هكذا قال المخرج السينمائي السوري «محمد ملص» عندما عبر عن سخطه من البرج الذي عمرته شركة اتصالات كبرى في سورية، تماماً على بعد ستة أمتار ونصف من نافذة مكتبه الواقع في احدى غرف بيته الذي يعيش فيه «بحي الشهبندر» مع أسرته الصغيرة المكونة من زوجته السيدة «انتصار ملص» وابنيه عمر ونوار الطفل الذي لم يتجاوز السادسة من عمره، يروي ملص الحكاية لجريدة تشرين «عندما عدت من التصوير ليلاً فوجئت انه على بعد سبعة أمتار أو ستة هناك ورشة تعمل على تركيب «غرف معدنية مغلقة» ذات مكيفات موجهة الى نافذتي حيث أعمل في مكتبي لساعات طويلة في الكتابة والقراءة، كان العمل يجري بصمت وخفاء فلم أتمكن من ماهية ما يجري أمامي، لكن وفي صباح اليوم التالي وقبل ذهابي الى التصوير شاهدت أنبوباً معدنياً طويلاً ذا أجنحة يختص بالبث، وعرفت أن الأمر يعود الى شركة موبايلات سيرتيل.
ثم عرفت أن هذه الغرف المعدنية عبارة عن مجمع تقوية للشركة المذكورة، وأثناء جلوسي الى الطاولة في الغرفة ـ والحديث لملص ـ كنت أحس ان هذه القوة تقتحم نوافذي وأنها حين ستعمل لابد من أنها سوف تبعث في وجهي كل الاشعاعات والذبذبات والدارات المخربة للجسم الانساني فتساءلت: ما هذا الذي يحصل؟ كيف يمكن السماح بتركيب شبكة بث وتقوية للموبايل على بعد سبعة أمتار من البيت. وقد أعلمني أحد الخبراء الفنيين الذين قدموا من مؤسسة الاتصالات لمعاينة المكان وتبين لهم ان المسافة لا تقل عن سبعة أمتار تقريباً في حين انه في مواثيق الشركة المذكورة يجب ان يبعد البرج عشرين متراً على الأقل من أي مكان سكني، وقال أحد المهندسين: ان هذا البرج لن يبث في وجهي الراديو والاشعاعات المخربة وحسب بل التهوية الساخنة التي ستخرج من المكيفات أيضاً، لأنها موجهة تماماً الى نوافذ بيتي»..
عندما تهاجم بالموجات الشعاعية!..
من جانبها قالت السيدة انتصار ملص: «القصة واضحة هناك متعهدون ومقاولون هم الذين يركبون أبراج الاتصال مقابل أجر سنوي لصاحب سطح البناء الذي سيشيد عليه البرج والمبلغ يصل الى 400 ألف ليرة سورية..
ماذا أقول؟ لا مجال للقول عندما تهاجم بالموجات الشعاعية وأنت على كرسيك في المنزل مقابل أموال تدفع للاعتداء على الحق العام وحق الانسان، ـ والحديث للسيدة ملص ـ أنا سأقاتل ولن أتساهل معهم، وسأنسفها إذا اقتضى الأمر دفاعاً عن بيتي وابني وزوجي!!..
هذا هجوم همجي على حياتنا، فإما هم مجرمون وقتلة أو جهلاء يستغلون حاجة الناس للمال، وفي ليلة معتمة يركبون هذه الأبراج، لكنها لن تعمل حتى ولو على أرواحنا.. هل القصة أصبحت، هكذا، تهجيراً؟!..
وتساءلت السيدة الغاضبة: أين وزارة الصحة عند الموافقة على إقامة هذه المحطات ووضعها في كثير من الأماكن البائسة والعشوائية، والأخطر من ذلك هو وجود هذه المحطات على أسطحة المدارس الابتدائية، ماذا يريدون ان يسرطنوا أطفال البلد؟!..
الناس يقولون ان المحافظ أمر مرة بإزالة احدى هذه الأبراج لكنهم لم يتمكنوا من إزالتها، هذا ما حدث للزميل الصحفي الذي يعمل في جريدة تشرين.. وتضيف «ملص» سمعت أنه في أحد الأحياء صعد بعض الشبان وقاموا بتخريب احدى هذه المحطات عندما لم تستجب الدولة والجهات الرسمية لشكواهم، فتعرض هؤلاء للتوقيف؟ ماذا يعني؟ هل هذه الأبراج قضاء وقدر؟
صرختي ستكون أقوى من صرخة أنطونيوني:
المخرج السينمائي محمد ملص قال لدى سؤاله: فيما لو قمت بتحقيق فيلم عن هذه الأبراج كيف ستبدؤه؟ ما هو المشهد الأول الذي يتبادر الى ذهنك؟
«سأبدأ الفيلم بصرخة الأطفال وأبناء البلد، الاف الشخصيات التي تقف على الأسطحة وتصرخ: احمونا.. احمونا، احموا أطفالنا من أبراجهم؟!..
وستكون صرخاتهم أقوى من صرخة أنطونيوني..
وأضاف: بدلاً من ان تكون دمشق الجميلة وخاصة ان احتفاليتها كعاصمة للثقافة، أن تكون عاصمة للصحون اللاقطة للبث التلفزيوني وأبراج الاتصالات بدل ان تغطى بالقرميد والأزهار.. اصعد الى قاسيون وشاهد هذا الخراب.. شاهد أسطحة بيوت دمشق، لذلك أنا أطالب ممن يحبون دمشق ان يدافعوا عنها وان تكون دمشق بحق عاصمة للثقافة العربية لا عاصمة صحون لاقطة وأبراج».. ثم أنهى محمد كلامه ناظراً بغيظ وحزن من نافذته الى ذلك البرج، وقال كمن يفكر أمامك بصوت عالٍ: سأنسفه إذا اقتضى الأمر!!..
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية