مرّ، حتى الآن على الأقل، مرسوم ملك المغرب محمد السادس القاضي بمنع الأئمة والخطباء وجميع المشتغلين في المهام الدينية، من ممارسة أي نشاط سياسي، أو اتخاذ موقف سياسي أو نقابي أو حتى القيام بكل ما يمكنه وقف أو عرقلة الشعائر الدينية. مرّ دونما تكفير الملك أو حتى الدعوة للقصاص منه لأنه "مرتد" وفق النمط السائد والفتاوى المعلبة التي تأتي بلاد الإسلام، من خارج الحدود ووراء المحيطات.
ببساطة، لأن الملك، وعبر القانون الجديد، علمن المملكة، وإن بكلمات سلسلة وغير صادمة، وترك شيئاً من الوصاية، التي تختلف -ربما- عن جوهر وتعاليم الدين، وعن العلمانية في آن، بقوله "الالتزام بأصول المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وثوابت الأمة المغربية، مع مراعاة حرمة الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي وواجب ارتداء اللباس المغربي".
وهو ما تقوله العلمانية تعريفاً "فصل الحكومة والسلطة السياسية عن السلطة الدينية أو الشخصيات الدينية"، وإن كانت تزيد بحرية المعتقد "عدم إجبار الحكومة أو الدولة أي أحد على اعتناق وتبني معتقد دين أو تقليد وكفالة حق عدم اعتناق دين معين وعدم تبني دين معين كدين رسمي للدولة"، بمعنى عدم خضوع القرارات البشرية، والسياسية منها على وجه الخصوص، لتأثير المؤسسة الدينية.
قصارى القول: ترددت كثيراً قبل التطرق إلى موضوع الأديان، في واقع مختلط غدا التكفير خلاله مجرد كلمة، أو حكم، يلقيها أو ينطق به شخص بحق آخر، فيأتي ثالث ليطبق "شرع الله" بضرب عنق الكافر.
بيد أن ما حل بالأمة جراء إلباس دول الربيع العربي تحديداً عباءة الإسلام مقلوبة، أفقد الإسلام الحنيف من مسلميه ما لم يفقده طيلة استهدافه منذ 14 قرناً، وأساء المتأسلمون الجدد للإسلام، أيضاً كما لم يسئ له منذ صدر الإسلام وعهد الخلفاء وعصر الخوارج.
فضلاً عن انتهاج عقائد وتفاسير متباينة بجوهرها وأحكامها، بين دعاة الإسلام الجدد فيما بينهم، فالكافر هنا مسلم هناك، ومن يحكم باسم الدين بصفته مرجعاً عند هذا الفسطاس، مرتد يجب ضرب عنقه لدى الفسطاس الآخر.
لذا، وفي واقع زحف ضياع سوريتنا وتعميق الشقاق فيما بين أهليها، ربما الأنسب الابتعاد عن القتل باسم الله والدين، والتمييز على الدوام بين الدين كنص ثابت ومقدس، وبين الفكر الديني والاجتهادات لتلك النصوص، التي يلبسها كل فريق تبريراته ويقفون جميعهم كسد منيع في وجه ما خرج السوريون له من عدالة وحرية، خوفاً على مصالحهم الدنيوية وليس حرصاً على أديانهم كما يدعون.
خلاصة القول: ليس من دولة ثيوقراطية بالعالم تحكم باسم الدين وتركت الدين لصيقاً لاسمها سوى إيران، وليس من فتاوى بالقتل وقضم حقوق الآخرين لتمرير مسعى الامبراطورية الفارسية إلا عبر ما قاله الخميني ويسير عليه ما يسمى المرشد الذي يتكلم باسم الله على الأرض، كما ليس من دولة أخرى تسعى للاقتداء بإيران سوى إسرائيل، ولعل الخلط بين دولة إسلامية والحكم بتعاليم رفعية إسلامية، هي ذريعة أخرى وخلط متعمد يعتمده من يغيب الناس ويشغلهم بعدد الحوريات وأن الطريق إلى الجنة لابد أن يمر عبر جثث ورؤوس المرتدين.
عود على بدء، قطع ملك المغرب بمرسومه السابق أمس، الطريق على ما كانت ربما ستشهده بلاده، فمنع رجال الدين من العمل بالسياسة ليبقوا محايدين متفرغين لدينهم، وصان حقوق المسلمين دون أن يفتح الباب على التجارة بالإسلام أو القتل والحكم باسمه.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية