بعد أيام على إقرار الحكومة بيان «حق المقاومة»، وارتفاع الحديث عن تخوّف إسرائيل على مصير طائراتها وطيّاريها في لبنان، وعشية قمة دمشق وقرب التعيينات في وظائف الفئة الأولى، وخصوصاً قيادة الجيش، ظهر في لبنان «فجأة» من سيتسلّم في أيلول المقبل مسؤولية القيادة الوسطى الأميركية، ديفيد بيترايوس، الذي لا يزال يشغل منصب قائد قوات الاحتلال في العراق.
في ثالث خبر بعد استئناف بثّها يوم أمس، أعلنت الوكالة الوطنية للإعلام خبر وصول بيترايوس إلى مطار بيروت «على رأس وفد عسكري، في إطار زيارة إلى لبنان». وفوراً بدأت وكالات الأنباء الأجنبية بإعطاء تحركاته ومباحثاته أولوية أخبارها من لبنان، ووصف بعضها زيارته بأنها «مفاجأة»، واكتفى البعض الآخر بالقول إنها «غير معلن عنها مسبقاً»، وعزت إحدى الوكالات الشح في المعلومات إلى أن الوكالة الوطنية «لم تشر إلى طبيعة هذه الزيارة وبرنامجها».
إلا أن المفاجأة وعدم الإعلان مسبقاً، لم يمنعا وجود برنامج لقاءات رسمية لأعلى مسؤول عسكري أميركي في منطقة الشرق الأوسط الكبير، من لبنان إلى الخليج فأفغانستان وشمال أفريقيا. فقد استقبله رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة ووزير الدفاع إلياس المر وقائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري. وبحسب الأخبار الموزعة عن هذه اللقاءات، فإنه بحث في قصر بعبدا «التعاون السياسي والعسكري بين لبنان والولايات المتحدة والمساعدات العسكرية للجيش اللبناني في التجهيز والتدريب، إضافة إلى الأوضاع في المنطقة»، وفي السرايا «جرى عرض للأوضاع اللبنانية والدولية» في حضور الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء سعيد عيد، وتناول البحث مع المر «متابعة برنامج المساعدات المقررة سابقاً للجيش اللبناني»، وفي اليرزة «المساعدات الأميركية الممكنة لتعزيز قدرات الجيش الدفاعية، إلى جانب تفعيل التعاون في مجالي التدريب والدعم اللوجستي». ولفت في بيان السفارة الأميركية عن الزيارة القول إن بيترايوس التقى «نظراءه اللبنانيين»! وأن البحث تركّز على المساعدات الأميركية «للجيش اللبناني ليتمكن من صون السلام والاستقرار وحماية الشعب اللبناني»، مع إعلان أن الحكومة الأميركية «ستواصل تقديم الدعم لمؤسسات الحكومة وللشعب اللبنانيين، في سعيهما إلى حفظ استقلالهما وأمنهما».
■ إسرائيل تغلي قلقاً ونقاشاً
وفيما غادر بيترايوس بيروت، مساءً، متوجهاً إلى بغداد، كانت القدس تغلي بالقلق، حيث واصل المسؤولون السياسيون والأمنيون الإسرائيليون انهماكهم بالبحث عن الوسيلة الأنجع التي من شأنها أن ترفع عنهم الكابوس الذي يقضّ مضاجعهم في الآونة الأخيرة، والمتمثل في الجهود المتواصلة التي يبذلها حزب الله، وفق التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية، لبناء قوته العسكرية وتطويرها كماً ونوعاً، والتي بلغت مستويات باتت تهدّد بتغيير موازين القوى الاستراتيجية في المنطقة، وخلق توازن ردع جديد في تجاوز للخطوط الحمراء، كما يراها الإسرائيليون، التي كان آخرها سعي الحزب إلى امتلاك قدرات متطورة وقادرة على إسقاط الطائرات الإسرائيلية التي تخترق أجواء لبنان. ويبدو من متابعة السلوك الإسرائيلي في شأن هذا الموضوع أن المسؤولين الإسرائيليين يدورون في حلقة مفرغة إزاء السبل الكفيلة برفع كابوس تسلّح الحزب عنهم، ولذا تبدو مروحة خياراتهم واسعة، وهي تشمل المساعي الدبلوماسية والضغوط الدولية، وتطال المطالبة بتفعيل وتنجيع عمل «اليونيفيل» في جنوب لبنان، وتصل إلى حد التلويح بعمل عسكري لإحباط جهود حزب الله.
في هذا المجال، قال مصدر عسكري في سلاح الجو الإسرائيلي، أمس، لصحيفة هآرتس التي وصفته بالمسؤول، إنه «إذا أدخل حزب الله صواريخ جديدة مضادة للطائرات إلى لبنان، فسيكون على سلاح الجو أن يغيّر أسلوب طلعاته في سماء لبنان»، لكنه استدرك قائلاً إن «سلاح الجو عرف في الماضي كيف يتعامل مع تهديدات مماثلة في ساحات أخرى، وكيف يجد حلولاً تمكّنه من تقليص الخطورة المستجدة».
وأضافت الصحيفة أن «كلاً من المستوى السياسي والمستوى العسكري في إسرائيل يجري في الآونة الأخيرة نقاشات متواصلة للبحث في إمكان أن ينشر حزب الله صواريخ كهذه (مضادة للطائرات) فوق جبال لبنان، في محاولة للحد من طلعات سلاح الجو الإسرائيلي، وتدبير حادثة تؤدي إلى مواجهة جديدة مع إسرائيل». ونقلت الصحيفة عن مصادر إسرائيلية لم تسمّها أن «إدخال مثل هذه الصواريخ إلى لبنان هو خط أحمر يلزم إسرائيل إرسال إشارات عنيفة إلى حزب الله».
وكان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية قد ناقش، أمس، في جلسة خاصة «التهديدات اللبنانية وبلورة سياسة إسرائيلية جديدة تجاه الوضع في لبنان». ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن «النقاش تناول الخروق الكثيرة للقرار الدولي 1701، وما ورد في البيان الوزاري المتطرف لحكومة الوحدة الجديدة في لبنان، إضافة إلى مشكلة تهريب السلاح من سوريا إلى حزب الله»، مشيرة إلى أن «إحدى التوصيات ستكون حثّ المجتمع الدولي على زيادة الضغط على سوريا كي تمتنع عن نقل السلاح» إلى لبنان.
ومن إحدى القضايا التي عرضت، مسألة مزارع شبعا. فالمجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة والولايات المتحدة، يواصل الطلب من إسرائيل التقدم نحو حل الموضوع. وبحسب هآرتس، فقد اقترحت إسرائيل في ردّها، أخيراً، تقدّم المفاوضات، بما في ذلك السلام مع لبنان، الذي سيجري في إطاره ترتيب مكانة مزارع شبعا.
كذلك قدمت وزارة الخارجية خلال المناقشة في المجلس الوزاري المصغر صورة عن الوضع في شأن تطبيق الـ1701 وعرض الجهود الدبلوماسية التي حصلت، تمهيداً لإعلان تجديد ولاية اليونيفل في 31 آب.
وفي ما يتعلق بالموقف الإسرائيلي من أداء قوات اليونيفيل في الجنوب، أشارت هآرتس إلى عدم رضى في إسرائيل عن نشاط هذه القوات وأن هناك رغبة في زيادة نجاعة الطرق التي تقوم بواسطتها بعملها.
وقال مصدر سياسي إسرائيلي في هذا السياق، إنه لا يمكن تغيير صلاحيات اليونيفيل، إلا أنه يمكن تحسين أدائها في إطار الصلاحيات الممنوحة لها.
■ للضغط الدولي على سوريا وروسيا
ووفقاً لمصادر سياسية إسرائيلية فإنه «رغم التقدير الإسرائيلي بأن الردع قد تعزز قبالة حزب الله، لكنهم في المؤسسة الأمنية ووزارة الخارجية يعربون عن قلق كبير جداً من وتيرة تسلح الحزب، التي يصفونها بأنها تتحرك بوتيرة متصاعدة، وهناك شعور بالضغط حيال تهريب السلاح إليه، وتحديداً سلاح متطور ضد الطائرات، الأمر الذي يعدّ تهديداً لنشاط سلاح الجو الإسرائيلي في لبنان». وقال مصدر سياسي إسرائيلي أمس، إن «إسرائيل لم تصل حتى الآن إلى استنفاد كل الوسائل السياسية لمواجهة تهريب السلاح إلى حزب الله، والحل يكمن في الضغط الدولي على سوريا وروسيا، لأن جزءاً من السلاح المنقول إلى الحزب هو من إنتاج روسي»، مشيراً إلى «وجوب جعل المسألة في سلم أولويات اهتمام المجتمع الدولي، وتحويلها إلى قضية أساسية في ما يرتبط بعلاقات أوروبا مع سوريا».
في السياق ذاته، حذر مراسل الشؤون العسكرية في هآرتس، عاموس هرئيل، مما سمّاه «أزمة الدفاعات الجوية»، فقال إنه كما حدث في السنوات التي تلت انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان في أيار 2000، يبدو أنه في المرحلة القادمة أيضاً، تهدد مسألة طلعات سلاح الجو في أجواء لبنان بأن تتحول إلى ساحة المواجهات الأساسية مع حزب الله. ولفت هرئيل إلى أنه إذا كان حزب الله قد اكتفى في الجولة السابقة بإطلاق قذائف مدفعية قديمة، دون أن تشكل تهديداً حقيقياً على الطلعات الجوية، يبدو أن الحزب هذه المرة ـــــ بالتعاون مع إيران وسوريا ـــــ يصوّب نحو الأعلى أكثر. وأكد هرئيل حيوية الطلعات الجوية فوق لبنان لجمع المعلومات الاستخبارية عن حزب الله ونشاطاته، وشدد على الدور المهم للمعلومات في المواجهة مع الحزب.
وبحسب هرئيل، فإن التحليل الذي أجراه حزب الله وإيران بعد الحرب الأخيرة على لبنان، شخّص المجال الجوي كنقطة الضعف الأساسية للحزب. ولذلك يسعى الأخير الى إغلاق الفجوة التي انكشفت في الحرب. وهو يرى أن إدخال صواريخ متقدمة مضادة للطائرات إلى لبنان سيضع صعوبات أمام حركة سلاح الجو، كما أن نجاح الحزب في تغطية إعلامية جيدة لاعتراض الطائرات الإسرائيلية سيؤدي الى نشوء توازن ردع إزاء إسرائيل، وسيقدم مبرراً للحزب على الحلبة الداخلية اللبنانية ليواصل التمسك بسلاحه.
ويؤكد هرئيل أن إدخال صواريخ متقدمة مضادة للطائرات ستلحق بالطبع برادار حديث، ستحد كثيراً من تحركات سلاح الجو الإسرائيلي، ونقل عن ضابط رفيع في هذا السلاح اعترافه: «حلقنا فوق لبنان كما لو أنه لا يوجد تهديد مضاد طائرات علينا تقريباً. صاروخ ستيرلا (أس- إي-7) ليس تحدياً مهنياً حقيقياً للطائرات».
وطرح هرئيل السؤال التالي: إلى أي مدى يعدّ إدخال سلاح حديث مضاد للطائرات إلى لبنان «خطا أحمر» بالنسبة لإسرائيل؟ فرأى أن هذا السؤال موضع خلاف في إسرائيل رغم أن الخط الرسمي في الأسابيع الأخيرة يفيد أن الأمر يتطلب رداً عسكرياً صارماً.
■ المقاومة حاجة وضرورة وطنية
وفي بيروت، أمل الرئيس أمين الجميّل، أن تؤدي زيارة رئيس الجمهورية إلى سوريا، إلى «إقرار سوري رسمي» بلبنانية مزارع شبعا. وكرر اقتراحه إجراء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل «بواسطة فرنسا أو الأردن أو غيرهما» لبت موضوع المزارع «وأن تكون هناك مبادرة من الحكومة اللبنانية لنزع الفتيل»، رابطاً «السلم الأهلي والاستقرار بموضوع سلاح حزب الله المرتبط بدوره بمزارع شبعا». وكان الجميّل قد التقى نائب رئيس مجلس الأعيان الأردني عبد السلام المجالي الذي ذكر أن الحديث كان «عن مستقبل هذه المنطقة».
وفي المقابل، رأت كتلة الوفاء للمقاومة أن المقاومة «قوة استراتيجية للبنان وحاجة وضرورة وطنية، فضلاً عن أنها خيار أثبت جدواه عملياً»، معتبرة أن العلاقة الطبيعية بين الدولة والمقاومة في مواجهة الخطر الإسرائيلي «علاقة تناغم وتكامل». وأبدت ثقتها بأن اللبنانيين «قادرون على التوصل عبر الحوار إلى آلية تضمن هذه العلاقة».
في هذا الوقت نبّه الرئيس عمر كرامي، في كلمة ألقاها نجله فيصل خلال لقاء مصالحة في طرابلس، من أموال تنفق «لإنتاج إعلام حربي ولتأسيس ميليشيات تحت مسمّى شركات أمنية»، قائلاً «إن هناك جهة وحيدة بوسعها أن تنفق هذه الأموال الطائلة لتمويل الحروب». ورأى أن «أهل المناطق المنكوبة والمنسية والمهملة، لم يعرفوا أي مشروع إنمائي»، ولكنهم «وجدوا من يسلحهم» لدفعهم إلى الانتحار في حرب «لا نبرّئ منها أحداً».
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية