"نصنع من الشجرة آلاف أعواد الكبريت وبعود واحد نحرق آلاف الأشجار"، ولكن الفنان السوري "رمزي أبا زيد" الذي يعيش في مدينة "إربد" الأردنية اختار أن يوقد من على كرسيه المتحرك شعلة الإبداع، وأن ينجز بأعواد الكبريت عشرات الأعمال الفنية التي تنطق بالجمال، ومنها مجسم للجامع العمري استغرق منه جهد شهرين ونصف بمعدل عشر ساعات عمل متواصل وأكثر من 58 ألف عود ثقاب.
بعد تسريحه من الخدمة الإلزامية عام 1996 أصيب أبا زيد بضمور عضلي تطور فيما بعد ليتحول إلى شلل تام في أطرافه السفلية، ولكن هذه الإعاقة لم تثنه عن تحقيق ذاته وابتكار أعمال فنية يشغل بها وقت فراغه الطويل، ويكسر رتابة الملل والضجر اللذين يشعر بهما كل من هو في وضعه.

يقول أبا زيد لـ"زمان الوصل": "أحببت أن أنجز شيئاً مفيداً أشعر من خلاله بالرضى الذاتي وأشغل به وقتي، فالوقت بالنسبة للمُقْعد كما تعرف ممل وطويل، فبدأت بتصميم "الحرم المكي" في بلدة "صيدا" التي فررت إليها مع بداية الاقتحامات على درعا البلد، وأثناء ذلك -كما يضيف- حصلت مجزرة "صيدا" أو ما تُعرف بـ"الفزعة" التي استشهد فيها الطفل "حمزة الخطيب" فاضطررت للجوء إلى الأردن.
بعد لجوئه إلى الأردن بدأ أبا زيد بتنفيذ مجسم للجامع العمري الذي لا يبعد عن منزله سوى 300 متر، وقد أثار إعجاب الناس بموهبته ودقته في ومجسماته الجميلة التي شارك ببعضها في معرض الهيئة الخيرية القطرية، ونظراً للتشجيع الذي وجده من الناس استمر في أعمال أخرى حيث صمم مجسمات للساعة الجديدة في حمص ونواعير حماة.
وحول مراحل عمله وطريقة تنفيذ عمله بأعواد الكبريت يقول أبا زيد: "أقوم بتجهيز قاعدة من لوح بلاتين وأقصها حسب الطول والعرض الذي أرغب به ثم أصمم المجسم من الداخل بواسطة الكرتون، وأحياناً ألجأ إلى كراتين طرود الإغاثة، وأبدأ بإلصاق أعواد الكبريت عليه بعد أن أقوم بإطفائها، وأضيف لمساتي الفنية على العمل من خلال التزيين، وإضافة الإضاءة أوعلم الثورة حتى يخرج المجسم بالشكل الذي يراه الناس".
وعن سبب اختياره لأعواد الثقاب وسيلة لإنجاز أعماله الفنية يقول رمزي أبا زيد: "أحببت أن أقدم شيئاً لم يقدمه أحد غيري يحمل سمة التميز والخصوصية فاخترت أعواد الثقاب رغم أني عملت مجسمات من حبال "المرس" وأكياس الخيش ولكن أفضل تقنية عملت عليها هي أعواد الثقاب.
اختار أبا زيد أن ينفذ مجسمات لمعالم من المدن السورية بادئاً من جنوب سوريا إلى الشمال ليعبر عن وحدة الشعب السوري -كما يقول.

ويضيف أن "بعض الفنانين الذين يعملون بنفس طريقته اختاروا معالم من العالم كبرج إيفل أو سفينة التاتينيك أو تمثال الحرية ولكنه آثر -كما يقول- أن يختار أماكن لها خصوصية في وجدان الناس وذاكرتهم، مضيفاً أنه ركز على الجامع العمري لأنه يمثل شرارة الثورة وأحد رموزها المكانية وكذلك ساعة حمص الجديدة التي شهدت المجزرة المعروفة عقب اعتصام أهالي المدينة حولها.
وتابع أبا زيد: "كنت أنوي إنجاز مجسم ضخم للجسر المعلق في دير الزور ولكن لم أجد من يدعم تمويله علماً أن المواد الأولية التي تدخل في عمله بسيطة وغير مكلفة وهي عبارة عن مشرط ومقص وأقلام الرصاص فرشاة تلصيق والغراء وأعواد الثقاب والكرتون المتوفر بكثرة"، ولكن المشكلة التي تعترضه هي تسويق الأعمال إذ لا يرغب بتراكم الأعمال لديه دون الإستفادة منها وتسويقها.
وكشف أبا زيد أن الجزء الأكبر من مردود أعماله أي بمعدل 75 % يذهب لجرحى الثورة في سوريا والجزء المتبقي له كونه مقعدا ولا معيل له.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية