أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الدين و السياسة أيضا .... مازن كم الماز

كان الأخ علي عبد الله على حق في نقده لمقاربات العلمانيين في مقالته المنشورة في صفحات سورية : فعاليات تدين السياسة و تسييس الدين , هذه المقاربات التي لم تلاحظ أو اختارت ألا تلاحظ استخدام النظام لرجال الدين و تسخيرهم لخدمة حملاته الإعلامية و أن تقتصر في نقدها على خطابات قوى و تيارات سياسية أو فكرية إسلامية..في الحقيقة علينا هنا أن نحاول إعادة صياغة الجدل أو الخلاف بين العلمانيين و الإسلاميين..هذا الجدل يفترض ألا يكون خلافا على إقامة دولة أو سلطة علمانية و لا دولة أو سلطة إسلامية..إذا كان الجدل العلماني – الإسلامي يفسر هكذا فهذا يحوله إلى جزء من محاولة تبرير شرعية الأنظمة القمعية الفردية التي تحكمنا تماما كما لاحظ علي العبد الله باستخدام "شرعية" علمانية أو إسلامية..تصوروا مثلا أن يعتبر البعض أن الطريقة الوحيدة أو الأفضل لإثبات وجود الله هي في إطلاق النار على رؤوس كل من ينكر وجوده أو أن يعتبر البعض أن أفضل طريقة لإثبات صحة المادية التاريخية يكون بإعدام كل من يرفضها أو ينكر صحتها أو أن يعتبر البعض أن أفضل طريقة لإثبات تفوق أمريكا "الديمقراطية" كزعيمة للعالم الحر يكون بإلقاء قنبلتين ذريتين على يابانيين "معادين للديمقراطية و الحضارة" وصولا إلى الفتك بأرواح 600 ألف عراقي بقصد تحريرهم..إنني أفترض أن قضايا خلافية بين البشر قضايا فكرية بمعنى أنها توجد أو تدرك على الأقل بالتفكير المجرد عن الواقع كوجود الإله مثلا أو المادية الديالكتيكية أو التاريخية أو صيغة الحكم الأمثل , أن محاولة طرح هذه القضايا الخلافية بين البشر على أنها "مطلقة الصحة" "واضحة وضوح الشمس" تماما كبساطة التفريق بين اللونين الأبيض و الأسود فيه اعتداء صارخ على الحقيقة أولا و من ثم على الناس إذا ما تمت محاولة فرضها على طريقة رجال المخابرات , هذه الطريقة المقنعة جدا و القاضية في أي جدل فكري أو سياسي و لو أنه كما اتضح من كل التجارب حتى اليوم أنها فاشلة في مصادرة الحقيقة و لي ذراعها لتصبح مجرد صدى لهذه "الحقيقة" المطلقة أو تلك..و لأنه من الضروري أيضا تفسير العلمانية خارج إطار حاجة الأنظمة إليها أو استخدامها في منظومتها للسيطرة على المجتمع من جهة و لأن البعض ما يزال يصر على أن العلمانية هو منتج صنع في الغرب و مرتبط بممارسات الكنسية الكاثوليكية تحديدا دون سائر المؤسسات الدينية في العالم و خاصة الإسلامية منها فسأعود بالزمن إلى وقت الحضارة العربية الإسلامية لأحاول عرض الطريقة التي تعاملت بها المؤسسة الدينية مع "العلمانيين" الذين كان اسمهم يومها "زنادقة" أو "جهميين" أو باختصار كفار أو مشركين و أحاول تحديد مفهوم العلمانية استنادا للجدل الفكري يومها أي ما قبل ظهور الحداثة الأوروبية التي تنسب إليها العلمانية كمفهوم و نظرة للعالم..يومها كانت المؤسسة الدينية كما هي اليوم تعمل من خلال ظل السلطة المطلقة يومها كانت تصفق للحاكم عندما كان يضحي بالجعد بن درهم أو و هو يقطع أوصال ابن المقفع و يرميها في التنور أو عندما كانت كتب ابن رشد تلقى في النار و أحيانا أخرى كان عليها أن تكظم غيظها بسبب بقاء هؤلاء "الزنادقة" على قيد الحياة طبقا لمشيئة الحاكم المطلق و تكتفي بتوعدهم بالويل و العذاب كان هؤلاء "العلمانيين" عندها أكثر خطورة من جلادي السلطان المطلق كانوا العدو رقم واحد و استحقوا لذلك كل هذا التكفير و اللعن و الوعيد..في الحقيقة لقد بقيت المؤسسة الدينية قادرة على أن تلعب دورا أخلاقيا لأنها إلى حد كبير بقيت خارج إطار السلطة و ممارساتها و عسفها ضد المجتمع بقيت ضحية أو شريكا صغيرا غير ظاهر و إلى حد كبير بريئة من كل جرائم السلطة لكن إصرار التيارات الإسلامية اليوم على تسييس الإسلام و بناء سلطتها على طريقة العسس أو المخابرات سيؤدي بالضبط إلى ما قامت به الكنيسة حسب نيتشه من نزع قدسية المقدس و سيكون فيه مقتل دورها المجتمعي المستمر حتى اليوم..لقد سقطت الستالينية بسبب أدائها التسلطي على المجتمع و مثلها الحركة القومية العربية..إن الدور هو الآن على الإسلاميين و المدخل هو ذاته قهر الآخر و المجتمع باسم الحقيقة المطلقة التي قد تكون شعبوية في البداية دون أن يعني ذلك أنها كذلك "إلى الأبد"..إن هذا الشعار الذي يستخدمه النظام السوري يختصر هذه المقاربة المخابراتية بالضرورة للحقيقة و للجدل الفكري و السياسي الإنساني..


(140)    هل أعجبتك المقالة (155)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي