أريد عصام الزعيم حياً

رغم مقتي للشخصنة واختزال الأوطان بأشخاص وحالات، وما تركت تلك الذهنية ومن استباحة لدى الرمز وتواكل لدى الرعية، بيد أني أحنّ، وعلى نحو لا يوصف، لرجل من العيار الثقيل، يستطيع الصفع بكف المنطق والوطن، علنا نستفيق مما كسانا من تغييب ولهاث وراء السراب، بعد أن استيقظت بدواخل معظمنا، العشيرة والقبيلة وغصنا بوحل الأوهام لدرجة اللاعودة.
لا أعلم يقيناً، أو لا تبرير مقنعا لدي، لماذا عصام الزعيم الآن، وما الفائدة التي قد تجنى من نبش قبور الكبار، في زمن كساه الصغار، أو من في حكمهم، بخيبات وأوجاع وتبديد آمال.
ربما، لأني لم أفِ بوعد قطعته لروح عصام الزعيم، بأن أكتب بذكرى وفاته لطالما أنا علي قيد الحياة، فتقاعست بعد ثلاثة أعوام، أذكر أني بدأتها بهمة وألم "مات عصام الزعيم بضيق التنفس وضيق ذات اليد وضيق المكان وضيقنا على اتساعه، مات سريعاً وكفناه سريعاً ودفناه، لندفن معه عوراتنا وأسباب موته"، ومن ثم فترت همتي، ربما بسبب اللاجدوى التي خيمت على دواخلنا، وليس بسبب وعيد وملامح تهديد، وجهت إليّ، وقت ضربت تحت الحزام للأسباب الحقيقية لقتل "الزعيم".
أو، لعل افتقادنا هذه المرحلة، لموجه كبير وشخصية عامة، بحجم عصام الزعيم، هو سبب تخييمه على روحي ومخيلتي فقفز اسمه وذكراه، وربما هذا هو السبب الأقرب للإقناع، لنفسي المترددة على الأقل، فبعد "كلما آخينا عاصمة رمتنا بالحقيبة" ووصول ثورتنا وسوريتنا لمواقع التشويه والشفقة، بات البحث عن مخلّص، سبباً كافياً ليقفز الزعيم وأمثاله من قامات، وإن قلة، على الذاكرة، في "زمن البرد" وسعينا لقليل دفء، ولو قتلنا. أذكر من خلال معايشتي لعصام الزعيم، ولسنين طوال، أنه وصل أواخر أيام حياته، من اليأس واللا أمل، كما نحن عليه حيال ثورتنا اليوم، وأذكر كما التو، يوم أراد اصطحابي معه لدير الزور قيل وفانه بيوم وشعوري بالذنب حتى اليوم لاعتذاري، وأذكر كل ما في ذلك الرجل من موسوعية وعفة ورجولة.
كما لا أنسى الفارق بين جل السوريين وبينه، لجهة العطاء والعملية والتعالي على الصغائر، فرغم أنه -ربما- الجريمة الإدارية والاقتصادية والسياسية الأكبر التي اقترفها الأسد الوريث، حتى قبيل الثورة، بيد أنه تعاطى مع سوريا وكأنها أمه ورد الجميل لها لا يرتبط برد فعل، أو أي نفعيات. ذهب ليموت على ضفاف الفرات السوري، ليقول ما يمكن قوله للسوريين، علّه ينهض ولو ببارقة أمل بداخل أحد المحبطين، لكن من سوقوا أنفسهم "زعماء" واتكؤوا على سني نضال وسجن ومعارضة، سقطوا خلال امتحان ثورة السوريين، وأماتوا الأمل لدى المتطلعين.
أو ربما ما زج بذكرى أبي المجد الآن، أن لا ناطق رسميا باسمنا ولا من معرٍ لما يميتنا، فعصام الزعيم الذي قال لا لسامر الأسد في زمن الـ"نعم"، واتهم بتبديد "المال العام" كفالة شركة "بيكو" الألمانية الموجودة بالمصرف التجاري السوري ليومنا هذا، كان لديه عين ورأي ورؤية، تبعده عن الخلط بين الوطن وحقوق الأجيال، وفي إحدى ما يمكن أن تدلل عليه، انسحب من مؤتمر "مالغا" باسبانيا، المؤتمر الصناعي الأوروبي المتوسطي عام 2002 لمشاركة "إسرائيل"، لكن انسحابه جاء تاليا لبيان أرّق الحضور، وزعه وقرأه ليعري الصمت الدولي على جرائم الاحتلال، وأذكر مما قيل فيه وقتها من وزير الصناعة اليوناني نيكوس كونداليس "هذا الرجل فخر لبلده" في حين يتهافت رجالات اليوم للمؤتمرات والسفارات، وإن جلسوا على دكة الرشى والاحتياط.
خلاصة القول: لم يسئ للإسلام منذ الدعوة المحمدية، كما يساء له اليوم، ولم يخيم الإحباط على أنفس السوريين وربما العرب، كما هو الآن، وربما من قبيل عجزي عن توصيف وتغيير ما يجري، لجأت لمن آمنت بذهنيتهم وثقافتهم وتأثيرهم، فكما أتشهّى على الدوام أن يكون ممدوح عدوان معايشاً للثورة، كذا أتمنى عصام الزعيم، وإن في مشتهاي بعض خوف من أن يسقط هؤلاء الكبار في اختبار الثورة...كما سقط كثيرون.
عدنان عبدالرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية