أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من أين يستمد الشعب الفلسطيني قوته؟.... نبيه عويضة


 واجه الشعب الفلسطيني  عبر مسيرته التاريخية والنضالية ،  الكثير من الصعوبات والعقبات والمؤامرات والضغوطات ، في محاولة لإحباطه وحرفه عن طريقه ، وتنوع من ساهم في إيجادها على امتداد العالم  ، وعلى مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها  ، كل ذلك للحيلولة دون وصوله إلى حقوقه التي منحه إياها الله والتاريخ ، وأقرتها واعترفت  بها الشرعية الدولية .
ورغم كل ما عاناه هذا الشعب الأصيل ، فقد ظل قابضا على الجمر ، متمسكا بمبادئه   ... مدافعا عنها  ...  ملتزما بها  ...  مؤكدا تعلقه بأرضه ووطنه ، ومعلنا في كل مرحلة من مراحل نضاله ، أن كل ذلك لن يزيده إلا صلابة وقوة ، ولن يثنيه عن تحقيق أمانيه وطموحاته  الوطنية والإنسانية ما يواجهه من عقبات وتحديات .
ولكن السؤال الذي لا شك يحير الجميع : من أين يستمد هذا الشعب القابع تحت الاحتلال ، ويواجه كل هذه التحديات ، كل هذه القوة وهذا الصمود الأسطوري ؟
الجواب على هذا السؤال سهل وبسيط جدا بالنسبة لمن يعرف حقيقة الشعب الفلسطيني  ، لكنه صعب على أولئك الذين لا يعرفون ، أو أنهم لا يريدون أن يعرفوا ، وهم بذلك يحتاجون إلى إجراء دراسات  علمية بحثية  مستعينين بجهابذة علماء النفس والاجتماع والسياسة والتاريخ وغيرهم ، للوقوف على حقيقة هذا الشعب .
وبكل موضوعية وأمانة نقول أن مكامن القوة تتمثل في :
أولا : عدالة القضية الفلسطينية ، السياسية والقانونية والتاريخية   ، والتي لا تفوقها في عدالتها أية قضية أخرى في العالم .
ثانيا : التمسك بعاداته وتقاليده وتاريخه وثقافته العربية " الإسلامية والمسيحية "   وتراثه الوطني  ، باعتبارها الحامي للمجتمع من تأثير  الثقافات المحيطة والمستوردة  والتي من شأنها الإساءة له.
ثالثا : شدة الانتماء إلى الأرض  والوطن ، والحب الكبير له.
رابعا : تشبثه بالوحدة الوطنية بمختلف أشكالها وألوانها ومستوياتها   ، رغم محاولات البعض إظهار الأمر على  غير حقيقته .
خامسا : الاعتزاز بالكرامة الوطنية ، ورفض  كل أشكال الضغوط والإغراءات  التي تمارس ضده للتخلي عنها .
سادسا :إيمانه الحقيقي بضرورة ترسيخ الديمقراطية ، والتعددية السياسية ، وحرية الرأي والتعبير ، وإصراره على تداول السلطة   سلميا    ،  رغم رفض البعض " القليل جدا "  التعامل بها لأهداف ومصالح إما شخصية ، أو لخدمة آخرين .
سابعا : قدرته غير العادية على مواجهة مختلف التحديات والصعاب ، التي لا تزيده إلا صلابة وقوة ..
ثامنا : برنامج الإجماع الوطني الذي وحد الشعب الفلسطيني حتى الآن ،  والمتضمن حق العودة وتقرير المصير ، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، كأساس للوحدة الكيانية للشعب الفلسطيني التي تمثلت في منظمة التحرير الفلسطينية .
.
تاسعا : على امتداد المسيرة الفلسطينية كان هناك تغليب التناقض مع الاحتلال ،  على أية تناقضات داخلية وطنية ، قومية ، وإسلامية .
عاشرا : قدرته على فعل المعجزات لو أتيحت له الفرصة لممارسة دوره دون تدخلات خارجية .
إن عشرات السنين من الاحتلال ، وإجراءاته  ، و" سياسة العصا والجزرة " التي استخدمها ، لم تستطع أن تنزع عن الإنسان الفلسطيني   هويته الوطنية الفلسطينية ، ولا هويته القومية العربية ، أو التنازل عن حقوقه الوطنية ،  إنما على العكس من ذلك ، زادته تمسكا بها ، ودفاعا عنها  ، ولقد أكد ت الانتخابات الرئاسية ـــــ 2005 ـــ  والإصرار على إجراء الانتخابات التشريعية ــــ 2006 ـــ  قدرة هذا  الشعب على تذليل كل العقبات ، وإفشال كل الذين راهنوا على عدم نجاحها ،   فجاءت ـــ  وكما اعترف المراقبون الدوليون والمحليون ، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ــــ  على أكبر قدر من النزاهة والشفافية ، واستطاعت الجهات المختصة وبتعاون كامل من المواطنين من جعل يوم الانتخابات حقيقة عرسا  وطنيا يمكن التغني به ، و مثالا يقتدى به من قبل شعوب أخرى طالبت بانتخابات مشابهة ،  وأكد النظام الديمقراطي في فلسطين  أنه يتفوق على الكثير من  الأنظمة في العالم " حتى تلك التي يشار إليها بأنها من الديمقراطيات المتقدمة والعريقة " ، وهذا دليل على ما يختزنه هذا الشعب  من احترام كبير  لذاته ، وحب كبير لمن هو أعز وأغلى ...الوطن.
لقد أشاد الجميع بالديمقراطية الفلسطينية ، وبالشعب الفلسطيني وقيادته على حسن الأداء ، ولكن    ...  وبقدر ما يكون هذا مهما ، ونعتز به  ونفتخر ،  فإن الأهم هو ما ستأتي به الأيام والأشهر القادمة   في ضوء الأزمة الحاصلة الآن داخل الساحة الفلسطينية ، والتجاذبات التي تحاول أن تحرف البوصلة الفلسطينية عن مسارها الصحيح  ، فجميع المخلصين يتطلعون الآن إلى الكيفية التي  تنهي هذه الأزمة  ، وكيف يمكن العمل نحو تعزيز وتعميق الديمقراطية ، والعودة إلى وحدة الصف ، وما هي السبل التي سيتم إتباعها   لمواجهة التحديات الكبيرة في هذه المرحلة من تاريخ النضال الوطني  .
لقد مر الشعب الفلسطيني  عبر مسيرته  بالكثير من الأزمات ، وكان في كل مرة يخرج منها موحدا... متحدا ... كان دائما  يخرج منها أقوى وأصلب عودا  من السابق ، لأن ما يجمعه أكثر بكثير مما يفرقه ،  ومع أن الأزمة الحالية لا شك تعد الأقسى  والأخطر التي يواجهها ، فإننا لا نشك أبدا بأنه سوف يتجاوزها ، انطلاقا من التجارب التي مرت به ، و حكمة ووطنية قياداته   ، الحريصة على الوصول بالسفينة الفلسطينية إلى شاطئ الأمان حاملة معها آماله وطموحاته .
 
رغم ما تقدم ، وقناعتنا به ، فإنه  وللمحافظة على هذه القوة والصلابة وتعزيزها ،  نجد أننا مدعوون ل :
 
أولا : البدء بحملة  تعبوية وتثقيفية وطنية شاملة   ... هادئة  وهادفة ، تخرج الإنسان الفلسطيني من حالة اللاإدراك والتشتت الفكري   بسبب ما يجري الآن على الساحة الفلسطينية ، والارتقاء به  للوصول إلى آفاق أرحب من حيث الوعي والالتزام  والانضباط ، وتبين له مكامن القوة التي يملكها وكيف يطورها ، ونقاط الضعف وكيف يتغلب عليها   ، بمشاركة جميع الجهات ذات العلاقة ، وفي مقدمتها  وسائل الإعلام ، والمتخصصين في علم السياسة و النفس والاجتماع والتاريخ ... وغيرهم .
 
ثانيا : التوجه إلى العالمين العربي والإسلامي  ، وإلى العالم أجمع ،  بخطاب سياسي واحد  قوي ، مقنع ،  و متفق عليه ،  يساهم في حشد التأييد الدولي للقضية الوطنية ، من خلال التأكيد  على رغبتنا بإقامة السلام العادل والشامل ، الذي يحفظ حقوقنا الوطنية ،   ويعيدها  لنا  كاملة غير منقوصة،  انطلاقا من مبادىء الشرعية الدولية ،  وفي الوقت ذاته يشدد على تمسكنا بثوابتنا الوطنية .
ثالثا : إعادة اللحمة للمؤسسات الوطنية في جناحي الوطن ،  والاستمرار  بتعزيز مبدأ استقلال القضاء وسيادة القانون ، مما  يوفر الشعور  بالأمن لدى  المواطن الفلسطيني ، و تشجيع للمستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال من مختلف الجنسيات على توجيه مجالات استثماراتهم  إلى فلسطين ، لثقتهم بأنها مصانة ومحفوظة .
رابعا : بناء الإنسان الفلسطيني على قاعدة  " الانتماء " وليس " الولاء "   ، ليساهم في تصحيح بعض  الأخطاء التي تظهر عبر مسيرة العمل ، من خلال قدرته على  توجيه النقد الإيجابي  الهادف والبناء ، وحماية المجتمع من تراكم الجوانب السلبية المسيئة له .
خامسا : الارتقاء بالمنهاج والمستوى التعليمي الأكاديمي والمهني ، في جميع مراحله  ليتماشى مع واقع التقدم العلمي والتقني  الحاصل من حولنا في مختلف أنحاء العالم  وأهمية ذلك في بناء الوطن .
سادسا : تشجيع التوجه لإقامة مراكز البحث العلمي  على مستوى واسع ومتقدم ، وإمدادها بما يلزم ، وتخصيص ميزانيات   تتناسب و احتياجاتها ، لما  له  من آثار إيجابية  ليس فقط بالنسبة للمجتمع  الفلسطيني ، إنما للبشرية جمعاء .
سابعا : بناء اقتصاد وطني قوي يحرره من التبعية  ، اقتصاد انتاجي وليس استهلاكيا ، يساهم في بناء المجتمع الفلسطيني على أسس قوية ، ويمكن من مواجهة ظاهرة البطالة   المستشرية  خاصة لدى قطاع الشباب ، و يحرر القرار السياسي الفلسطيني  الوطني من  أية ضغوط  قد تمارس عليه  .
ثامنا : تعميق وتمتين الوحدة الوطنية السياج الحامي للوجود الفلسطيني وقضيته , والتي تحول دون  دفعه إلى  متاهات لا يعرف أحد  إلى أين تقود . والعمل بإخلاص من أجل الخروج من الأزمة   الحالية  ، وإعادة اللحمة  إلى الصف الفلسطيني ، وعدم الانجرار وراء الأوهام التي يرسمها من لا يريدون للشعب الفلسطيني وقضيته الخير ، وكذلك الإغراءات الواهية التي يقصد بها فقط  تعميق الشرخ ، وزيادة الفرقة بين أبناء الشعب الواحد .
تاسعا : التحرك كل باتجاه الآخر نحو صياغة برنامج عمل وطني ، وبناء " استراتيجية عليا " متفق عليها ،يمكن  من خلالها أن نتلمس طريقنا نحو تحقيق الآمال والأهداف الوطنية  ، تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ، وعلى أساس وثيقة الوفاق الوطني " وثيقة الأسرى "  ، وإعادة بناء المنظمة ديمقراطيا وفق قانون التمثيل النسبي الكامل ، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده .
عاشرا : العمل على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل على أسس قوية   وسليمة ،  بما في ذلك الاتفاق على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المبكرة على كامل الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية وبضمنها القدس .
حادي عشر : البدء بانتهاج سياسة وطنية تهدف إلى الاهتمام بالأجيال الشابة ورعايتها ، وتوجيهها نحو المستقبل بخطى قوية ...   ثابتة  وواثقة ، من خلال الاهتمام بالموارد البشرية ، واستقطاب العقول  ، وعدم دفعها للهجرة إلى خارج الوطن ، ولتكون قادرة على المساهمة في بناء الوطن  وتطوره ،  وعلى تولي القيادة في المستقبل ، من أجل تحقيق " تواصل الأجيال "  كي لا ينتج فراغ سياسي أو قيادي في مرحلة من المراحل .
ثاني عشر : بث روح التكافل والتضامن الاجتماعي بين أبناء الشعب الفلسطيني ، وإعادة ما افتقده البعض   منها  لسبب أو لآخر ، وإعادة المحبة والمودة بين الجميع ،  لما يشكل ذلك من عناصر قوة تحمي المجتمع من أية محاولات لاختراقه وزعزعته من داخله  ، باعتبار أن وحدة النسيج المجتمعي يعد شرطا أساسيا في تعزيز الصمود الوطني ، وحماية المنجزات ، وتحقيق الأهداف.
25 / 7 / 2007 م .
 
 
 
 
 
 
 

القدس - زمان الوصل
(180)    هل أعجبتك المقالة (185)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي