أوقعني هذا الرجل في حيرة.. د. عوض السليمان*

ليس لدي أي موقف شخصي ضد زهران علوش ولا جيشه على الإطلاق، إلا أن تصريحاته التي أدلى بها لوكالة ماكلاتشي الأمريكية ، تثير كثيراً من التساؤلات حول طبيعة المقابلة وأهدافها.
للذين لا يذكرون، فقد أعلن الرجل في نهاية الشهر الأول من العام الحالي أنه سيقصف مواقع الأسد في دمشق بمئات الصواريخ كردّ على الحصار الذي تتعرض له الغوطة. وذهب بعيداً إذ تعهد بإطلاق ألف صاروخ في الرشقة الواحدة.
الحق إنه لم يطلق إلا عدداً محدوداً من تلك الصواريخ، محلية الصنع ضعيفة التأثير، وبعد أقل من عشرة أيام على تصريحاته الإعلامية، صمت زهران تماماً، ولم يوف بوعده، لا بالألف ولا ببعضها.
استغل الأسد الموقف، فقصف الغوطة بآلاف البراميل المتفجرة، حتى كاد يهلك دوما عن بكرة أبيها.
كان اعتراضنا أن يخبر علوش عدوه بساعة وتاريخ قصفه، ثم اعترضنا من جديد لأن الصواريخ سقطت في محيط كفر سوسة، ولم تدمر السومرية مثلاً، كما أنها لم تسقط على قصر تشرين أو قصر الشعب. أما اندهاشنا فكان أن السيد زهران أوقف إطلاق الصواريخ على دمشق بشكل نهائي ولم يخبر أحداً عن السبب وذهبت وعوده أدراج الرياح، بينما عانت دوما من الحصار والقصف معاً.
ذكرتنا هذه القصة بواقعة هجوم براميل الأسد على قرى درعا، وقارنّا ذلك بما حدث في دوما فوجدنا قاسماً مشتركاً، فقد أعلنت واشنطن، كاذبة، عن مساعدات قتالية لدرعا، وكان نتيجة الإعلان أن يشن الأسد آلاف الهجمات على قرى المحافظة. وأعلن علوش عن قصف دمشق بألف صاروخ في كل رشقة ولم يفعل، وكانت النتيجة مماثلة أيضاً: هجوم لا مثيل له على دوما وجوارها.
مرت أربعة أشهر على هذه القصة، وفاجأنا قائد جيش الإسلام في تصريحاته مع ماكلاتشي، بأن الولايات المتحدة هي التي طلبت إليه وقف القصف على دمشق. والغريب أن السيد علوش، أبدى امتعاضه من الطلب الأمريكي، وفهم منه، كما قال، عدم اهتمام واشنطن بحماية الشعب السوري. لكن السؤال: فلماذا توقف القصف الصاروخي إذاً؟ هل قبل علوش الطلب الأمريكي واستاء منه فحسب؟ أم رفضَه ولكن ليس لديه أية صواريخ ليطلقها؟ أوقعني هذا الرجل بحيرة!!.
إذا كان جيش الإسلام يدرك حقيقة موقف البيت الأبيض من بشار الأسد، وأطاع الأوامر فتلك مصيبة، وإن اعترض، لكنه لا يملك الصواريخ فالمصيبة أعظم لأنه لم يصدق مع الشعب السوري.
تصريحات أخرى تمحورت حول استعداد الرجل لتغيير رايته الإسلامية، وقبوله بعلم الثورة، وجُمل متناثرة حول العلويين وشكل الدولة بعد سقوط الأسد، أثارت عندي تساؤلاً مهماً، أين صدق علوش؟ أ في تصريحاته القديمة التي أطلقها من الغوطة؟ أم في تصريحاته عبر وكالة الأنباء الأمريكية.
أتفهم أن "يدوّر" الرجل بعض أقواله من باب فن الممكن، ولكن الفضيحة جاءت من الناطق باسم جيش الإسلام، الذي شرح جوانب المقابلة قائلاً: إن تصريحات علوش القديمة من الغوطة كانت للاستهلاك المحلي، والحقيقة أنني صدمت من هذه العبارة التي ربما لم يحسن إسلام علوش استعمالها، أو ظنها ذكاء وهي جملة تعني المنافق ذا الوجهين، وتعني بالنسبة للسيد زهران، أنه "كذب" على أهله في الغوطة وصدق مع واشنطن التي وصفها بأنها تريد حماية الأسد فحسب.
يثير متابعون مسألة تغيير السيد زهران علوش لتصريحاته ويعيدون ذلك إلى رغبة أطراف دولية وإقليمية بأن يلعب جيش الإسلام دوراً ما في مرحلة ما بعد الأسد، ويحتجون بمقابلة ماكلاتشي تلك حيث ظهر "المتطرف السابق" معتدلاً من جهة ومحارباً للإرهاب من جهة أخرى.
ويشير هؤلاء إلى ظهور علوش في إسطنبول جنباً إلى جنب مع المعارضة السياسية التي يصفها الغرب بالاعتدال أيضاً. ويذكّرون بتصريحاته الحادة حول جبهة النصرة في الشهر الماضي، بالرغم من وجود تحالف بينهما. بكل حال : ويأتيك بالأخبار من لم تزود.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية