبراميل المتفجرة التي لا تبقي بلداً ولا ولداً وتحرق الأخضر واليابس، ومع ذلك صرح المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف أنه يبحث عن حل سياسي للأزمة السورية.
أدرك بشار أن العالم كله يطلب إليه بشكل مباشر وغير مباشر، أن يقتل ما استطاع من الشعب السوري المسلم، وأن يهجر منه ما استطاع، وفهم أن أوروبا والولايات المتحدة وكذلك بعض الدول الإقليمية ستستقبل ملايين اللاجئين السوريين وتفرغ البلاد كلها من أجله ومن أجل طائفته، ولما لم يكن بإمكان الأسد أن يقتل وحده كل العدد المراد، توجه إلى طلب المساعدة الإيرانية المباشرة، فدخل مجرمو الشيعة وبربريو العصر إلى سورية فذبحوا المسلمين على الهوية الدينية.
ثم ما لبث الأسد أن طلب مساعدة الغرب للقضاء على البقية الباقية من المسلمين في البلاد، فبدأت القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية بل والإماراتية والسعودية والأردنية في الهجوم على الشعب السوري وبنيته التحتية ومؤسساته. ومع ذلك لم يكتف العالم بهذه الدماء، فاستنجد بالقوات الروسية التي بدأت تشارك القوات الغربية بقصف المدن السورية وتهجير المسلمين.
كل هذه الجيوش، وأربعون ميليشيا شيعية لا تكفي، فقامت الطائرات الصهيونية أمس بالهجوم على دمشق، ولا يزال العالم يتحدث عن الحل السياسي بما فيه بعض الممثلين على الشعب السوري كالائتلاف وهيئة التنسيق وغيرها.
لم يدفعني هؤلاء إلى كتابة هذا المقال فقد "نفضت يدي منهم" منذ زمن طويل، ولكن ما دفعني إلى الكتابة هو إعلان الرياض الذي انبثق عن اجتماعات قيادات الدول العربية بزعماء أمريكا اللاتينية، والذي تمخض عن هذا الإعلان البئيس الذي يطالب بحل سياسي في سورية وفي فلسطين.
ففي الوقت الذي يباد فيه الشعب السوري كذلك الفلسطيني من عصابتين بربريتين همجيتين، تطالب الدول العربية بحل سياسي، متناسية أن هذا الحل قد بدأ منذ خمس سنوات ولم يسفر إلا عن استشهاد مئات الآلاف من السوريين.
حتى إن السعودية نفسها لم تلجأ إلى الحل السياسي في البحرين ولا في اليمن، فبينما دخل جيش درع الجزيرة إلى البحرين، قامت دول عديدة على رأسها السعودية بالتدخل في اليمن عسكرياً ونحن نؤيد ذلك بلا شك، ولكننا لا نفهم لماذا تطالب هذه الدول نفسها بإيجاد حل سياسي في سورية.
يريدون لفيينا أن تكون أسوأ من جنيف وأبعدَ نتيجة، بحيث يبدأ تشكيل اللجان ونقاش المواضيع، ولا ينتهي إلا بعد سنوات، بانتظار تصفية الثورة السورية نهائياً، وكل ذلك على حساب الدم السوري.
لا تعني فكرة الحل السياسي إلا شيئاً واحداً، وهو أن كل أصحابها موغلون في دمائنا وأن لكل هؤلاء مصالح معروفة في الحفاظ على الأسد لا على السوريين.
* د. عوض السليمان - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية