قصة حب بدوي ودرزية .. لن يأتي الوطن.. علي عيد

فقدت شهيتي للكتابة في الشأن السياسي، وكأي سوري محبط لم أستطع أن أمسك بحروف المنطق لأقدم لمن يقرأ رأياً في قضيتنا العويصة، ولأنني مضطر للكتابة قررت أن أستغل هذه المساحة لأحكي لكم قصة بدوي ودرزية وأبنائهما الخمسة.
لماذا قررت الكتابة عن هذه العائلة فلأنني سأكاشفكم بأن القصة أدمت قلبي وعرفت من خلالها أننا لن نستطيع تجاوز تراكمات مئات السنين من الكذب والرياء والانغلاق وممارسة الطائفية بأبشع صورها حتى على أنفسنا.
قبل عامين زرت مخيم الزعتري وتعرفت إلى أربع طفلات شقيقات وأخيهن الخامس حيث يعيشون في المخيم بلا أب ولا أم.
بدأت القصة عندما تزوج بدوي من عشيرة "النعيم" من فتاة درزية تدعى "حنان" بعد قصة حبّ أنتجت 5 أطفال أكبرهم فتاة تبلغ من العمر اليوم 14 عاماً وأصغرهم الطفل "نور" وعمره اليوم 10 سنوات.
عام 2011 كان البدوي والدرزية يسكنان وأطفالهما مخيم اللاجئين الفلسطينيين في درعا، وأخبرتني الطفلة "حنين" وهي أكبر الأطفال أن والدها خرج ليلبي "نداء الفزعة" وأصيب في أول أيام الثورة ليسقط شهيداً، وبعدها بأشهر قليلة كانت الأم تحاول إنقاذ جارتها التي أصيب بشظية في قصف للنظام فنالتها شظية شقّت قلبها لتسقط تاركة الأطفال الخمسة وكان الولد "نور" وقتها لم يتجاوز السادسة من العمر.
قام الأهالي في درعا بعدها بنقل الأطفال إلى مدينة نوى إثر تدهور الأوضاع في درعا، ثم تم نقلهم إلى "تل شهاب" ثم مخيم الزعتري حيث كانوا يعيشون وضعاً مؤلماً.
سألتهم عن الأهل فقالوا إنه لا أعمام لهم، وإن خالتهم المقيمة في الأردن لم تتجرأ على استقبالهم، وعرفت بأن السبب هو أن شقيقتها تزوجت خارج الملّة.
نعم .. في سوريا يمكنك أن تسمع بكل أنواع الموت قصفاً وذبحاً وتعذيباً وغرقاً، لكن ما يدمي القلب هو أنك ستبقى تسمع عن قصص لمثل هؤلاء الأطفال الخمسة، يعيشون وحيدين، لأن أحداً لا يستطيع حمل فاتورتهم في هذه الظروف، فيما رفض الخمسة أن يتم تبنيهم منفردين، يريدون أن يتألموا معاً، يريدون أن يتابعوا عذاباتهم معاً هكذا ودون أن يكترثوا للأسرّة الناعمة والبيوت الدافئة ولا لخزائن الثياب والألعاب، ولا حتى لأيدي الغرباء وهي تأخذ مكان أبوين جمعهما حبّ حرّمته الطائفة، واختطفتهما يد القاتل الذي لا يحصي على ضحاياه عدد أطفالهم، أو كيف يمكن أن يرحلوا حتى دون وجبة عشاء لخمس حواصل طرية، لأطفال لا يجيدون إقامة مأتم لأبويهم، ولا يعلم أحدٌ كيف بكوهما، وكيف قضوا أول ليلة بعد موت الأم.
أكثر ما آلمني في القصة تنكر الخالة، نعم مازلنا نعيش ضمن سجوننا الخاصة، إذ كيف يمكن لأرض فيها ألف مذهب أن تنتج أوطاناً، وكيف يمكن أن نتشارك همومنا ونحن نتفرج على أكبادنا وهي تتمزق، وسألت نفسي إذا ما كنت سأقتل شقيقتي لو تزوجت من مسيحي أو علوي أو درزي، ثم وجدت في نفسي شيئاً من الجاهلية عندما تذكرت صورة أبي وأعمامي وأبناء قريتي.
بلادنا التي تعيش منطق الطائفة لا يمكنها أن تنتج حضارة، أما كيف نلغي تلك الحدود فمسألة تحتاج إلى عملية هدم غير رحيمة، لا أعرف أي عقد اجتماعي جديد يمكنه أن يلغي وقف ملاحقة أو ازدراء فتاة درزية بعد 13 عاماً من زواجها كما حصل مع حنان، لأن العثور على حلّ لهذه المعضلة هو بمثابة الإمساك برأس الخيط لمستقبلنا، نعم كلنا "داعش" الدرزي يقتل ابنته من أجل قصة حب وزواج، والعلوي يتمسك بمذهب دون أن يعرف تفاصيله، والشيعي مازال يحلم بدم الحسين، والسنّي يعتقد أن القصاص لا يكون إلا بالذبح، وأكذب من هؤلاء جميعاً ملاحدة من اليسار والقومجيين خلقوا لنا آلهة جديدة من الديكتاتوريات الفظّة.
أي أمة هذه يا "حنان" التي أنتجتنا، وأي أمة هذه التي سترعى خمسة أطفال بحب، أي أمة نحن نحاول أن نخيط رقعها التالفة.
ليس عندي ما أضيف .. فقط أفكر في خمسة أطفال تجري في عروقهما دماء البدو والدروز.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية