أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ماذا يعني أن أصوم رمضان؟.. ميخائيل سعد

مسحراتي - ناشطون

في سنة 1962 كنت في الصف السادس الابتدائي، كان والدي شرطيا في مخفر حي ركن الدين الدمشقي، وكان أرخص بيت لعائلة مكونة من سبعة أفراد، وتعيش على راتب هذا الشرطي لن تجده إلا على "طريق الطنابر" في آخر البناء "المتعربش" على جبل قاسيون. كنا، نحن أولاد الحي، نفترش الطرقات طوال النهار، ولا نعود إلى بيوتنا إلا لتناول الطعام أو للنوم. وعندما وصل "رمضان" احتل مساحة حديثا، وأصبح جزءا من صخب طفولتنا؛ مَنْ منا سيصوم الشهر كله أو نصفه؟ مَنْ منا كان يفطر "تهريبا" في الخفاء؟ لماذا الصائمون الكبار يكونون "معصبين"، ولا يتحملون "دبان وجوههم" في رمضان؟ ولماذا الأمهات يعملن طوال النهار في المطبخ يحضرن الطعام لنا ومع ذلك يبقين هادئات ومبتسمات؟ لماذا الفقراء ينتظرون الشهر الفضيل؟ ولماذا يقول السوريون: رمضان كريم؟ هذه بعض الأسئلة التي كان أفراد عصابتنا يبحثون عن أجوبة لها، وكنا عندما نختلف، نذهب إلى "قاضينا" السمان "أبو مصطفى" وهو بالمناسبة صاحب بيتنا حيث نسكن، فنسأله ويرد علينا بما يعرف. 

كان الأطفال يعرفون إنني مسيحي، ولكن بنظرهم المسيحي أيضا يصوم رمضان، لأن "رمضان كريم" هو لجميع الناس، وبالتالي كان من الطبيعي أن أصوم رمضان معهم، ولكن عندما كنت أجوع كنت أغشهم وآكل تهريبا، مثل الأغلبية من الأطفال.

 وكان جارنا السمان أبو مصطفى يقول لي قبل موعد الإفطار بقليل: يا ابني ميخائيل، روح جهز حالك للإفطار، وإذا أهلك مو محضرين أكل طيب فخالتك أم مصطفى عندها دائما شي طيب برمضان.

كتبت تلك المقدمة الطويلة قبل الوصول إلى موقف الناس "الآن" من عنوان مقالي ومضمونه، لكي يكون فيها بعض الجواب عن أسئلة الناس المحتملة، فماذا سيقول القراء؟ المسلمون العاديون سيرون في موقف هذا "المسيحي" من شهر رمضان انتصارا لهم ولعقيدتهم الدينية، ولأن الحق واضح فإن هذا الشخص قد وقف بجانبه، وما دام الأمر كذلك فمن الواجب دعوته إلى اعتناق الإسلام الدين الحنيف، لأنه دين الحق، ودين الجنة، وهم يريدون لي الخلاص بدعوتهم لي.

المسيحيون العاديون سيجدون في موقفي هذا نوعا من النفاق والتمسح بالمسلمين، وبحثا عن معجبين، وحصدا للايكات فيسبوكية، وربما بحثا عن موقع سياسي ضمن الإسلام السياسي، الذي لن "يقبضني" أبدا، كما قال أحد نقاد واحد من مقالاتي في زمان الوصل، أو ربما رغبة مني في أن أكون مختلفا، وهذه تعكس حالة مرضية معينة. بكل الاحوال، حسب ما قالوه سابقا وما قد يقولونه بعد قراءة المقال: اهتم بالمسيحيين ودافع عنهم، بدل الدفاع عن المسلمين! في الحالتين، لست معنيا بالرد على أنصار الطرفين، ما أبحث عنه وأريد قوله مختلفا عنهما؛ فأنا أرى في العادات الاجتماعية وفي الطقوس الدينية جانبا مهما من الحياة اليومية، لأنه يعكس ثقافة الشعوب ويعبر عنها، ورمضان وصيامه هو حالة ثقافية اجتماعية لا يجب أن تفصلني، أنا المسيحي، عن وسطي الشعبي الإسلامي، هذا الوسط الذي يعبر عنه في هذه القصة السمان أبو مصطفى، وليس ذلك الصائم العابس الذي يريد أن يضرب الناس منية بصيامه، وكأنه يصوم لهم وليس له.

وفي محاولة مني للتعرف على وجهة نظر شاب إسلامي مهتم بالحوار بين الأديان، توجهت بسؤالي إلى الصديق ناصر ضميرية، فقلت له: ماذا يخطر على بالك، دون رتوش، عندما تسمع أن مسيحيا يصوم رمضان؟

قال: تجربة روحية إن كان إيمانه منفتحاً، أي يؤمن أن الحقائق الإلهية تتجلى في كل الأديان والمعتقدات، ويخطر على بالي هنا أشخاص مثل الأب باولو وبعض الرهبان الغربيين في دير مار موسى كانوا يقومون بذلك أيضاً، كانوا يصمون رمضان.

أخيرا اختم بالرد على سؤالي: ماذا يعني أن أصوم رمضان؟ الجواب ببساطة، هو رغبتي أن أكون سوريا أكثر، وأعرف كيف يفكر ويعيش من يصوم رمضان، فربما ذلك يساهم في تقاربنا من بعض أكثر وفهمنا لبعض، ويجعل انتصارنا على الاستبداد أسرع..أخيرا، رمضان كريم ومبارك وكل عام والشعب السوري بخير.

(146)    هل أعجبتك المقالة (154)

سوري

2015-06-16

أقبل الإنسان الذي في داخلك قبل كل شيء، مسلم أو مسيحي فإننا سنقف أمام الله ونضع صحائف أعمالنا، ولن ينفعنا القديس بطرس ولا عيسى ولا محمد وقتها. فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره. ما أسعدني في مقالك هو وجود الفطرة السمحة في قلب الناس وياليتها تعمُّ علينا جميعًا. أتذكر مرة عند عودتي إلى سورية سألت عن جيراننا وكان من بينهم غائلة أرمنية المرأة هي التي تعمل فيها والزوج هو الذي يربي الأطفال. قالت لي أمي أن المرأة توقت بالسرطان فقلت لها إن شاء الله عم نساعدهم وما أسعدني حين سمعت أمي ترد "أكيد" لأنهم كانوا في قلبنا كأي جار طيب ولم نكن ننظر إليهم إلا كأفراد أسرتنا الكبيرة... الإنسان الذي فينا بمختلف أديانه وعقائده ومشاربه واتجاهاته السياسية والفكرية هو الذي سينتصر وهو الذي سيعيد بناء هذه الأرض الطيبة ويعيد لها مجدها.


ابن دمشق السوري

2015-06-17

معنى أن يصوم رمضان طقل يعيش بين الأطفال في حارة غالبية سكانها مسلمين معنى ذلك الطفولة البريئة معنى ذلك عدم التعصب معنى ذلك لا طائفية بل أحباب وأهل وخلان والحارة بيت تجمع كل الساكنين بدون تمييز ولا تكلف بل بمحبة حتى النخاع من العظام.......هذا هو الوطن الذي كان وهذا الذي ننشد ونحب . نعم للوطن وللمواطنة الصالحة وتعسا للطائفية والطائفيين. مبارك عليكم رمضان وإن شاء الله فرج الله قريب..


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي