الجولاني ومنصور في المكان والزمان الخطأ
لا يعنيني كسوري، خارج من الحرب أو يكاد أو يتمنى، أن يصحح كل من "العلوي" أو "الدرزي" دينه، بحسب نظرية "أبو محمد الجولاني"، بل يعنيني بالمقام الأول وقف الدم وإسقاط نظام القتل، والحفاظ على سوريا موحدة.. ولكل أهلها.
لم يكن في فهم المواطنة لدى السوريين أن الدين هو الأساس لتكون صالحا من وجهة نظر النصرة، التي تمنى عدد كبير من السوريين أن تنفك عن تنظيم "القاعدة"، وتنتمي لسوريا وتترك لأهل البلد تقرير مصيرهم ليكون "جهادها" حقا لوجه الله ولدفع الظلم عن السوريين.
لم يتمكن أحمد منصور، أن يلعب نفس الدور الذي كان يلعبه مع سياسيين التقاهم ببرنامجه "بلا حدود"، فظهر مذيعا حربيا، يحاول شد الجمهور إلى "حب الجولاني"، الذي يحمي الأقليات -ويطالب بتصحيح دينهم- والذي يحمي المسيحيين، وينتظر "الجزية" منهم، الذي لن يقتل العلويين لو حققو شرطا بعيدا عن فهم العمل الوطني في هذه المرحلة "تصحيح الدين".. لا التمسك بالوطن ضد الفتنة وتقديم مجرميهم للمحاكم.
من تيسير علوني إلى أحمد منصور، لم تكن مادة "الجولاني" مقنعة لشريحة من السوريين، ولم تكن حتى قادرة على درء بعض مكر الغرب وحججهم حول الإرهاب.
لم يتمكن رونق "الجزيرة" من تصحيح منهج مذيعي القناة، الذين خالفوا القاعدة الأساس في الصحافة، وبشكل فاقع جدا.. فلم يكونوا حياديين.. بل خبراء تجميل، يستخدمون مساحيق غالية الثمن لتجميل ما يصعب تجميله في عيون السوريين، ولو اقتنع به بعضهم فسيكون ثمن ذلك دم.. في المستقبل.
لا بد أن تفهم كل القيادات الإسلامية.. وخصوصا من يؤكدون على السلفية الجهادية الشامية.. أن من بديهيات سوريا.. الاعتدال، وبناء وطن لكل السوريين.. وأن السوريين كان إسلامهم حسنا، قبل ظهور مصححي عقيدة الأقليات.
نعلم كسوريين أن العلوي أو المسيحي لن "يصحح" أو يغير دينه.. وبالتالي عندما تخيره بين معتقداته أوالموت، فأنت عمليا تحكم عليه بالإعدام، وتنطق بالحكم من شاشة الجزيرة بحضور أحمد منصور، لتذكرنا بطريقة أو بأخرى بقضاة الإعدام في مصر.. فهم حكموا على الإسلاميين بالإعدام لأنهم لم يصححو ولاءهم السياسي، أما الجولاني ومنصور وعلوني فيحكمون على "الأقليات" بالإعدام لأنهم لن يصححوا معتقداتهم.
مازال الجيل القديم في الجزيرة يثبت أنه غير قابل للتطور، وأن شغف الذات وصل لحد أن يكون منصور وغيره، هم من يحدد سياسية الجزيرة بمغامراتهم الصغيرة.. التي لم تنجح في استعادة أمجاد القناة في أفغانستان، أكاد أجزم أنها حلاوة الروح، التي ورطت منصور وقبله كثيرون من "قدماء الجزيرة" بلقاءات غير محسوبة.. وكأنهم يافعون يبحثون عن سبق صحفي ما، حتى لو كان الثمن إجراء لقاء يزيد من ألم الثورة السورية، مع رجل لم نعرف ملامحه بعد، فكيف نوليه أمرنا.
لو ظهر الجولاني بخطاب مباشر للسوريين، كاشف الوجه والقلب.. مصارحا بالضرر الذي جلبه بمبايعته للقاعدة.. معترفا بضرورة بناء الجبهة لتكون سوريّة خالصة، لتحول-ربما- إلى الرجل الأول في قلوب السوريين..
ظهر الجولاني في الوقت الخطأ وعلى الكرسي الخطأ -كرسي محافظ إدلب- ومع المذيع الغلط، دون أن يكشف وجهه، كما لو أنه لم يسمع السوري حين يخاطبه الآخرون: "اطلع فيني وأنت عم تحاكيني.. العين مغرفة الكلام".
رئيس التحرير
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية