أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حواجز السوريين!.. ميخائيل سعد

الثورة كسرت الكثير من الحواجز التي شيدها النظام بين السوريين - ناشطون

قبل أيام كتب لي أحد الأصدقاء الافتراضيين أنه وصل إلى اسطنبول ويود رؤيتي والتعرف عليّ، ولما كنت لا أترك فرصة التعرف على سوري تمر دون الجلوس معه، فقد لبيت الدعوة وحددنا الموعد، وكان من سوء الحظ أو حسنه أن الموعد كان في يوم ماطر، مما أتاح لنا فرصة الإقامة "الجبرية" في أحد المقاهي الاسطنبولية والكلام عن وضع دمشق هذه الأيام، والصعوبات التي جعلت حياة الناس اليومية جحيما، فغادرها كل من استطاع ذلك. 

كما أن غزارة أمطار اسطنبول حجبت عن عيوننا إمكانية اكتشاف ما حولنا من جمال أو قبح في المدينة العريقة، فانكفأت النظرات إلى دواخلنا تستجلي مكوناتها، فتعرفت عليه وعرف من أنا، وبذلك هدمنا جدارا وهميا كان قائما بين سوريين، وبدأ الكلام يسيل في نهر الحياة دون عوائق، وعرفت منه أن السكن في أغلب أحياء دمشق يحتاج الآن لموافقات أمنية مسبقة، بل إن المرور في بعضها ممنوع على فئات معينة من السوريين، ليس حفاظا على أمن "المواطن" أو الوطن، وإنما خوفا منهما على النظام المتداعي وحاشيته.

وتذكرت قصة "الموافقات الأمنية" التي جعلها الأسد حاضرة في كل أنواع نشاط الناس، وليس فقط في علاقاتهم الاجتماعية على مدى خمسين عاما؛ فنقل الحبوب من مدينة إلى أخرى يحتاج إلى موافقة أمنية، والزواج يحتاج إلى موافقة أمنية، بل حتى طهور الأطفال أو عمادتهم يحتاج بدوره إلى موافقة أمنية، الشيء الوحيد الذي لم يكن بحاجة إلى موافقة مسبقة من الجهات الأمنية هي السرقة المباحة بكل أنواعها. 

وبذلك تحولت شبكة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في سورية إلى "خيطان" تصل نهاياتها إلى "المخابرات"، مانعة أي نوع من التواصل بين مكونات المجتمع السوري إلا بعلمها وتوجيه منها، وهكذا بدأ كل سوري في البحث عن خلاصه الفردي عبر العلاقة مع السلطة "الأمنية"، فكثرت الوشايات وانتشر الخوف وأصبح للجدران آذان كانت ترتفع بين الناس باستمرار ما دام ذلك في مصلحة الأسد. 

لذلك كانت الثورة السورية أعجوبة العصر، ولذلك كان الناس يتواعدون في الجوامع أيام الجمع للخروج في المظاهرات. 

فقد كانت المدن والبلدات السورية محكومة كلها بالخوف والوشاية وانعدام الثقة، فكان الجامع هو الملاذ الأخير للسوريين، لأنه جامع للناس وليس لأنه مكان للصلاة فحسب، على ما ذكر الكاتب الليبي "الصادق النيهوم".

في العصر الإسلاموي "الثوري" اتخذت الموافقات الأمنية حلتها "السوداء" كي تميز نفسها عن تلك الموجودة في العصر "الأسدي".

فقد روى لي أحد الشباب الذي استطاع الخروج من الرقة هذا الشهر أن "الدولة الاسلامية" تفرض على كل من يغادر "الإمارة" الحصول على موافقة أمنية، وأنه ممنوع على النساء مغادرة المدينة إلا بعد الحصول على موافقة أمنية، وأنه ممنوع السير في الشوارع أثناء أوقات الصلوات.

وقال الشاب الرقاوي إن أطرف ما في الأمر أن من يطالبنا بتطبيق الشريعة ويعلمنا أصول ديننا الإسلامي هو أمي تماما، ولا يعرف شيئا عن الإسلام والمجتمع السوري وبنيته، وأديان سوريا وطوائفها. 

وفي النتيحة، فإن كل من يمارس الإسلام والحياة بأسلوب هذا الغريب هو كافر. 

ببساطة، كنا "كفارا" عند مخابرات الأسد، وأصبحنا "كفارا" عند مجاهدي "داعش"، وخاصة التوانسة والمغاربة منهم.

قال الشاب الرقاوي، الذي أصبح الآن مع عائلته في أوروبا، منهيا حديثه: عاد الخوف يحكم الناس في ظل داعش، الخوف من الجلد أو مصادرة الأملاك أو قطع الأيدي أو الرجم، والخوف الأكبر هو قطع الرأس، والخوف من الجزية لغير المسلم، والخوف من السبي، أما عن السجون الإسلاموية المنتشرة في المناطق "المحررة" فلا تسأل! 

وهكذا عادت الجدران تفصل بين السوريين بقوة ولكن بلون آخر.

الجدران التي شيدها النظام الأسدي من جهة، والعقل "الإسلاموي" من جهة أخرى، بين السوريين لم تكن داخل الحدود السورية فقط، بل انتشرت في المهاجر أيضا.

البارحة أعدت نشر منشور فكاهي على "فيسبوك"، فيه نقد مبطن لعلاقة الرجل السوري بزوجته، مستخدما نفسي كمثال وزوجتي، وقد لاقى المنشور قبولا كبيرا من أصدقاء صفحتي، مما أغاظ أحد عملاء الأسد في مونتريال، فكتب التعليق التالي، انسخه كما هو دون زيادة أو نقصان:
(لكني حقيقةً لا أعلم لماذا يبغضك كل من يعرفك بمونتريال....ابتداءً ممن استضافك في بيته عندما وصلت من سورية وانتهاءً بمجموعة لا أعرفها التقيت بها البارحة عند ميكانيكي سيارات سوري ب لافال "اعتقد انك تعلم من هو" المهم اجتمع الجميع بحديثهم عن انك شخص حاقد وجاحد ...انا لم اشترك اصلاً باالحديث لانني فعلاً لا اعرفك شخصياً ولكن لفتني جداً البغض لشخصك ممن يعرفوك .....انا اسف ولكن انقل اليك مااسمعه من جاليتنا السورية).

ضحكت من "تهذيب" الرجل وعلقت عليه: "أشعر بالفخر أن أكون مكروها من عملاء الأسد في مونتريال".
واقعة ثانية حدثت في سويسرا الشهر الماضي عندما كنت في زيارة أخي، الذي يعمل في تجارة السيارات المستعملة.

أحد الأيام كنت معه في الكراج عندما مرّ زبون أسمر اللون يطلق لحية طويلة غير مشذبة.

ألقى السلام باللغة العربية وسأل أخي عن إحدى السيارات، فرد أخي السلام بأحسن منه.

وبعد نقاش وتجريب السيارة، قرر الرجل الشراء، ولكنه قال لأخي إنه لا يستطيع دفع قيمة السيارة كاملة. 

فقال أخي: أعطيك أوراق الشراء وتذهب إلى البنك فتحصل على النقود. 

قال الرجل: يا أخي أنا لا أحب التعامل مع البنوك ودفع الفوائد، فهذا كما تعلم حرام في ديننا.

قال أخي: هذا حقك، وسأحاول أن أجد حلا لمشكلتك. سأقوم بتقسيط السيارة لك على مدى ٢٤ شهرا دون فوائد، وسأنقلها إلى اسمك عند آخر قسط، فما رأيك؟ قال الرجل: أنا موافق، وجزاك الله الخير.

دخل الرجلان إلى المكتب لتنظيم الأوراق، ولم أعد اسمع حديثهما، بعد أقل من خمس دقائق خرج الرجل مكفهر الوجه وغادر المكان.

ثم خرج أخي مبتسما، فسألته عما حدث.

قال: ما إن بدأت بكتابة العقد حتى قال الرجل: كان باستطاعتي شراء سيارة من أي مكان، ولكن لم أرغب بالتعامل مع أحد المسيحيين الكفار، ولذلك أتيت لعندك.

تابع أخي: توقفت عن الكتابة ونظرت في وجه الرجل وقلت له: أنا لا أحب أن أغش زبائني، لذلك يجب أن أقول لك إنني أحد هؤلاء المسيحيين الكفار، وأنت الآن حر في الشراء من عندي أو التوقف عنه، فما كان منه إلا أن أخذ هويته وغادر المكان.

في الختام، أريد القول إن الثورة كسرت الكثير من الحواجز التي شيدها النظام بين السوريين، ولكن بقي الكثير الذي نأمل أن تزيله، وسيكون انتصارنا النهائي عندما نتعارف على بعضنا كسوريين، مسقطين كل ما بيننا من عوامل الجهل المتراكم عبر السنين، بفعل عوامل داخلية أو خارجية، وصولا إلى ممارسة مفهوم المواطنة الحقة.

(137)    هل أعجبتك المقالة (133)

سوري

2015-10-28

لماذا مررت مرور الكرام على من يكرهك في مونتريال وغيرت الموضوع .. على ايش الك الشرف انو الناس لا تحبك في مونتريال ؟؟؟ ستة اشهر تنام في بيت واحد .. علوى ثم تخرج وتحكي عليه ياشريف .. لأنه الك الشرف ... مع انو الزلمي متزوج وعنده اولاد ... ثم تحملك بكل رحابة صدر .. وخرجت تحكي عليه ... على كل الناس على اليسبوك مغشوشة بحكيك .. والناس اللي بتشوفك كام لقاء ... كمان بتغش فيك .. هيك كنت ... ورح تبقى .. الأخلاقي ... قد يصبح غير اخلاقي لفترة لكنه سيعود لاصله .. اما الذي يتظاهر بالأخلاق ... فإنه لايمكن ان يظهر اخلاقياً مهما حاول .. تاريخك في مونتريال يكفي ونص ليك ياسيد ميخائيل.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي