هل يبيع الجيش الحر المازوت في درعا*

تعودت أنا وصحيفة "زمان الوصل" على تلقي بعض التهديدات والشتائم كلما كتبنا مادة جديدة راعينا فيها الكلمة الحرة الهادفة، والناقدة لأنفسنا قبل غيرنا، ولطالما تلقينا رسائل تتهمنا بالإرهاب مرة، والتطرف أخرى والعلمانية ثالثة. لكن ذلك لم يصرفني يوماً عن الكتابة بما اعتقدته صحيحاً. وقد آليت أن أكتب عن فصائل الثورة من المسافة نفسها بقطع النظر عن مسمياتها.
فرضتُ اليوم على قرائي الأعزاء هذه المقدمة، تمهيداً للقول بأنني تلقيت شتائم جديدة بمجرد الإعلان عن رغبتي في كتابة هذه المادة، على أساس أنني أسيء إلى الجيش الحر من جهة وأسيء إلى محافظتي من جهة أخرى.
لا أجزم أن الجيش الحر يبيع المازوت في درعا، بل وأرجو أن أكون مخطئاً، وقد أجريت اتصالات عديدة مع جهات مختلفة، بعضها أكد وبعضها شكك، وقسم نفى بالمطلق، وأتمنى أن يكون الطرف الثالث هو الأكثر صدقا، لأنه إذا ثبتت هذه القصة فقد فُهم السبب وبطل العجب، وتبينا سرّ خسارة عاصفة الجنوب، وانكفاء جبهات القتال في محافظة توقعنا لها أن تكون فاتحة تحرير سوريا كلها.
بداية الشكوك، أن "الحر"، وافق على القيام "بالعاصفة" في شهر رمضان دون تحضير، فقط لقطع الطريق على جيش الفتح الذي كان ينوي الإعلان عن معركة تحرير حوران، وقد قلقت بعض الدول الإقليمية من ذلك، فاتفقت مع الموك على زج الجبهة الجنوبية بمعركة خاسرة بكل المقاييس.
الحديث عن بيع المازوت المخصص للقطع الحربية والذي يأتي للجيش الحر بشكل مساعدات، ليس جديداً، وتدور حوله شكوك منذ فترة بعيدة، إلا أن النقاش اشتعل من جديد بعد خسارة "العاصفة" ويتهم بعض النشطاء فصائلَ الجبهة ببيع "المازوت العسكري" للمحتاجين بأسعار خيالية، والاستفادة من المال للعيش برفاهية في الأردن.
الأخطر مما سبق، ومع أننا لا نتهم، بل نبحث عن الحق، أن هناك اتهامات متزايدة "للحر" في حوران، بأنه يبيع السلاح نفسه للبدو، والعصابات، وأهل السويداء. والعجيب أن بائعي السلاح هم الذين يروجون لبضاعتهم ويقنعون الآخرين بضرورة شرائها. وإن صدق ذلك فعلينا أن نقرأ الفاتحة على الثورة السورية وأن ننسى إمكانية انتصارها.
أرجو ألا يفهم القارئ الكريم أنني أدعو للتشاؤم، أو أشكك بانتصار الثورة، فلا نزال مصرين على خاتمة مشرفة لانتفاضة أطفال حوران تنتهي بتطهير البلاد من رجس الأسد وعائلته وشبيحته. لكن علينا أن نسأل ماذا يحدث بين الحاضنة الشعبية اليوم وبين أبنائها من الجيش الحر في درعا، ولماذا يحدث. ما معنى أن تتخلص بعض القرى في المحافظة من مكاتب الجيش الحر فيها. ما معنى أن يصل السلاح إلى البدو والعصابات، ولماذا يتم بيعه لسكان السويداء الذين لم يشتركوا في معارك تحرير سورية إلى اليوم.
اطلعت على تقارير لإعلاميين غربيين تشير إلى أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى انتقال المقاتلين إلى الفصائل الإسلامية أو الجهادية في سورية هو تورط عناصر كثيرة من "الحر" في عمليات سرقة ونصب بل وجرائم جنائية.
مرة جديدة لا نتهم، ولا ندّعي صدقية ما جاء في هذه المادة، ولكننا ندق ناقوس الخطر ونطلب من المكاتب الإعلامية في الجنوب أن تكذب هذه المعلومات بشكل علمي.
بكل حال فإننا نطالب الفصائل جميعها أن تراجع نفسها وتصرفاتها، وأن تتقي الله في ثورة الشعب السوري التي ذهب ضحيتها حتى اليوم أكثر من نصف مليون شهيد. وعلى هذه الفصائل أن لا تستغل هذه الثورة وتسترزق من خلالها مالاً حراماً مغموساً بدم السوريين.
*د. عوض السليمان - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية