نحن، الشعب السوري.. ميخائيل سعد

ليس في نيتي أن أكتب عظة الأحد في إحدى الكنائس، على طريقة رجال الدين المسيحي، ولا خطبة الجمعة، في أحد الجوامع، على طريقة رجال الدين الإسلامي، أحض فيها على ضرورة التمسك بالقيم الأخلاقية في الممارسات اليومية، وطاعة الحاكم والدعاء له.
أودّ الكتابة عن فيلم أمريكي يتحدث عن الاستبداد في انجلترا، أثناء الحروب الصليبية، وعن محاولات تصحيح ذلك من خلال تقليص صلاحيات الملك المطلقة، وصلاحيات رجاله.
فأنا ما زلت أعتقد، رغم كل مآخذنا على هذا الغرب، أننا نستطيع التعلم من خبراته وإنجازاته في مجالات متعددة، دون أن نقع في شرك "الاستغراب" الذي يروج له بعضنا باسم "الأمن الثقافي" أو الاختراق الثقافي لمجتمعاتنا، أو الخوف على أصالتنا. فقد أصبحنا نعيش في عصر لا يستطيع فيه أي راعي غنم، أو راعي بقر، أينما كان الاحتماء من رياح العولمة والتأثر بها، وقد لاحظنا جميعا هذا عند "داعش"، أشد الفصائل "الإسلامية" تمسكا "بالأصول" كيف تقلد الغرب وتأخذ منه وتتعلم أكان في الإعلام أم في التسلح أم في الاستراتيجيات الحربية بل وحتى في الثياب والتكنولوجيا والسيارات، فلماذا يحاولون هم وغيرهم من الحكام استبعاد درس "إسقاط الاستبداد" عن أنفسهم وعن الناس!؟
بعد عودته، يقرر ريشارد قلب الأسد، ملك بريطانيا الذي شارك في الحملة الصليبية الثالثة على فلسطين، الاستيلاء على بعض المناطق والقلاع في فرنسا، والمعروفة بغناها كي ينهب ذهبها، فيحاصر إحدى القلاع الحصينة ويحاول اقتحامها فيموت بسهم رشقه به أحد الجنود المدافعين عام ١١٩٩. ولكن قبل موته يعرض فيلم "روبن هود" في نسخته الاخيرة (٢٠١٠) حوارا جرى بين الملك وبين أحد جنوده الشجعان الذي كان معه في فلسطين، والذي سيكون "روبن هود" في المستقبل، سأل الملك: ماذا تظن في الحروب الصليبية التي خضتها، هل سيكون الرب راضيا عن تضحياتي فيها؟
أجاب الجندي بعد تردد قصير: لا يا سيدي.
بانت الدهشة على وجه الملك، وقال للجندي: لماذا تقول إن الله لن يكون راضيا عني؟
قال العسكري "روبن هود": لأنك يا سيدي أمرتنا بقتل ٢٥٠٠ مسلم، أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ، وكان أمامي صبية يجب قتلها، نظرت في عينيها فلم أرَ خوفا ولا غضبا، كل ما رأيته فيهما نظرات الرحمة والرأفة، ومع ذلك فقد نفذت أمرك وقتلتها، لأجلها فقط قد يكون الرب غاضبا منك ومني، فكيف بالبقية؟!
مما لا شك فيه أن كاتب السيناريو ومخرج الفيلم أرادا القول لنا من خلال هذه اللقطة إن الثقافة الغربية ثقافة متميزة ومتفوقة، وإن الملك كان "عادلا وديمقراطيا" عندما سمح لأحد جنوده بالكلام معه بهذه الطريقة، في الوقت الذي كان فيه النظر إلى وجه الملك يعتبر جريمة في ذلك العصر الأوروبي، والذي كان يعتبر الملك مندوب الرب على الأرض وفي حكم الناس. إلا أن تلك اللقطة السينمائية كانت، أيضا، مقدمة لتعريفنا بالبطل الشجاع العادل الذي يدافع عن الحق ويتعاطف مع الفقراء. وتشاء المصادفة أن يموت ناقل تاج ريشارد إلى بريطانيا، بعد موت الملك، فيكون "روبن هود" آخر من يراه قبل أن يلفظ أنفاسه فيطلب منه أن يسلم التاج إلى أم الملك ريشارد، وأن يسلم سيفه إلى والده، وبذلك كان حظه أن يتعرف على ولي العهد الأمير جون، الذي سيصبح ملك بريطانيا، فيطلق يد رجاله في المملكة، وعلى رأسهم صديقه، الذي كان يخونه ويتآمر مع الملك الفرنسي فيليب لاحتلال بريطانيا، لجبي الضرائب ونهب الناس دون أي احترام لمكانة "اللوردات" أو لقدراتهم المالية، أو لوضع الناس الفقراء أصلا، في وضع أشبه ما يكون بعد وصول بشار الأسد إلى العرش وإطلاق يد ابن خاله رامي مخلوف في نهب مقدرات سوريا، مما مهد لقيام الثورة السورية.
مات الملك ريشارد، الذي كان يحبه ويخافه الجميع في بريطانيا، ووصل إلى العرش شقيقه الصغير جون، المتهور، الذي يريد جمع مال البريطانيين بين يديه، فأهان الجميع وأفقرهم، فكان لا بد من الثورة عليه لوضع حد لجشعه واستهتاره. بالتوافق مع تقدم جيوش "اللوردات" باتجاه لندن، تم اكتشاف خيانة صديقه المفوض، واتفاقه مع ملك فرنسا، ومعرفة مكان وزمان وصول قواته إلى الساحل البريطاني، ويجد الملك نفسه في وضع لا يُحسد عليه، فعرشه مهدد من قبل ملك فرنسا، وصلاحياته المطلقة كملك سلطته مستمدة من الله، مهددة بالتقلص من قبل الثوار الذين لا يطلبون أكثر من الحرية المشروطة بالقانون، ووقف النهب كي يعيشوا، ويكون على رأس الثوار "روين هود" الذي اكتشف أصله "النبيل" فتم التوافق عليه متحدثا باسم الناس وباسم اللوردات في مواجهة الملك جون.
عندما يطالب وجهاء القوم الملك بتوقيع وثيقة يعترف فيها بأن سلطاته مستمدة من سلطة الشعب يرفض ذلك، مكتفيا بالقسم برأس أمه الملكة أنه سيفعل ذلك بعد انتهاء المعركة والانتصار على الملك الفرنسي فيليب. إلا أن "روبن هود" يستمر في تحريض الناس بالقول الواضح، الذي لا لبس فيه: إذا كنا سنقاتل من أجل مستقبلنا جميعا فيجب أن يكون اتفاقنا شاملا وجامعا لكل الأطراف كي يكون قويا، إن قانون هذا البلد يجب أن يكون في خدمة الشعب، والشعب هو من يقرره وليس مزاج الملك، ما نريده هو العدل الذي ينصف كل امرأة ورجل، إننا نريد الحرية بالقانون، وليس كعطاء أو منحة من الملك.
لم يوقع الملك الوثيقة واكتفى بالقسم برأس أمه الملكة أن يفعل ذلك بعد المعركة، وتتواجه القوات البريطانية والقوات الفرنسية على الشاطىء البريطاني، وتتم هزيمة الفرنسيين بفض قيادة وشجاعة "روبن هود"، وبحضور ومشاركة الملك جون، يهتف الناس بحياة روبير (روبن)، فيسأل الملك لمن يتوجه الناس في هتافاتهم، فيقول له أحدهم إنهم يهتفون بحياة روبير.
في قصر الملك، وأثناء الاحتفال الرسمي بالنصر، حيث يجب أن يوقع الملك الوثيقة الدستورية التي كتبها روبير (روبن هود)، يقوم بالتنكر لوعوده أمام اللوردات والناس، ويقول إن سلطته مستمدة من الله وليس من الناس، فيصمت الناس خوفا من السهام الموجهة لصدورهم، ويحرق الوثيقة، معلنا في الوقت نفسه أن المسمى "روبن هود" هو رجل خارج القانون ويجب على كل بريطاني يراه أن يلقي القبض عليه وإعدامه.
ينتقل "روبن هود" إلى الغابة مع مناصريه والفقراء والجياع، معلنا الثورة التي لن تتوقف إلا مع الدستور الجديد الذي يبدأ: "نحن، الشعب السوري".
*ملاحظة: استعرت هذا التعبير: نحن، الشعب السوري، من منشور كتبه الصديق وائل السواح على صفحته في "فيسبوك".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية