تهجير السوريين بتواطؤ دولي*

تسقط البراميل على أطفال سورية، ويتعرضون كل يوم لقصف القوات الأمريكية، وطائرات الأسد، وتسقط عليهم قنابل الأردن الشقيق والإمارات العربية، ويشارك شبيحة مصريون وجزائريون في تقتيلهم. تجرب روسيا فيهم آخر أسلحتها، وتستبيح إيران ديارهم وأموالهم، فيفرون إلى "أوروبا حيث حقوق الإنسان"، فتنغرس سكاكين الجنود اليونان في أجسادهم، وتنهال عليهم العصي في مقدونيا، ويرفسون بالأقدام في المجر، ويعاملون أسوأ معاملة في معظم دول أوروبا.
اتفق "العالم المتمدن" على إبقاء الأسد في السلطة، وتفريغ البلاد من السنّة، ولا أشك أن الغرب باع سورية لإيران كما باع فلسطين للصهاينة من قبل. وتم الاتفاق على تشكيل حلف صهيوني شيعي، سيأتي على الدول الإسلامية كلها، بما فيها تلك التي صمتت على هذه الجريمة.
مصورات الأطفال الغرقى، والنساء الثكلى، وأخبار الضرب البهيمي الذي يمارسه "العالم المتحضر" ضد السوريين، والصور التي التقطها صيادون أتراك لجنود يونانيين وهم يُغرقون قوارب اللاجئين، لم تهز مشاعر الغرب، ولم تثر قضية حقوق الإنسان السوري وحمايته. بل لعلها الفرصة المواتية لإظهار "ماما ميركل وبابا أوباما وعمو كاميرون"
أما "ماما" فلم توقف تعاونها مع بشار لحظة، بل هي بالذات من دعم الميليشيات الطائفية لدخول الأراضي السورية وتعويم الأمر دولياً. وأما "عمو" ، فهذه طائراته تقصف المدن السورية كل يوم تحت ذريعة محاربة الإرهاب. وغني عن التذكير ما فعله "بابا" من دعم الأسد والتعهد بحمايته حتى نهاية ولايته الثانية في البيت الأبيض، كذلك دعْم حزب العمال الكردستاني الذي يساهم بدوره في طرد العرب السنة من ديارهم. أما "خالو هولاند" فقد حرق مخيم كاليه الذي كان يقطنه السوريون دون أدنى خجل.
لنفكر بالمسألة قليلاً، يستطيع هؤلاء "الأقارب من ماما إلى خالو" إسقاط الأسد بعدة ساعات، لكنهم لم يفعلوا، وكان بإمكانهم رفض العربدة الروسية في دمشق، ولم يفعلوا أيضاً، وهم أنفسهم الذين غضوا النظر عن دخول الجيش والسلاح الإيراني إلى سورية، ولم يعلقوا على طلب طهران الصريح بتفريغ حمص والزبداني من السنّة، ماذا يعني كل هذا؟
باختصار، تم دعم الأسد منذ بداية المظاهرات، وتشتيت الثوار عسكرياً وسياسياً، وصمت الغرب على جرائم الأسد، وتدمير سورية واستهداف سنتها، كي يخرج السوريون من أرضهم. وتُفرغ البلاد لإيران على الطريقة الفلسطينية. اعتمد الغرب على عدم محاربة مهربي البشر، وأغمض عينيه عن رحيل السوريين إلى أوروبا، بقصد استهداف قواربهم وتعريضهم للموت، ثم إجراء الاحتفاليات البكائية عليهم، عندما أكلتهم البحار، وركلتهم الأرجل، فتم الإعلان المهرجاني عن قبول أوروبا للاجئين. وظهرت ماما وأقاربها جميعاً.
أراد الغرب أن يصيد عدة عصافير بحجر واحد. أولاً أن يظهر أمام الرأي العام المحلي كذلك السوري بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان المتأثر "بالمشكلة السورية". وثانياً، فهو يطمع باستثمار هؤلاء اللاجئين في العمالة الرخيصة في بلاده، إذ سيكون لذلك أثر اقتصادي غير مجهول. وثالثاً، تريد الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا التخلص من شيخوخة المجتمع باستقدام الشباب والأطفال من أي جهة كانت، وما بقي أمام الماما ميركل إلا أن تسمع كلام بابا الفاتيكان بتجنيس هؤلاء وتنصيرهم. رابعاً وهو الأهم، تفريغ سورية من المسلمين، وتسليمها للحليف الإيراني، وتشكيل شرق أوسط جديد لا يُركب فيه إلا ظهور السنّة.
المرحلة القادمة في بلاد الأقارب تعتمد بالدرجة الأولى على إذلال السوريين وإهانتهم بطريقة فظة ، وربط بعض الأعمال المخلة والتخريبية بهم، وبالتالي الضغط عليهم لقبول قوانين خاصة، وجنسيات جديدة ودين جديد أيضاً.
بقي في جعبتنا سؤال: هل سمع أحدكم بمكان تواجد الائتلاف السوري؟ أو سمع صوته؟
*د. عوض سليمان - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية