بينما كنت أتابع الألعاب النارية، قال الفتى الذي كان يقف خلفي لصديقه: هكذا تكون الحرب إذن، ويكون دوي التفجيرات أقوى !
قبل أيام من ذلك، علق صديق سوري على تدوينة فايسبوكية نشرتها بقوله «إن الكتابة والتعليق رفاهية في سوريا»، طبعا هو كان يتحدث عن مجزرة دوما، وطبعا لقد كان يتوقع تضامني «الفايسبوكي» مع ضحايا تلك المجزرة.
الحقيقة أنني أعتبر نفسي متابعة جيدة للأخبار. وأنا في كل الحالات أحاول أن أكون مع الإنسان حيثما كان، بما يعنيه ذلك من تضامن مع قيم العيش والتعايش والاحترام المتبادل والحق في الاختلاف والحرية. وأنا في كل الأحوال لا أنسى المعذبين في الأرض، وأراهم جيدا عندما أصادفهم، وأرى حزنهم يقطر على الأرصفة وخلف النوافذ الخجولة في مدينتي، كما أراه في نشرات الأخبار: في وجوه الذين يعانون من الحروب ومن الانهيار المفتعل من قبل الرأسماليين لاقتصاديات الدول، ومن الذين يعانون من اللعب العادي للطبيعة عندما تزلزل الأرض أو تحدث إعصارا أو تصمت عن المطر.
ولكن، لأنني لا أشارك هذه الملاحظات على جداري الفايسبوكي، فقد أبدو متعالية عن آلام الآخرين. هل علي فعلا أن أضع فيلما أو صورا لجرحى وقتلى لأوضح أنني أرى ما يحدث؟ أليست تلك المنشورات مجرد «رفع عتب» كأن من ينشرونها يقولون لنا «اللهم إنني بلغت»؟. ولكن إن كنت قد بلغت، فلمن؟ ولأي جهة؟ وتحديدا: ما أهمية نشر صور وأفلام دموية، لا تحقق –في اعتقادي- إلا غاية واحدة: جعل الدم والقتل وكل تلك الفظائع تتحول إلى أمور مبتذلة وعادية !
أعتقد أن الفايسبوك، وبعيدا عن تلك اللحظة الفاتنة التي برز فيها «الربيع» العربي، أصبح مجرد فضاء مفتوح يتيح نوعا من دمقرطة الحق في الكلام(وليس التعبير). إنه مقهى افتراضي. يجلس فيه الشخص أمام حاسوبه أو هاتفه ويكتب ما يريد، وينشر ما يريد. إنه يثرثر كما يفعل في المقهى (واللسان ما عليه حكام، والنشر ما عليه حكام أيضا). وهو بالتالي يمكن أن يخبرنا نحن أصدقاءه المفترضين، أنه قد أحب وأنه قد فقد عزيزا، وفي نفس اليوم قد يعزز منشوراته (كلامه الافتراضي) بنشر صور شهداء من سوريا أو العراق، وربما مهاجرين ولاجئين في البحر أو على الحدود بين اليونان ومقدونيا مثلا، ولكل صورة سيضع تعليقا مناسبا أو بالأحرى سيضع تلك الوجوه التي تختصر علينا نحن رواد الفايسبوك التعبير: وجه مبتسم بدل: أنا سعيد(ة) أو أنا مرتاح(ة)، ووجه بلسان وغمزة عين للتعبير عن مكر خفيف ومحبب، وقلب طبعا للتعبير عن الحب، ووجه بدمعة للتعبير عن التعاطف مع أولئك المعذبين في الأرض.
إن الفايسبوك الآن هو المتنفس في حالات الغضب والحزن. وربما لا نحتاج بفضله إلى ساحات كبرى في مدننا نحولها إلى ساحة تحرير، أو إلى معالجين نفسيين بما أننا نطرح في الفايسبوك أثقال أرواحنا ونحاول –على الأقل- أن نتركها هناك. أصبح الفايسبوك بالتالي، يحقق لأغلبنا الإشباع على عدة مستويات: نفسيا واجتماعيا وفكريا... أستحضر هنا سؤال أختي لأحدهم وقد أكد لها أنه مثقف: ماذا تقرأ؟ ثم عندما أجابها: جريدة أو جريدتين يوميا، قولها له: أنت لست مثقفا أنت قارئ جرائد. اليوم هناك كثير من المثقفين الفايسبوكيين. وإذا توجب أن نقدم تعريفا للفايسبوكي، يمكنني أن أقترح: شخص يقرأ صفحة الفايسبوك و»يتكلم» فيها، مع توضيح أن فعل «تكلم» هنا، يحيل على التعبير الفارغ من الموقف الفكري والسياسي.
وإذن، لتستمر الحرب، تلك التي تشبه الألعاب النارية، في الدول الأخرى، وليمت الناس، الموت أصبح أمرا عاديا في الفايسبوك. قريبا ستصلنا الموضة التي بدأها موقع إلكتروني روسي بتنظيم مسابقة لأحسن «سيلفي» مع ميت (سيلفي بوجه مبتسم من فضلكم !) وسنضع قلبا تعليقا على صورة، تعبيرا عن الحب للغائب. وفي انتظار ذلك، ربما يقبل منا السوريون صورة الوجه الحزين الذي بدمعة، تضامنا معهم !
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية