في كل مرة نستمع إلى تصريحات بعض المسؤولين أو الناطقين الرسمين باسمهم بان الولايات المتحدة تتباطأ في تسليح وإعداد الجيش العراقي بعدما حله بريمر بقرار متخبط غير مدروس مما أضاف مشكلة جديدة لم تكن تخطر على بال الذين أيدوا القرار بشكل ما ويتذكر كل الذين شاهدوا بأعينهم أو بواسطة وسائل الأعلام المرئية أو حتى الذين سمعوا وقرأوا عن ذلك الحل الاعتباطي كيف تُركت مئات الأنواع من الأسلحة الثقيلة والخفيفة للسرقة وللمهربين وغيرهم من فاقدي الضمير وهذه الكميات الهائلة التي كلفت العراق مليارات الدولارات كانت قد تسد حاجة جيش جرار يزيد تعداده تقريباً عن ( 500) ألف منتسب وليس من الصحيح الادعاء بان ذلك السلاح كان قديما ومنتهياً ولا فائدة منه ولهذا السبب البائس جرى عدم الاهتمام به وتركه لكل من هب ودب بدون حتى الشعور بمسؤولية تسربه لقوى تعادي الشعب وتعمل على إغراق البلاد بمشاكل عنفية مسلحة من بينها الحرب الأهلية وقد تستمر لأعوام عديدة، ومن جهة ثانية فقد كنا نشاهد كيف أن الدبابات الأمريكية تدوس على أطنان من الأسلحة الخفيفة المختلفة لتحطيمها وبهذه الطريقة أتلفت مئات الآلاف من البنادق الرشاشة وأسلحة أخرى متنوعة ليتسنى بعد ذلك شراء أسلحة من الطراز نفسه وبنوعية ليس أفضل مما اتلف من ذلك السلاح وهذا ما يكلف اقتصاد البلاد مبالغ طائلة إضافية كان من المفروض أن تصرف على مجالات تحتاجها البلاد، أما قضية طائرات الميك والسيخوي الحديثة والطائرات الفرنسية ميراج 2000 وطائرات الهليكوبتر المختلفة فلا نعرف أين مصيرها وكيف جرى التصرف بها وهل هي أصبحت بيد المهربين والسارقين وجرى تفكيكها مثل ما هو الحال بالنسبة للعديد من الدبابات والمدرعات الروسية ؟ التي جرى تهريب أجزائها " كخردة " وبيعت بابخس ألاثمان.
إن المصيبة التي تكاد أن تكون معضلة لا حل لها هي عدم الاستماع وغلق الأذان وكأن الأمور لا تعني الشعب بل تعني المسؤولين فقط وكأنهم الأكثر إخلاصاً من غيرهم ولهذا ينبري البعض منهم بعدما تصبح القضية اكبر بكثير من حجمها إيجاد الحجج ووضع النواقص على كاهل الغير أو إيجاد التبريرات غير المقنعة التي سرعان ما تكشفها الحقائق الموجودة على أرض الواقع وها نحن خلال أربعة سنوات من الاحتلال وتشكيل الحكومات العراقية نستمع لهذا الصراخ المستمر حول أسباب تأخر تسليح الجيش وهو أمر أصبح أكثر من غريب لا بل يثير الاستغراب والحيرة حيث أصبح الحديث الصريح عن إمكانيات المليشيات المسلحة والمنظمات التكفيرية الإرهابية وأسلحتها المتطورة إذا لم تكن تمتلك أحسن من أسلحة الجيش فهي تضاهيها في الكثير من الأحيان وتتفوق عليها أيضا لولا إسناد القوات متعددة الجنسيات وطيرانها الحربي الفتاك وهي قضية تلفت النظر وتدعو للتقصي والبحث وطرح الأسئلة المشروعة عن الأسباب الحقيقية التي تجعل الجانب الأمريكي يتلكأ ولا يسرع في سد ثغرات نقص التسلح وتجهيز القوات العراقية بالأسلحة الجديدة والمتطورة، الجانب الأمريكي يدعي بضعف التجربة والتدريب وعدم جاهزية الألوية والأفواج العراقية لمثل هذه الأسلحة وهم يشككون من تسريبها إلى الارهابين والمليشيات لوجود خرق من قبل الطرفين لقوات الجيش كما هو حال وزارة الداخلية الذي أكده مؤخراً د علي الدباغ في رد مكتب رئيس الوزراء على بيان جبهة التوافق حيث أشار " قامت الحكومة بطرد أربعة عشر ألف من المشتبه بعلاقتهم مع المليشيات من منتسبي وزارة الداخلية " هذه الأعداد الكبيرة التي تم اكتشافها لكن ما هو مخفي قد يكون أعظم، أما الحكومة وممثليها فهم يدعون أن البيروقراطية والروتين وعدم رغبة الجانب الأمريكي في الإسراع هو السبب وليس سبباً آخر ، بينما هناك آراء مغايرة للادعاء الأمريكي والحكومي وهو أن الأمريكان متفقون مع الحكومة حول تسلسل التسليح البطيء باعتباره يخدم الطرفين في الإبقاء على جيوش متعددة الجنسيات وفي مقدمتها الجيش الأمريكي وهو ينفع الحكومة أو على الأقل يحمي الأطراف الرئيسية التي تبدو قلقة من الانسحاب التدريجي أو السريع بادعاء عدم جاهزية الجيش والشرطة وبالتالي يخدم المصالح الأمريكية التي تسعى إلى إبقاء الجيش الأمريكي أطول فترة ممكنة ، كيف ستحل هذه المعضلة ما بين الجاهزية وغير الجاهزية؟ والجيش يحتاج للسلاح والإعداد والعدة والتدريب لكي يكون بمستوى المسؤولية ثم ليحل محل القوات الأجنبية ويكون أهلاً للحفاظ على أمن البلاد من أي اعتداء أو تدخل خارجي ، أهلاً لدرء الفتنة واستتباب الأمن والحفاظ على وحدة البلاد من المتربصين الذين يريدون التقسيم على أساس طائفي وفي جعبتهم اهداف شيطانية مدمرة.
إن حلمنا ومن حقنا الآن أن نحلم قليلاً في عراق مغرق بالدم والتشاؤم وارجوا أن لا نتهم بالحالمين الطوباوين بجيش وطني يسمو فوق كل الانتماءات إذا ما قورنت بالواجب الوطني والمواطنة الحقة ، جيش يعاد تسليحه بشكل حديث وبالسرعة الكفيلة التي تدعم مواقف الوطنيين الحقيقيين الذين يريدون خروج القوات الأجنبية بأسرع وقت ممكن من أجل مصلحة البلاد ومصلحة الشعب، جيش لا تتحكم فيه النوازع الطائفية والقومية والعرقية والحزبية، جيش يستطيع أن يكون نداً قوياً لكل من تسول نفسه على إلحاق الأذى بالاستقلال الوطني أو الشعب العراقي.. لكن المشكلة ليس فقط في التباطؤ المشار إليه فهناك عشرات القضايا التي تحتاج إلى حلول جذرية وسريعة في مقدمتها الإصلاح السياسي الوطني وليس التناحرات ونشر الغسيل بين الأطراف الرئيسية التي في قمة السلطة التي تتحمل لوحدها هذا التقاعس وهذا الإهمال وغياب الحلول واستبدالها بالترقيعات التي سرعان ما تكشفها الحقيقة .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية