النقاب الذي أسقط رئيس الوزراء الكندي.. ميخائيل سعد*

لا علاقة لـ"داعش" بالأمر، أو على الأقل، لم يعلن حتى الآن، مسـؤوليته عن "إسقاط" رئيس الوزراء الكندي وحزبه المحافظ من الحكم، رغم أن السبب المباشر لخروجهما من حكم كندا هو سيدة "منقبة" من أصول باكستانية، رفضت خلع النقاب والكشف عن وجهها أثناء أداء قسم الجنسية الكندية. وعندما لم يُسمح بالدخول لأداء ذلك القسم، توجهت إلى القضاء ورفعت دعوى ضد الحكومة الكندية، التي، حسب رأيها، تنتزع حقا من حقوقها، وقد أيدها القضاء فيما بعد بذلك، ونالت الجنسية قبل أسبوع من نتائج الانتخابات، التي طرد فيها المواطنون الكنديون رئيس وزرائهم من الحكم بعد مضي عشر سنوات على وجوده في كرسي الوزير الأول.
القصة بدأت عندما لاحظ ستيفن هاربر وفريقه أن استطلاعات الرأي تقول بتعادل حزبه المحافظ مع الحزب الليبرالي لو جرت الانتخابات لحظة استطلاع الرأي، وذلك قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات.
قرر الاستعانة بخبير دولي، أثبت فاعلية في هذا المجال أكثر من مرة. وكان أسلوب عمل الخبير يقوم على تحليل حاجات كل دائرة انتخابية سيتكلم فيها المرشح الانتخابي، ثم يقترح عليه الموضوع أو الموضوعات التي يجب أن يتناولها في خطابه، أو مجموعة خطبه في تلك المنطقة، وكان من سوء حظ "هاربر" أنه اعتمد سياسة التخويف من الإسلام في مقاطعة كيبيك، فكان تصريحه أنّه "حين ننضم إلى العائلة الكندية، يجدر بنا التوقّف عن إخفاء هويتنا"، مشيراً إلى أنّ "هذا السّبب يُحتّم على المواطنات الجدد أداء اليمين حاسرات الرّأس". وتعهّد بسنّ قانونٍ يرغم النساء على أداء اليمين حاسرات الرّأس في مراسم التجنيس.
إلى هنا كان الأمر مقبولا، فسياسة خلق الأعداء وخاصة الخوف من الإسلام، كانت منتشرة ورائجة في الممجتمعات الغربية وخاصة في مقاطعة كيبيك، ومادة يومية في الإعلام العالمي، وكانت أعمال داعش في سوريا والعراق خير نموذج لزيادة خوف الغرب من الإسلام والمسلمين، ولكن أن يكون الهدف هو التغطية علـى الأزمة الاقتصادية التي ساهم في خلقها "هاربر" وحزبه، وإهماله لها، والتركيز على الجانب الأمني فقط، الذي يتيح له السيطرة على مفاصل البلد بحجة الأمن ومحاربة الإرهاب الإسلامي، فهذا ما لم يتحمله المواطن الكندي. وهنا التقط الإعلام الكندي القضية وبدأ في تداولها.
قام الإعلام بنقل كل خطابات "هاربر" التي ألقاها في المقاطعات الكندية أثناء حملته الانتخابية، وأجرى المقارنات بينها على شاشات التلفزيونات، وكشف الكذب الذي مارسه على الناخبين، مما دفع بأحد أعضاء حزب المحافظين نفسه إلى القول فيما معناه: يجب تكنيس هذا الزعيم الكذاب، إن كندا بحاجة إلى سياسيين صادقين وليس إلى كاذبين.
جاءت رئيسة حزب الخضر لتغلق باب النقاش حول النقاب عندما قالت واصفة الأمر بالجدل الزائف، وسائلةً في ندوة تلفزيونية مع زعماء الأحزاب الرئيسية:
"ما هو تأثير النقاب على الاقتصاد؟
ما هو تأثير النقاب على التغييرات المناخية؟
ما هو تأثير النقاب على العاطلين عن العمل؟
إنّه تمويهٌ لتفادي النقاش حول التحديات الحقيقية".
وأضاف رئيس الحزب الديموقراطي الجديد توما مولكير: إنّ النقاب "سلاح تمويه شامل" يستخدمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته لمحاولة إخفاء حصيلته السيئة في الحكم خلف النقاب.
أخيرا، ومع أن استطلاعا للرأي أُجري مؤخراً بين أنّ 82%، من الكنديين يعارضون وضع النقاب أثناء مراسم التجنيس، إلا أنهم عندما توجهوا إلى صناديق الاقتراع، نسوا هذا الأمر واختاروا مصالحهم الحقيقة، فاختاروا الحزب الليبرالي بزعامة جوستان ترودو. قد لا يكون الأمر حبا به ولكن كرها بحزب المحافظين وبزعيمه "هاربر".
وهكذا كان النقاب هو الشعرة التي قصمت ظهر رئيس وزراء كندا ستيفن هاربه وحزبه وأخرجتهم من الحياة السياسية الكندية، ليبدأ عصرا جديدا لكندا لكل الكنديين بعيدا عن حكومات "هاربر" الأمنية.
كان بودي أن يكون وراء سقوط "هاربر" لوبي عربي أو لوبي إسلامي، يدافع عن حقوق المسلمين عامة والعرب خاصة، ويشرح أهداف الإسلام وتعاليمه السامية، ولكن يجب الاعتراف أن من أسقط حزب المحافظين ورئيسه "هاربر" هو المواطن الكندي وليس النقاب.
هذه هي حصيلة الديمقراطية التي يرفضها بعض السوريين وبعض العرب وبعض المسلمين.!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية