في درعا رجال... في القاهرة ربات حجال.. د. عوض السليمان*

اللواء 52 ثاني أكبر لواء ميكانيكي في سورية من حيث المساحة، وضع بالقرب من قرية الحراك، في المنطقة الشرقية من درعا، ليكون طريق إمداده من قرية رخم المحاذية للسويداء، يشرف اللواء سيء الصيت على كل عمليات الإجرام التي ينفذها جيش بشار الأسد في قرى درعا الشرقية من قصف بالمدفعية الثقيلة، ومداهمات للقرى الآمنة وقتل للمدنيين.
قبل عدة سنوات كان مجرد المرور إلى جانب هذا اللواء يثير الفزع، واليوم هو بقبضة الثوار كاملاً بعد معركة سيسجلها التاريخ، معركة القصاص لشهداء حوران، التي أدت إلى تحرير اللواء بالكامل وقتل وجرح ما يقارب من أربعمائة شبيح حسب مصادر مؤكدة.
لا تكمن الأهمية في تحرير اللواء 52 فحسب، بل بانهزام الرغبة الدولية، الأمريكية خاصة، في الحفاظ على بشار الأسد أطول فترة ممكنة وخنق الثورة في درعا، مدعية أنها لا تريد وجود التنظيمات الجهادية في البلاد، دون أن تشرح بالطبع لماذا نشأت هذه التنظيمات، ومتى وكيف.
قامت غرفة العمليات العسكرية التي تشرف عليها الولايات المتحدة والمسماة "الموك"، بمنع المساعدات عن بعض الفصائل المقاتلة في درعا، خوفاً من تلك الكتائب ذات البأس الشديد والتاريخ المشرف في هذه الثورة، بالإضافة إلى درايتهم الجيدة في جغرافية المنطقة الشرقية من المحافظة، كما منعت الثوار من قصف حاجز خربة غزالة الذي يمد النظام بالسلاح والعتاد.
كان الهدف الأمريكي كما الروسي، إعادة تأهيل الأسد والاستفادة منه في الحرب على المسلمين السنة تحت ذريعة قتال تنظيم الدولة، إلا إن تماسك ثوار درعا وطبيعة العلاقات الاجتماعية بين الناس في المحافظة حال دون إحداث الفرقة بين كتائب الجيش الحر وجبهة النصرة التي شاركت في عملية التحرير وأبلت بلاء حسنا، حالها كحال الذين ساهموا في العملية كلهم.
حاول كثير من الذين يحلمون بسرقة انتصارات الثورة السورية التلميحَ إلى أن الذين قاموا بتحرير اللواء هم ثوار مدربون أمريكياً أو إقليمياً، إلا أن ظهور جبهة النصرة في الصورة وهي التي تم تقييدها على لائحة الإرهاب، فنّد المزاعم بأن يكون لأي دولة دور في هذه المعركة، وما هي إلا سواعد المقاتلين السوريين الذين قدموا خمسة عشر شهيداً في العملية الناجحة.
من أحسن الصدف، أنه وبينما كان مؤيدو الأسد يجتمعون في القاهرة، للتآمر على الثورة السورية وثوارها، تحت مظلة عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب في مصر، كان المقاتلون في درعا يدكون مواقع بشار، ويضيقون الخناق عليه في دمشق.
جاء قول السيف في درعا ليفرغ اجتماع القاهرة من مضمونه، وليحمي انتصارات الثورة السورية، ويضع المجتمعين في بيت السيسي في موقف لا يحسدون عليه، فلا تبعد محافظة حوران عن دمشق أكثر من مائة كيلو متر، ويعرف الأسد كما يعرف هؤلاء وسادتهم في واشنطن وموسكو، أن ثوار درعا هم من سيخنق الأسد وأنهم في طريقهم إلى ذلك بالفعل.
عندما بلغتنا أنباء تحرير اللواء تذكرنا أيضاً، أن على خالد خوجة أن يتمسك بمبادئ الثورة، وأن يتعلم من الثوار لا من شبيحة الأسد، وعليه أن يعرف كيف يحترم علم الثورة، وأين يضعه، فهو العلم الذي سيرفرف فوق الرؤوس قريباً، ولن يكون لعلم لؤي حسين أو منى غانم أي قيمة.
لم تكن معركة اللواء 52 انتصاراً على الأسد، بل انتصاراً عليه وعلى أسياده في إيران، كما كانت ضربة موجعة للولايات المتحدة، قد تجعلها تعيد التفكير بمصير حليفها القديم.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية