ديميريل.. موجز لزعيم زلزل الأسد، وقلب طاولة "حافة الهاوية" عليه
في عام 1998 وبينما كان حافظ الأسد يسابق السرطان الناهش في جسده لتثبيت أركان حكم وريثه "بشار"، وجهت الجارة تركيا أكبر رسالة تحد وتهديد شخصية لحافظ، اضطر للانحناء أمامها بل ولتقديم مزيد من "التنازلات"، التي ربما لم تكن في ذهن أنقرة وهي تزأر في وجه "الأسد".
ومع إن العلاقات التركية-السورية لم تعش طوال عقود لحظات هدوء، وكان مبنية على الارتياب والتربص، إلا أن 1998 جاء بتهديد مختلف، وضع حافظ الأسد ونظامه على "حافة الهاوية"، وأثبت بالدليل الملموس أنه لا يحسن لعب "سياسة حافة الهاوية" كما يدعي ومن يروجون له، ولايطيق تحمل تبعات هذه السياسة عندما تكون "الهاوية" فعلية، وليست مجازية، وعندما تكون تكلفة الهاوية زواله مع أسرته عن عرش سوريا.
مر في تاريخ تركيا جنرالات كثر وسياسيون مشبعون بالروح القومية حتى التخمة، بعضهم كان استعلائيا أكثر من اللازم، لكن تهديداتهم لحافظ لم تتجاوز حد أفواههم، إلا "سليمان ديميريل"، الذي طوع حافظ الأسد وسحب من يديه "أوراق ضغط"، كان يلعب بها في وجه أنقرة كما يلعب الحاوي بالبيضة والحجر.
"سليمان ديميريل" الذي قضى اليوم الأربعاء، والذي سمي لقوة مواقفه وشخصيته القيادية الفذة، "أبو السياسة التركية"، يستحق من السوريين لقبا إضافيا ربما يكون "مزلزل عرين الأسد"، حيث كانت لتهديداته الحقيقية وقع الزلزال على حافظ وآله، إلى درجة أنه لم يترك أحدا من سياسي المنطقة والعالم المرتبطين بنظامه إلا وسطه من أجل "إزاحة" غمة التهديد التركي، وعلى رأسهم رئيسا مصر وإيران (حسني مبارك، محمد خاتمي).
لكن "ديميريل" الذي كان رئيسا لتركيا حينها، رد جميع الوساطات، وحرم حافظ من ممارسة لعبته المحببة في إطلاق الوعود الخلبية والتسويف، مثبتا عزما لايلين في انتزاع ما اشترطه، أو "انتزاع" رأس النظام الحاكم في سوريا.
ولم يطل الأمر بحافظ ليعلم أنه أمام خصم مختلف، يقرن أقواله بالأفعال، فقرر أن يدفع الثمن وفوقه "حبة مسك"، وحصرا من خلال البوابة الأمنية وبرعاية ضابط طائفي، وليس من خلال البوابة السياسية أو الدبلوماسية، لعلم حافظ بأن "ديميريل" مطلع على حقيقة النظام الذي تحكمه المافيا المخابراتية الطائفية، ولا تشكل فيه الهيئات الدبلوماسية والسياسية سوى مجرد "ديكور".
أسفرت تهديدات "ديميريل" وتصميمه الفولاذي، عن سلسلة "تنازلات" لا زال نظام الأسد يلعق جراحه من ورائها، لخصت بعضها اتفاقية مكتوبة سميت "اتفاقية أضنة"، لازال كثير من فقراتها طي التعتيم، وخطوات عملية، مع تعهدات ضمنية ربما تفوق في قوتها كل المعاهدات، شملت فيما شملت قضية "اللواء السليب".
اعترف حافظ بملء فمه في "اتفاقية أضنة" بمفردة "الإرهاب"، التي تكررت مرارا في متن الوثيقة لوصف نشاطات مليشيا "حزب العمال الكردستاني"، وكانت هذه أول طعنة يسددها حافظ لمن كان يدعوهم "المقاومون"، تلتها طعنة أشد قوة وعمقا، مع طرد "عبدالله أوجلان" زعيم المليشيا من سوريا، وإعطاء المخابرات التركية صورة عن جواز سفره "المزور" ليلاحقو مساره عبر مطارات العالم، ويقبضوا عليه في نيروبي (كينيا).
قصة "ديميريل" مع تركيا ودوره الريادي في التأسيس لقوتها ومكانتها طويلة جدا، واصطدامه مع حافظ فصل أساسي في هذه القصة، ولعل مؤيدي الأسد يعلمون فداحة الضربة التي تلقوها مع "رئيسهم"، مستحضرين كل ما ينسجونه من حكايات قديمة، من لدن "سليم الأول" وانتهاء بـ"سليمان الوحش".
ولد "ديميريل في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1924، تقلد منصب رئيس الوزراء سبع مرات على مدار عشر سنوات و5 أشهر، وذلك قبل أن يُنتخب رئيساً للجمهورية التركية في 16 أيار/مايو 1993، وحتى 16 مايو 2000. كما أنه مُنع من ممارسة العمل السياسي لمدة 7 سنوات بعد العام 1980.
إيثار عبدالحق - نائب رئيس التحرير - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية