أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إسرائيل: إكرام البحر الميّت... دفنه

مشروع لإقامة «دبي ثانية» على «ضريحه»

رسم لمجسّم مشروع «قناة البحرين» (أ ب)

رسم لمجسّم مشروع «قناة البحرين» (أ ب)

ضجّت العاصمة السويدية استوكهولم، للمرة الثامنة عشرة، في تبيان حرصها على الطبيعة، وتحديداً على إكسير الحياة والذهب الأزرق على كوكب الأرض: المياه. طوال أسبوع، تصدّرت أخبار المياه والشحّ والجفاف والتلوّث، عناوين الصحف في العالم، وخرجت إلى العلن نقاشات ودراسات محذّرة من مخاطر العبث بخيرات الطبيعة. هذا في العنوان الرئيسي وواجهة الحدث. لكن في بعض جلسات اللجان المغلقة، كانت واجهة الحدث تتوزّع على المصالح الشخصية، وأخطرها: مشروع إسرائيلي يهدف إلى «دفن البحر الميت» وتحويله إلى فنادق ومقاه ومنتجعات سمر وتسلية، تتوزّع أرباحها الطائلة على الملياردير الإسرائيلي إسحق تشوفا، وعلى الذين يعرفون «من أين تؤكل الكتف»
«دفن البحر الميت»، كان عنوان المخطّط الإسرائيلي الذي عرضه مستشارو الملياردير الصهيوني إسحق تشوفا على الباحثين والعلماء في «الأسبوع العالمي للمياه» في استوكهولم. مخطط يرضي الجميع: أولاً يرضي الوجهة العلمية، فهذا البحر «ميت» وعودة الحياة إليه، مستحيلة. ثانياً يرضي الوجهة الإسرائيلية، ففي التوراة ما يكفي من حديث «يهوه» عن تحويل الصحاري والجفاف في أرض كنعان إلى خضرة يافعة يانعة، وتحديداً «الواحة الكبرى» (عين جدي) في غرب «الصحراء اليهودية». وثالثاً هو يرضي العرب، ما دام هذا البحر هو «ميّت» وإكرام الميت دفنه.
تحت عنوان «لسنا بحاجة إلى بحر.. ميّت»، كشفت القناة التلفزيونية الألمانية الأولى (A.R.D) جانباً من رسالة مراسلها في تل أبيب تورستن تايخمان، وهي تتضمن بعض الجوانب، التي تظهر، من وجهة «علمية»، عدم إمكان عودة الحياة إلى «جثّة» البحر الميت، الذي بدأ يتقلّص ويضربه الجفاف والشّح تدريجاً، وبالتالي بدأت شواطئ الرمل والأملاح والكلس تتكدّس على ضفافه، وهي باتت غير صالحة للسكن وإقامة المستوطنات وإغراء يهود العالم بترك بلدانهم والهجرة إلى «أرض الميعاد».
ويستعرض المخطّط الإسرائيلي مختلف المشاريع «العلمية» المطروحة لإنقاذ البحر الميت، وهي تخلص في نتيجتها إلى العجز والفشل في وقف زحف الشحّ والجفاف إلى هذا البحر ــــ البحيرة. ومن خطط «الإنقاذ»، التي يوردها شريط الملياردير الإسرائيلي إسحق تشوفا، خطتان: الأولى، رفع منسوب تغذية البحر الرئيسية من نهر الأردن، وهذه التغذية المائية باتت مستحيلة، وقد بدأت مجاريها وقنواتها تعاني بدورها شحّاً وجفافاً في فصل الصيف.

 والخطة الثانية والوحيدة، تقضي بتغذية البحر الميت بشريان مائي من البحر الأحمر، لكن الشريط يورد تساؤلات عن إمكان نجاح الفكرة: من يضمن إمكان الاختلاط المائي السريع؟ ومن يضمن عدم تسرّب الأعشاب البحرية التي بإمكانها تغيير لون المياه وتحويل البحر تدريجاً إلى «ميّت أحمر»، أو على الأكثر اختلاط الأعشاب الوافدة من البحر الأحمر بالمادة الكلسية البيضاء والأملاح في البحر الميت فيتحوّل تدريجاً إلى «ميّت أبيض أو ميّت زهري»؟

كل شيء ممكن ومستحيل، لكن الأكيد هو الفشل العلمي. ماذا يبقى إذاً؟
يذهب الشريط المصور الإعلاني، الذي طرحه مستشارو تشوفا على الخبراء في قمة استوكهولم، إلى خطة بديلة، وهي تقضي بدفن «البحر الميت» وإقامة نموذج لمدينة شبيهة بمدينة «دبي»؛ مدينة عصرية سياحية ترتفع فيها الفنادق والمنتجعات والمطارات وكل وسائل الراحة والتسلية والسمر التي تجذب الناس والسياح من جميع أقطار العالم، وتحمل معها الثروة والمال.
وتحمل الخطة معها، قبل كل شي، استقطاب يهود العالم إلى «أرض الميعاد»، إلى إسرائيل، وبالتالي تتوزع المستعمرات اليهودية على «ضفاف» المدينة السياحية الجديدة، ويكون بإمكانها، توفير النمو الزراعي والتطور الصناعي والمدارس والمعاهد العلمية والمستشفيات. هذا يعني بالتالي تحويل المناطق الرملية الجافة والبنيّة اللون إلى جنّة خضراء، فتتحقق نبوءة التوراة. ومن الوجهة السياسية، يعدّ هذا المشروع «مصنعاً حقيقياً للسلام في الشرق الأوسط يقوم على دعائم البحبوحة المالية وتوفير فرص العمل للجميع؛ للإسرائيليين، كما للأردنيين والفلسطينيين». الشريط يوضح هوية العمال، لكنه لا يتطرق إلى هوية «ربّ العمل» والمدير الفعلي المستفيد من «مصنع السلام» في البحر الميت.
ويتطرّق الشريط المصوّر إلى النموذج المصغر الآتي: التخطيط لبناء قناة مائية بطول 166 كيلومتراً من البحر الأحمر إلى البحر الميت، تمر بموازاة المناطق الحدودية بين «إسرائيل والأردن وفلسطين»، وترتفع حولها مصانع للطاقة وتحلية المياه، مبنية جميعها على أسس وتقنية حديثة تلائم سلامة البيئة.
واستكمالاً للموضوعية الأوروبية، وهرباً من الوقوع في أحادية الاتجاه والتوجّه في «المجتمعات الديموقراطية»، تشير القناة التلفزيونية الألمانية إلى وجود تأييد داخل دولة إسرائيل لمشروع «دفن البحر الميت»، فتنقل عن رئيس جمعية «أصدقاء الأرض» جدعون برومبرغ، تعليقه الآتي: «صحيح أن المشروع المطروح يخدم الأفكار الدينية التوراتية والأسس لقيام دولة إسرائيل، من حيث تحويل الصحاري الجافة إلى جنائن خضراء يافعة، وهي أفكار أدّت دورها في عشرينيات القرن الماضي، إلّا أن التمسّك بعدم تطوير الأوضاع وترك البحر الميّت على حاله أدّى إلى تكاليف باهظة في مجالات الزراعة والمحافظة على سلامة البيئة».
ويدافع برومبرغ عن مشروع دفن البحر الميت بالقول: «إن هذا المشروع يلقى حالياً تأييداً من سياسيين بارزين، منهم الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز والملك الأردني عبدالله الثاني. وقد قدّم تشوفا وعداً بأنه سيقوم بتمويل مشروعه المتعلق بدفن البحر الميت وتحويله إلى مدينة حديثة سياحية من جيبه الخاص، وهو لن يستخدم أموال الدولة العامة. وعليه، فقد بدأ إعداد النموذج المصغّر لقيام هذه المدينة السياحية فوق مقبرة البحر الميت».
ومن المعروف أن قصة ثروة تشوفا (57 عاماً) بدأت في سبعينيات القرن الماضي، حين عمل بصفة متعهّد بناء، وتمكن من تحقيق ثروة طائلة نتيجة هجرة اليهود السوفيات، عبر بناء المستوطنات لاستقبالهم. في عام 1998، أسهم في شركة «ديليك» الإسرائيلية، وهي ثاني أكبر شركة لاستخراج النفط والغاز الطبيعي.



 

 

يعدّ البحر الميت من أكثر المناطق حيوية وعافية في العالم. إنه المنطقة الجغرافية الوحيدة على كوكب الأرض التي تحضن جميع العوامل الصحية؛ مياهه دافئة طوال العام وغنية بالأملاح، وشمسه دائماً «تحت الأشعة البنفسجية» ما يجعله أكبر منتجع صحي طبيعي في العالم. وأثبتت الأبحاث العلمية فعالية هذه المنطقة وتأثيرها في الشفاء من الأمراض الجلدية.
يجمع البحر الميت عوامل الطبيعة الفعالة لسلامة وصحة الإنسان، وتمثّل منطقته ملتقى للحضارات. في التوراة حمل تسمية «منطقة الآراميين»، ويطلق عليها الرومان واليونانيون تسمية «بحر الطين»، وتحول إلى «الميّت» لاحقاً لانعدام الحياة حوله.
تعدّ منطقة البحر الميّت أدنى موقع على الكرة الأرضية، وهي بمعدل 417 متراً تحت مستوى سطح البحر. نسبة الأملاح في الليتر الواحد من مياهه تعادل 340 غراماً، أي ما يعادل عشرة أضعاف نسبتها في الأبيض المتوسط.

برلين ــ غسان ابو حمد
(190)    هل أعجبتك المقالة (189)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي