اتفاق عربي على أهمية احتلال سوريا*

تفرض الأمية السياسية على متابعي الفيسبوك، ومحللي توتير أن يتصوروا وجود تباين في المواقف العربية فيما يتعلق بالاحتلال الروسي لدمشق، ويظنون جهلاً، أن هناك دول عربية لا تبارك هذا الاحتلال وتقف ضده وتسعى لإنهائه.
قد يكون صحيحاً أن بعض القادة العرب لا يوافق على الاحتلال الروسي في أعماقه، كونه يتأثر بما يراه من همجية القوات الغازية، وبربرية بشار الأسد، وقد يشعر بالأسى لذلك. أما من الناحية العملية، فحكامنا متفقون باستثناء دول قليلة على "أهمية" الاحتلال الروسي لسورية، وذلك بسبب الأوامر الأمريكية التي طلبت منهم الحفاظ على الأسد، والسكوت على ما يحدث في الشام.
أهمية الاحتلال الروسي لدمشق تنبع أيضاً من مصدر آخر، فكثير من المتسلطين على أعناق هذه الأمة، يخافون أن يُسحب البساط من تحت أرجلهم، بالأحرى يخافون أن يخسروا كراسيهم ومناصبهم بثورات مماثلة لما حدث في سورية، وهم بالتالي يريدون أن يُظهروا لشعوبهم أن الذي لا يشرب اللبن في الصباح وينام باكراً في الليل، سيتعرض لعقوبة اسمها بشار الأسد، ثم الاغتصاب والسحل، وأخيراً سيدخل بوتين والبرابرة إلى بلاده. وهكذا يضمن هؤلاء، كما يظنون، طاعة شعوبهم، وسيطرتهم عليها.
قبل شهر تقريباً، قام قائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي بزيارة موسكو، كما التقى العاهل الأردني ببوتين، وحج نائب رئيس دولة الإمارات إلى موسكو ، وبعد ثلاثين يوماً من هذه التحركات السياسية قام الجيش الهمجي البوتيني بدخول سورية.
ليس فحسب فقد وافقت السعودية والإمارات ومصر على مقابلة علي مملوك، الذي لا يقل إجراماً عن بشار الأسد ولا منغولية الروس، وقبلت الحديث مع مجرم حرب وقاتل أطفال يخجل الصهاينة من فعله.
وهذا يعني، على الأقل، أن مصير الأسد قابل للتفاوض، وذلك من خلال إبعاد شخصه فقط عن الصورة وتمكين مملوك من رقاب الشعب السوري، وكأن شيئاً لم يكن وعفا الله عما مضى، ونسامحهم بدم نصف مليون سوري.
مما يدل أيضا على اتفاق العرب على تأييد روسيا، هو موقف الجامعة العربية التي لم تصدر بياناً حتى اليوم يدين العمليات العسكرية البهيمية في بلد عربي، فضلاً عن أن تدين الاحتلال الروسي لعاصمة الأمويين، وكأن الأمر لا يعنيها، وكأن الأطفال الذين تقتلهم طائرات السوخوي ليسوا عرباً ولا مسلمين ولا بشراً أصلاً، ولم تقم أي دولة عربية إلى هذه الساعة بدعوة مجلس الجامعة إلى اجتماع عاجل للتباحث حول الغزو الروسي.
الخطأ الذي وقع فيه محللو الفيس بوك وتوتير أنهم عكسوا التباين في الإعلام العربي على تباين سياسي في الموقف مما يحدث في بلادنا وهذا خلط بيّن، فالتباين والاختلاف العربي حول بشار الأسد وأصدقائه هو خلاف إعلامي بين فريقين تابعين لدول غربية عدوانية، وادعاءات تغذيها الضغوط الشعبية الداخلية، بالإضافة إلى محاولة الفريق المعترض على الغزو بأن يظهر بصورة إسلامية أو عربية. والناظر في مواقف هذه الدول يرى أنها لم تفعل شيئاً حقيقياً ضد الأسد منذ خمس سنوات، وأنها لم تفعل شيئاً حتى الآن فيما يتعلق بالاحتلال الروسي، اللهم عدا التصريحات النارية على طريقة الأسد نفسه.
الفرق الجلي بين الفريقين، هو أن أصدقاء الأسد يربطون القول بالفعل فيرسلون الشبيحة والدبابات والطائرات لتقتل الشعب السوري. أما الفريق الذي يدعي صداقة شعبنا ، فيصرخ بتجريم التدخل ويهدد ويرعد، لكنه بالنتيجة يشرب اللبن في الصباح وينام مبكراً في الليل.
*د.عوض السليمان - كاتب في "زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية