الخطة دال.. د. عوض السليمان

قبل عدة أعوام، توجهت إلى ثوار درعا محذراً من الخطة "ألف" الأمريكية، الرامية لزرع بذور الفتنة في الجنوب. تنقسم" ألف" إلى شقين، ضرب درعا بالسويداء، وبث الفتنة بين ثوار حوران أنفسهم بحيث يقتل بعضهم بعضاً، وهذا أشد "مضاضة من وقع الحسام المهند".
استطاع وجهاء المنطقة احتواء معظم المشكلات التي نشبت بين محافظتَي الجنوب، بينما نجحت واشنطن أكثر قليلاً في إذكاء روح الخلاف بين الكتائب، ولا أريد التذكير في هذه العجالة باستشهاد ثوار كثر بسلاح رفقائهم، من خلال شراء الولاءات لأطراف إقليمية بضغط المساعدات التي تشرف واشنطن على توزيعها. وقد بلغت الخطة "ألف" ذروتها قبل عامين تقريباً، إلا أن نجاحها بقي محدوداً، مما دفع الولايات المتحدة للاستعانة بالخطة "باء".
دون إهمال "ألف" قامت واشنطن وحلفاؤها بمعركة إعلامية - مخابراتية في سبيل أن تعلن جبهة النصرة درعا إمارةً إسلامية، فتنقض على المحافظة لتدميرها وإطالة عمر الأسد. اشترك الشبيحة في الخطة، حيث تركوا أسلحة ثقيلة في المناطق التي أخلوها في قرى درعا، كي تملك أمريكا مبرراً قوياً للتدخل في سير المعارك.
في الشهر الحادي عشر من العام المنصرم، قطعت الجبهة الطريق على حلفاء الأسد، حيث تنازلت عن ذلك الإعلان، ووقعت ميثاقاً يقره كثير من أبناء درعا. وسقطت "باء" تماماً.
مرة ثانية نجح أهل حوران، في تجنب ضربات التحالف الجوية، وجنبوا المحافظة خطر تدمير البنى التحتية كما فعل الأمريكان في الشمال بحجة محاربة الإرهاب.
وبدلاً من تراجع ثوار درعا ازدادت شوكتهم، وتضاعفت انتصاراتهم، وكان على واشنطن أن تفكر بالخطة "جيم" دون إهمال ما سبق، ولم تجد أمامها إلا الميليشيات الشيعية، التي لم تلق في حوران إلا الذل والهوان، ولعلنا لا ننسى قادسية بصرى حيث مُرغ وجه إيران وأسيادها.
من "جيم" إلى "دال" استمرت الولايات المتحدة في محاولتها تحجيمَ "الخطر الحوراني"، ويتجلى ذلك اليوم في مسألتين خطيرتين: الأولى، تحييد قادة ثوريين عن العمل العسكري، حيث تم الإعلان عن إنشاء مجلس قيادة الجبهة الجنوبية، الذي يستبعد لواء اليرموك وألوية الفرقان وفرقة 18 آذار وغيرها. والثاني، غرس تنظيم الدولة الإسلامية في المحافظة مما يسمح لواشنطن بتدميرها، فهي لا تحتاج هنا إلى إعلان الإمارة الإسلامية ولا لأسلحة فتاكة بيد التنظيم. والأنكى، أن نعلم أن تحييد بعض الفصائل الثورية جاء على خلفية قتالها لتنظيم الدولة والمرتبطين به.
كنا تساءلنا بلا إجابة، عن كيفية وصول التنظيم إلى سورية، ونسأل اليوم عن وصوله إلى محافظة درعا، وانتشاره في أكثر من منطقة، بينما تحاربه أمريكا في الرقة وإدلب، ألا يعني ذلك أنها تريد التأكد من تثبته في درعا كوسيلة للانقلاب على ثوار المحافظة والاحتفاظ ببشار أطول زمن ممكن؟
علاوة على ذلك، فقد رفضت غرفة عمليات "الموك" أي هجوم على حاجز خربة غزالة، وهو الجسر الوحيد الذي يمد الشبيحة بالعتاد والرجال، ولو دُمر هذا الجسر فلن يبقى للأسد أي وجود في درعا، فماذا يعني ذلك غير رفض واشنطن التخليَ عن الأسد.
أربع خطط أمريكية ظاهرة و" مكر الليل والنهار" على درعا ولا يزال بعض ثوراها يعول على مساعدة واشنطن.
كان على رجال درعا الذين ثاروا على ظلم الأسد، وظلم المجتمع الدولي الذي يناصر الأسد، ألا يثقوا بأمريكا ولا "بالموك"، الذي نشأ لحماية الأسد لا لإسقاطه. أين كان "الموك" هذا عندما نشأ لواء اليرموك وقدم خيرة شبابه في طريق الحرية. وأين كان عندما كان بشار وأبوه من قبله يقتلان الشعب السوري بلا رادع. ولكن" من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا".
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية